في سوريا..عمالة الأطفال تتفاقم:"رجال صغار" يعيلون عوائلهم على حساب مستقبلهم

وكالة أنباء آسيا- بيتي فرح

2020.09.22 - 02:08
Facebook Share
طباعة

 
من أصعب المشاهد التي تراها في الشارع - انطفاء بريق الحياة في عينّي طفل- نتيجة التداعيات اللاإنسانية التي يعاني منها المجتمع السوري مؤخراً بسبب الحرب والحصار والاختناق الاقتصادي، و انعكاسه على المجتمع بشكل عام و الأطفال بشكل خاص .
في حي الفاروس في اللاذقية
سامر ( ١٥ عاما) نزح من حلب إلى اللاذقية مع أمه و أخويه الصغيرين بعد موت والده ، يقول: "انقطعتُ عن العمل لفترة بسبب الكورونا و قرار إغلاق المحل، واستأنفت العمل فيما بعد، فالمساعدات لاتكفي في هذا الغلاء، أعمل بموافقة أمي في محل تصليح الدواليب و أتقاضى في الأسبوع بين ٥٠٠٠ و ٨٠٠٠ ليرة سورية مدعومة بـ"البخشيش" من الزبائن ، سامر يستبعد التحاقه بالمدرسة هذا العام، فالصنعة من وجهة نظره ممتازة وتغنيه عن الشهادات" .
في الشارع الآخر مغسلة سيارات. وثمة طفل يتراوح عمره بين ١٣ و ١٥ عاما ،حاولنا الاقتراب والتحدث إليه، لكن صاحب المغسلة منعنا قائلاً " بدك تخرب بيتي"؟ .
أما كامل؛ الطفل القادم من دير الزورمع عائلته، فيعمل بهدف مساعدة والده لإعالة العائلة كما يقول. كامل يجمع العلب البلاستيكية الفارغة و المكسورة في كيس يبدو أكبر حجما من جسمه الصغير ،و يبيع كيلو البلاستيك ب ٢٥٠ ليرة سورية ، ليستطرد بالقول "إنهم يستغلونني، فالسعر قليل جداً" .
في الكراجات المعروفة باسم "كراجات الفاروس"، ترى العشرات من الفتيات و الصِبية يبيعون العلكة و البسكويت في ظل الازدحام، و بالتأكيد بدون أي إجراءات احترازية تقيهم خطر الوباء .
الطبيب النفسي د محمد نور الشامي، يتحدث إلى وكالة أنباء آسيا عن الآثار النفسية المستقبلية التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال ، هذه العوامل تؤدي إلى ضعف قدرة الطفل على التواصل الاجتماعي في الأسرة والمجتمع، وإلى ضعف في بناء الشخصية، بالإضافة إلى فقدان الثقة بالنفس، والخوف و التردد و الإكتئاب المزمن، واكتساب عادات سيئة كالإدمان و ضعف الرابط العاطفي، ارتكاب الجرائم، و عدم الرغبة بالتعلم و الميل الى الوحدة، فضلاً عن الإحساس بالذل الدائم والشعور بالعبودية، و جميعها تفقده الإحساس بالانتماء للجماعة.
و يقول الشامي إن تعرض الأطفال للمخاطر أثناء وجودهم بالعمل يعوق نموهم، مما يؤثر على اخـتلال الوظـائف الحيوية، وعلى معدل النمو وتوازن الأجهزة المختلفة في الجسم.
و يؤكد على الآثار السلبية على صحة الطفل من ناحية التناسق العضوي والقوة، والبصر والسمع وذلك نتيجة الجروح والكدمات الجسدية، الوقوع من أماكن مرتفعة، الخنق من الغازات السامة، صعوبة التنفس، نزف وما إلى آخره من تأثيرات.
من جهته، ماهر رزق، خبير في مجال الحماية الاجتماعية و استشاري سابق في منظمة حقوق الطفل بمنظمة اليونيسيف، يقول لوكالة أنباء آسيا "إن ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا قديمة العهد ، ازدادت في بيئة الفقر الحاضنة للجهل و الحاجة، في محاولات منهم مساعدة أهلهم لتأمين قوت اليوم ،فيتم التسرب من المدرسة لعدم القدرة على التوفيق بين العمل والدراسة، وصعوبة المتهاج، وبالتالي النفور من العلم .
و يؤكد رزق على العوامل الاجتماعية الناتجة عن الاختلال في بيئة الأسرة، و بالتالي إلى التفكك الاجتماعي، و رغبة أرباب العمل بتشغيل الأطفال بسبب جشعهم، لعدم معرفة الطفل بحقوقه .
و يشير رزق إلى سن الاتفاقيات و المواثيق الدولية التي تناولت أشكال عمالة الأطفال و آليات التصدي، كالمادة ٣ من إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ١٨٢ الصادرة عام ١٩٩٩ الخاصة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال بالتعاون مع الحكومات للحد من هذه الظاهرة.
و في سوريا تطرق قانون العمل السوري رقم ١٧ لعام ٢٠١٠ لشروط تشغيل الأطفال في مواده ١١٣- ١١٨ بما يتلاءم مع المعايير الدولية، أهمها تحديد السن الأدنى للعمل و هو ١٥ عاماً أو إتمام مرحلة التعليم الأساسي، و تحديد عدد ساعات العمل اليومية، بعد ذلك صدر قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رقم ١٢ الذي حدد الشروط التي تجيز عمل الأطفال و حمايتهم .
و الاتفاقية رقم ١٣٨ لعام ١٩٧٣ المتعلقة بالحد الأدنى لسِّن الاستخدام الذي لا يجوز أن يقل عن ١٥ عاما .و تهدف أيضا إلى القضاء الكامل على عمالة الأطفال في المدى البعيد .
و نوه رزق إلى أنه من الصعب إعطاء إحصائيات دقيقة بما يخص عمالة الأطفال في سوريا "لأنه للأسف، و حتى هذا اليوم هناك تغييب للرقم الإحصائي في شتى المجالات، بسبب عدم تواجد آلية لتجميع عدد البيانات، و بالتالي تبقى الأرقام غير محددة" .
و أكد على الإجراءات الوقائية للحد من هذه الظاهرة بدعم أنظمة المساعدة الاجتماعية الموجهة للأسر الفقيرة، و التي يكون أبناؤها عادةً من الضحايا، واعتماد برامج دعم اجتماعي نفسي للأسر المفككة و لأبنائها، أيضا دعم برامج الرعايا البديلة للأطفال اليتامى، وإطلاق برامج توعية من آثار التداعيات الحالية، وضبط التسرب المدرسي، تعزيز جهود مكافحة المخدرات والاستغلال الجنسي للأطفال، وتعزيز أنظمة تفتيش العمل للتصدي لأي حالة انتهاك، وتقوية أنظمة الرقابة على وسائل الإعلام .
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 6