"الدعم الحكومي" وهمٌ باعته الحكومة للمواطن.. وتسحبه نزولاً عند شروط البنك الدولي؟!

وكالة أنباء آسيا – نور ملحم

2020.11.05 - 10:09
Facebook Share
طباعة

 أحكمت الحكومة السورية قبضتها على الحاجات الأساسية للمواطن السوري بشكل تام، فالسياسات الأخيرة كان عمادها رفع الدعم عن المواد الأساسية كالخبز والمازوت والبنزين، بما يتناقض مع ما كانت تعلنه هذه الحكومة نفسها في مناسبات عدة، أي عدم تخليها عن هذا الدعم، رغم أن الواقع يدل على عكس ما يتم التصريح به، فالقرارات المتتالية تقول إن الحكومة تسحب بساط الدعم بشكل تدريجي، وكان ذلك واضحاً حينما فجّر رئيس لجنة الموازنة والحسابات في "مجلس الشعب" محمد ربيع قلعه جي القنبلة، وطالب بضرورة إلغاء الدعم وتوزيعه بشكل نقدي على المواطنين بموجب البطاقة الذكية، الذي تم خلالها إحصاء كامل لأعداد المواطنين وأعمارهم ومستوى دخولهم، بحسب تعبيره.

وبرر قلعه جي ذلك، بأن حجم الدعم الوارد في مشروع موازنة العام المقبل والمقدر بنحو 3.5 تريليون ليرة كبير، إلا أنه وهمي وغير حقيقي، معتبراً أن استخدام هذا الدعم يعد ذريعة للفاسدين ويخلق الفساد.

قرارات مستنزفة ..

اعتاد السوريون على تلقي قرارات حكومية تستنزفهم مادياً ومعنوياً، لكن هذه القرارات لم تمر دون موجة واسعة من الانتقادات للحكومة التي باتت تصدر قرارات غير متناسبة على الإطلاق مع الظروف الاقتصادية العامة.

فالخطوط الحمراء؛ تلك العبارة التي طالما سمعنا بها عبر تصريحات الوزراء، وخاصةً عندما كانوا يقدمون الوعود بعدم رفع الدعم عن السلع الغذائية والمحروقات والطاقة والتعليم والصحة وغيرها، كانت تنتهي دائماً إلى مجرد وعود.

الخبير الاقتصادي، الدكتور عمار يوسف يرى في تصريح لوكالة أنباء آسيا أن "الحكومة السورية تتجه لرفع الدعم نهائياً عن جميع المواد لتحقيق شروط البنك الدولي للاقتراض منه وإعادة الاعمار"، محذراً من نتائج "كارثية"، قد تمس بسيادة القرار الاقتصادي في سورية.

وأضاف يوسف ، أن هدف الحكومة من رفع الدعم هو توجهها للاقتراض من البنك الدولي، بسبب حاجتها للتمويل من أجل إعادة الأعمار"، مشيراً إلى أن "أهم شروط الاقتراض من البنك الدولي هو رفع الدعم الحكومي، وهذا بدوره يؤدي إلى زعزعة الثقة بين المواطن والحكومة، وبذلك تصبح الحكومة تابعة للبنك الدولي وتفقد سيادتها بالشأن الاقتصادي".

وبحسب اليوسف فإن "مرحلة الفقر المدقع مستمرة في ظل غياب أي معالجة اقتصادية فعالة من قبل الحكومة، بل على العكس تماماً؛ ما زالت زيادات الأسعار وخاصة فيما يتعلق بحوامل الطاقة مستمرة، إضافةً لاستمرار الحكومة في رفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطن، من خلال المبدأ الجديد المعتمد وهو مبدأ "عقلنة الدعم" الذي سيؤدي بالنتيجة بالمواطن السوري إلى الموت جوعاً" كما يقول.

بوابة للنهب ..

قدرت اعتمادات الدعم الاجتماعي للعام المقبل بـ 3,5 تريليون ليرة، وتعادل 50 %من كتلة الإنفاق الجاري، فالاعتمادات تزيد عن الدعم الاجتماعي في موازنة العام الجاري بنسبة 838.34 %

ويشير عضو في مجلس الشعب (رفض الكشف عن اسمه) في تصريح لوكالة أنباء آسيا إلى أن الآلية المطروحة من غير الممكن تنفيذها على أرض الواقع، حيث لاحظنا الأخطاء المتكررة منذ اليوم الأول لاستخدام البطاقة الذكية، والتي حرمت الكثير من المواطنين من حقهم في الحصول على المواد المدعومة وأبسطها الخبز، والسبب في ذلك عدم وجود بنية تحتية صالحة لتنفيذ مثل هذا لمشروع الضخم، والذي يحتاج إلى قاعدة بيانات، ونحن إلى اليوم لا يوجد لدينا إحصائيات رسمية دقيقة لعدد العائلات، لذلك سيكون لدينا الكثير من الأخطاء والنكبات للعديد من العائلات التي ستُسرق تحت بند الدعم .

دعم وهمي!

من جهتها، تؤكد الدكتورة في الاقتصاد، رشا سيروب، أن كل ما يقال عن تحول الدعم إلى بوابة نهب أساسية كان ولا يزال صحيحاً، إذ مع ترسّخ نموذج مصالح الفساد الكبير في سورية كمحدد لتسيير السياسات، حيث تحول الدعم إلى واحدة من دعامات النهب.

وبحسب دراسة أعدتها سيروب واطلعت عليها وكالة أنباء آسيا فإنه عمليّاً كانت التقديرات بأن مخصصات التهريب من المحروقات تقارب 30% من الكميات، وعدا عن مخصصات التهريب، فإن المليارات الموضوعة للدعم لم تكن دقيقة، وتفتح تساؤلاً حول موضع صرف هذه الأموال.

وقد بينت الأرقام الرسمية لكلف الإنتاج والتكرير في سورية أنّ تسعير المنتجات بلغ 10 أضعاف التكلفة الفعلية المسعّرة عالمياً، أي أن أسعار بيع المنتجات المدعومة كانت أعلى من سعر التكلفة، وتحقق أرباحاً على الأقل في بعض المواد دون غيرها.

ومن هذا فإن دعم المحروقات ودعم الكهرباء التي تشكل المحروقات نسبة 85% من كلفها لم يكن دعماً موجوداً فعلياً، فعموم التكلفة أقل من السعر المدعوم.

تحرير تدريجي ...

وتشير سيروب إلى أن شعار "عقلنة الدعم" ارتفع بقوة خلال الأزمة، وهو لم يغب عن أصحاب الطرح الليبرالي الاقتصادي المتطرف في سورية منذ الحديث عن الإصلاح الاقتصادي في عام 2003، وانتقلت السياسات خلال الأزمة للتحرير التدريجي لأسعار المحروقات، أي إنهاء الدعم.

وبيّنت أنه "على الرغم من أن مليارات الدعم كانت تتصاعد سنوياً في الموازنة، لكن كانت تزداد مقابلها ما تسمى إيرادات فروقات الأسعار، والمصدر الأساس لهذه الإيرادات هو رفع أسعار مبيعات الدولة من المواد الأساسية كالمحروقات، وعملياً انتقلت أسعار البنزين لتصبح محررة، وأسعار المازوت قريبة من السعر العالمي وكذلك الفيول، ولم يتبقَ إلا سعر كيلو واط الكهرباء، يباع بأقل من التكلفة في تسعيرة الشرائح الأقل سعراً، بينما مبيع الكيلو للشركات العامة والخاصة والقطاع الحرفي والتجاري والصناعي أعلى من التكلفة وهو رابح".

وتدعم الحكومة المواطنين بعدة مواد، تدرج سعرها بالارتفاع حتى قبل الحرب، وهي: السكر، الرز، البنزين، الغاز، المازوت، الخبز، إضافة إلى الكهرباء، وتوسعت عام 2013 لتشمل الشاي والبرغل والسَمن والزيت النباتي، لكن على الورق فقط.

بالأرقام..

منذ عام 2012، والسوريون لا يحصلون على شيء من المواد الغذائية المدعومة، بينما بقيت المحروقات متاحة ويمكن الحصول عليها، لكن بعد سحب الدعم منها تقريباً، الأمر الذي وفّر على الخزينة مبالغ مالية لا بأس بها، إلا أنها ألحقت أضراراً جسيمة بالوضع المعيشي لغالبية المواطنين السوريين نتيجة ارتفاع أسعار تلك المواد لأكثر من عشرة أضعاف في أدنى حالاتها بالأسواق.

وفي مقارنة صغيرة ما بين عام 2018 – 2020 للمواد التي كانت مدعومة من الحكومة (باستثناء الكهرباء) يتوضح لدينا فرق السعر، حيث كان سعر ربطة الخبر 50 ليرة سورية فأصبحت اليوم 100 ليرة سورية بفارق الضعف، وارتفع سعر السكر بحوالي 400 ليرة سورية فكان بـ 400 ليرة وأصبح اليوم 800 ليرة سورية، أما الرز المدعوم فوصل سعره عام 2020 إلى 900 ليرة بعدما كان في 2018 450 ليرة سورية، أما بالنسبة للمحروقات المدعومة كما تدّعي الحكومة، فقد ارنفعت أسطوانة الغاز حوالي 200 ليرة سورية لتصبح بسعر 2800 ليرة. أما المازوت المنزلي فأصبح الليتر 185 ليرة سورية بزيادة بسيطة تقدر بخمس ليرات، في حين تضاعف سعر المازوت المدعوم الصناعي والتجاري ليصل في عام 2020 إلى 650 ليرة سورية بعدما كان في عام 2018 بحدود 180 ليرة سورية، وتضاعفت أسعار البنزين المدعوم أيضاً ليصل الليتر إلى 450 ليرة سورية بفرق 225 ليرة سورية عن عام 2018 .

بالمقابل انخفض راتب الموظف كقيمة حقيقية مقارنةً بالدولار، حيث كان متوسط راتب الموظف في القطاع العام عام 2018 بحدود 30 ألف ليرة سورية بما يعادل 65 دولاراً، أما اليوم فأصبح متوسط الراتب 60 ألف ليرة سورية بما يعادل 24 دولاراً.

وقبل الخوض في أي عملية حسابية بخصوص الدعم، خسر المواطن ما قيمته تقريباً 110 آلاف ليرة كان يجب أن تضاف إلى راتبه الحالي، ولو أضيفت ستبقى غير كافية نتيجة التضخم بأسعار السلع، والإيجارات وكل الأمور المعيشية ، أي أن الموظف السوري ينفق حالياً لشراء المواد التي من المفترض أن تكون مدعومة لتساعده في رفع مستوى معيشته ما بين 42 إلى 72% من الراتب، وقد تزيد أكثر مع إضافة الكهرباء، ما يجعل القضية عكسية في ضرب قدرته على الاستمرار في الحياة بظل هذه المعادلة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7