من يحسم معركة الوصول إلى البيت الأبيض: "كورونا" الفتّاك أم الإنجيليين الأقوياء؟

خاص آسيا - سامي شحرور

2020.11.03 - 05:49
Facebook Share
طباعة

 لا شيء قد يهزم دونالد ترامب اليوم أكثر من "كورونا"، فـ"الرئيس" الذي كان وصوله إلى البيت الأبيض أشبه بـ"نكتة سمجة" بالنسبة لكثيرين، والذي كان نجاحه مستبعداً في مواجهة هيلاري كلينتون عام 2016 كما هو مستبعد اليوم وفقاً لكل استطلاعات الرأي، فاز على هيلاري ، وقد يفوز اليوم على بايدن، والسنوات الأربع الماضية من حكمه أثبتت أنه غالباً ما ينجح رغم كل شيء .

واليوم، ينتظر الكثير من الأمريكيين، ومعهم أوروبا والصين وبلدان عديدة في العالم، وهم يعدون الدقائق والساعات لانقضاء زمن ترامب، ويأمل هؤلاء بأن تكون فترة رئاسته الأولى  "مرحلة عابرة أو فاصلة" في تاريخ أمريكا والعالم.

ثمّة في أمريكا من يصف سنوات حكم ترامب الأربعة السابقة بأنها "المرحلة التي شكلت شذوذاً مريعاً في التاريخ الأميركي"، لكن الأساس الذي ينطلقون منه جميعاً هش. فربما كان انتخاب ترامب من الوقائع التاريخية غير المتوقعة أبداً، لكنه لا يواجه الخسارة الآن سوى بسبب واقعة أغرب، بعد أن أخذت شكل جائحة غير مسبوقة.

ففي أواخر العام الماضي، كانت فرص ترامب جيدة في الفوز بولاية ثانية بفضل اقتصاد مزدهر، نظراً لأن قلة من الرؤساء أُخرجوا من مناصبهم حين كانت رياح الاقتصاد تهبّ لمصلحتهم.

لا عجب إذاً في سخط ترامب من الفيروس نفسه، وتقليله على هذا النحو المضحك من شأن قوته وقدرته على الفتك، مع أنه قتل 225 ألف أميركي إلى الآن.

لكن مجرد فكرة أنه كان من الضروري أن يحل فيروس كورونا كي يُهزم ترامب هي برهان على أنه ليس شذوذاً أو مرحلة طارئة كما يعتقد خصومه. وليس الإيمان بأنه كذلك سوى مبالغة في الأمل من جانب أميركيين كثر- وغالبية الصحافة – الذين يكرهونه ويعتبرونه شخصية شريرة لا يُعزى تسلّمها السلطة سوى إلى دعابة تاريخية ثقيلة ومريعة.

ومع أنه يمكن تفهّم هذا التفكير، إلا أنه يقلل من شأن نفوذ القوى التي دعمته، ويسيء قراءة التاريخ الأمريكي بشكل بالغ.

ما أوصل ترامب إلى البيت الأبيض في 2016 كان حلفاً غريباً بين أصحاب المليارديرات والمهمشين، وملايين المتدينين الإنجيليين.

ووفقاً لدراسة حديثة لمؤسسة بيو للأبحاث، من المرجح أن يصوت 58% من البروتستانت لصالح ترامب، ولكن هذه النسبة ترتفع إلى 82% مع الإنجيليين؟

وتعتبر الولايات المتحدة الأكثر تديناً من بين الدول المتقدمة، وبحسب دراسة لمؤسسة "غالوب" عام 2016، فإنّ ثمانية من كل عشرة أشخاص في الولايات المتحدة يُعرّفون أنفسهم على أنهم متدينون.

وتُقدّر أعداد المنتمين للمذهب البروتستانتي في الولايات المتحدة بأكثر من 170 مليوناً، وهو ما يشكل قرابة نصف الأمريكيين، نحو 40% منهم (ربع سكان البلاد) هم من أتباع الكنيسة الإنجيلية، إحدى الكنائس التي تطوّرت عن البروتستانتية في الولايات المتحدة، والتي تتضمن طوائف عدّة مثل؛ المعمدانية، والميثودية، وغيرها.

قبل 4 سنوات، صوت 81% من الناخبين الإنجيليين لصالح المرشح الجمهوري -حينها- دونالد ترامب، وسيعيد الملايين منهم نفس نمط التصويت خلال انتخابات اليوم كما تقول أوساطهم.

ويحظى ترامب بدعم قوي من الإنجيليين المحافظين رغم اختلافه في سلوكياته وأخلاقه عنهم، ولم يتأثر هذا الدعم بحملات الديمقراطيين ضد ترامب، ولا حتى بالشهادات السلبية التي يقدمها مسؤولون كبار ممن عملوا معه في البيت الأبيض.

وقد حيّر دعم الإنجيليين البيض لترامب العديد من المراقبين، فلطالما ربط الإنجيليون أنفسهم كحماة "للقيم العائلية والأسرية" واعتبروا أنفسهم "الأغلبية الأخلاقية". لكن ترامب لا يكاد يكون نموذجاً لهذه القيم الأخلاقية أو الأسرية.

ويبدو للكثيرين أن العلاقة كانت نفعية تقليدية، فترامب سيعين قضاة محافظين في المحاكم المختلفة خاصة المحكمة العليا، وسيدافع عن "حريتهم الدينية" وينهض بمصالحهم، وفي المقابل سيقدمون له دعمهم الانتخابي.

هذا الكلام يلامس الحقيقة، لكن وصف هذه العلاقة بأنها مجرد منفعة فيه بعض التبسيط كما يؤكد خبراء ومؤرخون أمريكيون، فهناك مشاركة واسعة في القيم والسياسات التي تجمع الإنجيليين البيض المحافظين مع مواقف ترامب في مجموعة واسعة من القضايا، ومنها:دعم إنفاذ القانون وأمن الحدود، معارضة احتجاجات حركة "حياة السود مهمة"، والحذر من المهاجرين.

وفي هذه القضايا تتطابق آراء هؤلاء مع ترامب. وعلى غراره؛ يؤمن الإنجيليون بفهم قومي مسيحي لما يسمى العظمة الأميركية، فعلى مدى عقود، أخذ الإنجيليون البيض على عاتقهم استعادة "العظمة الأميركية" وتطلعوا إلى قادة أقوياء لا يخشون استخدام القوة العسكرية أو الأدوات السياسية القاسية لتحقيق النظام والأمن.

جاء ذلك بعد شعورهم بالتهميش المتزايد خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، حيث كان العديد منهم يبحث عن رجل قوي يمكنه حماية مصالحهم وتوسيع سلطتهم بأي وسيلة ضرورية، وقد وعد ترامب بتحقيق ذلك.

واليوم، يبدو أن معظم الإنجيليين الذين صوتوا له قبل 4 سنوات، سعداء جداً لوفائه بوعوده بطرق مختلفة.

ورغم بعد حياة وأخلاق ترامب الشخصية والصاخبة، عن أخلاق الناخبين الإنجيليين المتدينين، إلا أن العديد من الإنجيليين المحافظين يعتقدون أن القيادة الأبوية مما يطلق عليه "جزء من خطة الله للبشرية" وقد أصبح الكثيرون يعتقدون أن الرجولة الخشنة، التي يغذيها هرمون التستوستيرون، مطلبهم الرئيس لممارسة تلك القيادة في "عالم غادر".

قد تأتي هذه القيادة "العدوانية" مع بعض الآثار الجانبية، لكن هذا يمكن غفرانه، لأن الخشونة التي تجعل الرجال يصنفون بالخطرين تجعلهم أيضا أبطالاً.

ويبررالعديد من الإنجيليين انحيازهم لترامب بأنهم لن يختاروا ترامب ليصبح قساً أو معلماً في مدرسة، موضحين أنهم يبحثون عن زعيم خشن "عدواني" يحمي مصالحهم ويوسع سلطتهم.

كما يرى العديد من الإنجيليين أن معارضة ترامب للإجهاض، ودفاعه عن الحرية الدينية (للمسيحيين) دلالة على أنه يعزز القيم الإنجيلية كما وردت بالكتاب المقدس، فيما شكّل اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل علامة على أنه ينفذ "المشيئة الإلهية"، ويحفز ذلك وجود قوي لما يسمى الإسلاموفوبيا بين التيارات الإنجيلية البيضاء المحافظة، والتي تضاعفت عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، إضافة إلى أن هناك تاريخاً طويلاً من الصهيونية المسيحية.

كل ما سبق يؤكد أن حظوظ ترامب ليست أقل من منافسه رغم كل استطلاعات الرأي التي تعاكس ذلك، مدعومةً بهجوم كبير من الصحافة التي تمني النفس والأمريكيين بقرب انتهاء أربع سنوات من حكم ترامب المصاب بجنون العظمة، وحيث لا تطيق غالبية الأمريكيين من مناصري حركة "حياة السود مهمة" صبراً كي تنقضي ولاية ترامب بلا رجعة.

إن هذا الأمر إن صحّ فسيكون عظيماً بالنسبة لكثيرين، لكن ترامب غالباً ما ينجح رغم كل شيء، لأن خصومه يستخفون به. ومع كل فظاظته وخبثه، يشن حملات فعالة بشكل رهيب، يساعد في نجاحها عدم كفاءة زعماء الحزب الديمقراطي.

إلا أن الظروف التي لعبت لصالحه في عام 2016 تجري على خلاف مصلحته الآن: فيروس كورونا المستجد نفسه، والانهيار الاقتصادي الذي تبعه، والفيروس الذي يكتسح اليوم ولايات يحتاجها ترامب من أجل الفوز سيعقّد مسعاه، والعناوين المذعورة التي تتصدر الصحف في الولايات المنكوبة لا تتكلم سوى عن الوباء هناك، ما يجعل من محاولات ترامب في التقليل من شأن المرض مجنونة ومدمرة له.

وهكذا؛ يبدو السؤال الأكثر دقةً اليوم قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأكثر إثارةً للجدل في تاريخ أمريكا: من ينتصر في انتخابات 2020؛ جحافل "كورونا" التي تفتك بالمزيد من الولايات الأمريكية، أم جموع الإنجيليين الذين يجدون في ترامب وسيطاً ووسيلةً فضلى لتحقيق مصالحهم ودعم معتقداتهم؟

الجواب ستحمله نتائج الانتخابات وإعلان الفائز خلال ساعات أو أيام على أبعد تقدير..

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 9