لاجئات سوريات في لبنان: تعنيف متعدد الأطراف.. ودعم الجمعيات النسائية رهن بالموارد وشروط المانحين

وكالة أنباء آسيا – بشرى الدعاس

2020.10.23 - 02:24
Facebook Share
طباعة

 
بين مرارة الحرب وقساوة اللجوء وصعوبة المعيشة كان للاجئة السورية نصيب إضافي لتتعرض لمزيد من الانتهاكات و المضايقات, فمن حالات قتل إلى حالات ابتزاز وتحرش جنسي وعنف ممنهج ضدها، إلى الكثير غيرها من معاناة الحياة اليومية التي تتعرض لها، سواء أكان من القريب أم من الغريب, هذه المعاناة فرضت واقع جديد على عمل الجمعيات التي تُعنى بقضايا النساء وتهدف الى حمايتهن لتأخذ على عاتقها مزيداً من الإجراءات، ولكن، هل أصابت هذه الجمعيات واستطاعت فعلياً أن تقدم الحماية اللازمة للنساء، أم أن عملها كان شكلياً و"بروباغندا" إعلامية لا أكثر.
قتلها زوجها ويدعي بأنها انتحرت :
لم تمر فترة الحجر الصحي خلال شهر نيسان على عائلة الحاج محمد المقيم في مخيمات البقاع على خير, اتصال هاتفي من قبل عائلة زوج ابنته وفحواه " تعا شوف بنتك ماتت " ليذهب إليها ويجدها معلقة بحبل في سقف الغرفة، الشكوك حول الحادثة راودته حيث أنه لم يلاحظ ما ينبئ بأنها انتحرت، فالخلافات العائلية بينهم والأصوات التي سمعها الجيران من منزلهم ليست بنظره إلا دليل على أنها ماتت مقتولة على يد زوجها ووالد طفلهما الرضيع من خلال كسر رقبتها بمساعدة والدته .
الزوج موقوف على ذمة التحقيق منذ ستة أشهر، أما والدته فأوقفت 40 يوماً لتخرج من بعدها , ويؤكد بأنه لو لم يكن صهره قد فعل شيء لابنته لكان قد خرج من السجن.
يتابع الحاج محمد بأنه تواصل مع الكثير من الجمعيات، ولكن لم يسمع منهم  سوى الكلام، وأما عن المحامية التي قام بتعيينها بنفسه فيقول بأنها لا تقوم بعملها كما يجب، ولا توفر له أي معلومة لتخبره بها عن مسار القضية، وجملة " ما بعرف شي عن القضية " كانت هي سيدة الموقف, ويكمل بأنه حتى أنها منذ ثلاثة أشهر قالت له بأن المعطيات انقلبت ضده وهو يريد فصلها عن القضية، لكن الحالة المادية لا تسمح له حيث أن فصلها سيكلفه خمسة ملايين ليرة لبنانية .
"زوجي عنفني وحاول منع أولاده من تكملة تعليمهم" :
 في البقاع أيضاً، سيدة كانت معلمة لمادة الرياضيات في سوريا، أجبرها زوجها الذي كان قد تركها مع أطفالها في الغوطة الشرقية قبل استعادتها من الجيش السوري، على الدخول خلسةً إلى لبنان، لتبدأ فصل جديد من حياتها مع زوجها.
تسرب أطفالها عن الدراسة كان الحد الفاصل الذي قلب الأمور، حيث كان شرطهم الأساسي للبقاء في لبنان هو تكملة تعليمهم، بينما الأب الرافض لتلك الفكرة رأى أن المهنة بيد أولاده الذكور هي الأنسب، وزواج بناته هو الحل الأفضل، مع صعوبة الحياة المعيشية والمادية، ومما زاد الأمر تعقيداً هو ضغط أهله، وتحديداً أخوه وزوجته، في منعهم تكملة تعليمهم.
لم تخضع الأم للضغط، فحاولت بكل الطرق خلق وسائل تساعدها في تحقيق هدف أولادها. بحثت كثيراً عن مدارس لاستقبالهم، وتعرضت للابتزاز الجنسي. لكنها تابعت مسيرتها في البحث عن مدرسة إلى أن وجدت واحدة، ولكن آجار الحافلة الذي يقدر ب 45 ألف ليرة لبنانية شهرياً لكل طفل من أطفالها الخمسة  جعل رفض زوجها قاطعاً، فحاولت الزوجة أن تقنعه بأن الأمم المتحدة هي من ستغطي تلك التكاليف، ولكن تأخر وصول مبالغ المساعدة من قبلهم  وتحريض عائلته ضدها، رسم بدايةً لمسلسل العنف الجسدي بعد أن كان لفظياً فقط .
وصلت مرحلة التعنيف للشروع في القتل حيث حاول في إحدى المرات وهي تطبخ في أن يضع رأسها ويديها في وعاء الطبخ لأنها منعت طفلها بأن يشتري لوالده الكحوليات .
ومع زيادة حدة العنف، لجأت السيدة لطلب الحماية وطلب الطلاق ولكن لأنها لا تعمل ووضعها الاقتصادي السيء يمنعها قانونياً من الحضانة لأطفالها، اختارت العودة للعيش تحت ظل زوجها المعنف.
عادت الجمعية من جديد لتبدأ معها مشروع الخطة السليمة، ومع دورة تدريبية أخرى مع إحدى الجمعيات، تحت عنوان كيفية التفاوض وبناء السلام وكيفية الوصول لكلمة نعم من دون التنازل عن الحقوق استطاعت أن تبني السلام مع زوجها وتحقق أهدافها، خصوصاً بعد تفوق أولادها دراسياً وحصولها على مساعدات مالية، ما جعل الثقة تجاهها من قبل زوجها أكبر, وكل تلك الخطوات كانت تتم بسرية تامة، لأنه لو علم زوجها بما يحدث لكان قد قتلها حيث هددها بالفعل بذلك إن طلبت الطلاق أو إن تركت المنزل .
تقول السيدة بأن تجربتها مع الجمعيات كانت ناجحة وفاشلة في نفس الوقت، فهم لم يؤمنوا لها البديل منذ البداية بسبب حالتها المادية، لذلك تطلب منهم بأن يسعوا لتمكين المرأة ويقدموا لها الإمكانيات المادية قبل المعنوية في حال تعرضت للعنف، ليكون هناك أماكن تستطيع السيدة حماية نفسها بها.
تهديد بخطف طفلها الرضيع وقتل والدها :
إلى بيروت التي تحمل بين جدران بيوتها قصصاً تستحق أن تروى، فخطوبة امتدت ل 25 يوماً لفتاة في السابعة عشر من عمرها، ومن بعدها زواج لم يخلو من العنف منذ أسابيعه الأولى، نتج عن هذا الزواج طفل عمره الآن شهرين فقط، ولكن لم تكن تلك القصة بهذه السهولة .
فمن حب التملك والغيرة من أهلها وصديقاتها، إلى التعنيف اللفظي والجسدي والاغتصاب الزوجي والاستهزاء من أهلها، عوامل لم تترك للصبية قراراً غير الفراق عن زوجها ابن الـ 21 عاماً .
طلبت الطلاق كثيراً، ولكن قوبل بالرفض، ومما زاد الأمر تعقيداً هو أن الشيخ الذي عقد القران لم يكن شيخاً رسمياً، فعند طلبهم لتثبيت الزواج قام الشيخ بالتهديد بالتعرض للأب إن لم يسكت عن الموضوع، ولكن لجوءهم إلى إحدى الجمعيات التي استلمت قضية الطلاق وتثبيت الزواج وحضانة الطفل جعلتهم يرضخوا للأمر الواقع وبقوموا بتثبيت الزواج في المحكمة الشرعية .
تعيش الأم وعائلتها كلها رعباً حقيقياً بسبب تهديد الزوج بخطف ابنه وتهريبه إلى سورية، أما والدة الطفل فتستيقظ من نومها مرعوبةً تبحث عن طفلها النائم بجانبها وهي في حالة من عدم الوعي بسبب الكابوس الذي يطاردها ألا وهو زوجها .
عمل والد الصبية في الليل، وهذا ما يجعلهم يشعرون بالقلق من فقدانه لهم بعد أن هدد زوج ابنتهم بقتله بمساعدة بعض الأحزاب المسنود عليهم .
في هذه القصة نجحت الجمعية في حماية الأم وطفلها من الخطف عند الولادة في المستشفى، بعد أن أقدم أهل الزوج على إخفاء أوراق المستشفى عنها لكي يستطيعوا عند لحظة الولادة أخذ الطفل، ولكن عدم إخبار أحد لحظة الولادة وحرص الجمعية والمستشفى على الحماية ساعدهم في الاحتفاظ بالطفل الرضيع، إلا أن المماطلة من قبل الجمعية في السير قدماً في تحقيق الطلاق هو ما يرهق العائلة حالياً .
نقص للموارد وصعوبة معايير مراكز الإيواء :
في حديث خاص أجرته وكالة آسيا مع مايا حداد، منسقة مركز الدعم في البقاع لدى جمعية "كفى"، قالت: "منذ عام 2013 استطاعت جمعية "كفى" منذ أن بدأ مركز البقاع في العمل مساعدة ما يزيد على 1600 حالة من النساء السوريات، ولكن هذا الرقم لا يعكس الرقم الحقيقي للنساء اللواتي هن بحاجة فعلية للمساعدة، فالتوعية بنظرها لها دور أساسي في دفع النساء لتعريفهن على حقوقهن وتصحيح معلوماتهن المأخوذة من المجتمع، ولكن رغم ذلك يبقى نقص الموارد حاجز يقف في وجه السيدة لطلب الحماية أو التقدم بشكوى، ونقص الموارد يشمل مخالفة أوراق الإقامة على الأراضي اللبنانية لمعظم اللاجئات السوريات، والبيئة المحيطة للسيدة التي تفرض سلطة معينة عليها، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يمنع السيدة من الاستقلال".
وعن مراكز الإيواء، تقول حداد بأن "هناك صعوبات كبيرة تواجه الجمعيات مع تلك المراكز, إذ أن لدى هذه المراكز معايير معينة لاستقبال الحالات، ومن أبرز الشروط أن لا يكون لدى السيدة أبناء ذكور فوق عمر الـ 11 سنة، فهؤلاء بنظر القائمين على المراكز "بالغين" وقد يشكلون خطراً على الآخرين في مراكز الإيواء التي تكون بالعادة جماعية" .
أما عن فترة الحجر الصحي خلال أزمة كورونا، تقول حداد أنه "في أواخر شهر نيسان ارتفعت عدد الحالات، و زادت وتيرة العنف وشدتها وصولاً إلى يومنا هذا، وحتى نوعية العنف ازدادت، فمن كانت تعنف بشكل لفظي أصبحت تعنف لفظياً وجسدياً, بالإضافة إلى تعدد المعنفين على ذات السيدة". واعتبرت بأن "إغلاق المحاكم في فترة الحجر الصحي كان يشكل مشكلة كبيرة أمامهم في تقديم الحماية المُثلى للسيدات المعنفات، مما جعل التعاون المطلوب مع قوى الأمن أكبر، وبالفعل، مازال التعامل الأولي معهم في مساعدة النساء قائماً".
 المسؤولية على الدولة..والممول هو صاحب الشروط :
من جهتها، المحامية والناشطة الحقوقية فداء عبد الفتاح، أوضحت في حديث لوكالة أنباء آسيا أن "الجمعيات النسائية تحاول أن تقوم باما تستطيع في ظل الغياب والفراغ الذي أحدثته مؤسسات الدولة، ولكن تبقى إمكانيات هذه الجمعيات محدودة، فلذلك تحتاج الى التمويل الخارجي الذي لديه شروط وبرامج معينة لتنفيذها، وعليه تلتزم الجمعيات بالقيام بها, فبالتالي نلاحظ بأن جزء كبير من عمل الجمعيات تجاه النساء غائب، والذي له علاقة بالتوعية والتربية ومراكز الإيواء، فعلى سبيل المثال "عدد من يملك مراكز إيواء من الجمعيات التي تُعنى بالمرأة لا يتجاوز اليد الواحدة" وهذه مشكلة أساسية لأنه عندما لا تجد المرأة المعنفة مكان تحتمي به تقوم بالرضوخ للمعنف".
تتابع عبد الفتاح حديثها بالقول إن "التوعية يجب أن تبدأ من الأعمار الصغيرة وتوجيهها للإناث والذكور على حدٍ سواء، وإدخال التوعية ضمن مناهج التعليم, فالتوعية ليست فقط محاضرة على الفيسبوك أو عمل ندوة صغيرة أو عمل إعلان".
وفي نفس السياق، تقول بأنه عند متابعتها لإحدى الملفات هناك بعض الجمعيات سألت عن جنسية الشخص المطلوب حمايته فإذا كان لبنانياً فمن المحتمل إيجاد مكانٍ له في إحدى دور الرعاية، أما إذا كان غير لبناني فيصبح الموضوع أصعب؛ حتى إن كانت حياته مهددة بالخطر.
أما بخصوص القوانين اللبنانية، ترى عبد الفتاح أن "القوانين الخاطئة التي تتخذها مؤسسات الدولة جعلت 90 بالمئة من اللاجئين السوريين في لبنان مخالفين لشروط الإقامة، مما جعلهم أكثر من غيرهم عرضةً للاستغلال والعنف، وجعل المرأة السورية تتردد كثيراً قبل أن تقوم بتقديم الشكوى ضد معنفها، فهنا أصبح يمارس عنف مزدوج عليها، أي النظام يساهم في التعنيف مثله مثل المعنف الأساسي، وهنا يجب التنويه إلى أنه بإمكان السيدة عن طريق توكيلها لمحامٍ أن ترفع دعوى في المحكمة ضد معنفها لتحمي نفسها وتحصل على حقها".
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 2