"إسرائيل هيوم": هل تتحول تركيا إلى قوة إقليمية وازنة في شرق المتوسط؟

ترجمة : عبير علي حطيط

2020.09.14 - 02:59
Facebook Share
طباعة

 
نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية مقالًا تحدثت فيه عن اندفاع الدول العربية في الخليج على التصالح مع إسرائيل وإعلانات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن الاتفاقيات، وحاول المقال البحث فيما وراء الهجمات الجديدة على تركيا، وقال إن الرسالة التي يتردد صداها في العالم العربي هي "استهدف أنقرة".
وقال المقال إن المحللين شعروا بالحيرة قبل عدة أشهر من تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، من "صفقة القرن" التي أعلن عنها الرئيس ترامب. وتساءلوا كيف يستثمر الرئيس الأمريكي كل هذه الطاقة في صفقة يقاطعها الزعماء الفلسطينيون وترفضها الدول العربية، ولن تفلح على الإطلاق؟ لم يجب الإعلان الصادر عن أبو ظبي على سؤالهم. وكافح مستشار وصهر ترامب، جيرارد كوشنر لإقناع الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل.
وحتى الآن، أعلنت كل من البحرين وصربيا وكوسوفو عن لحاقها بالركب. أما الدول الكبيرة وذات التعداد السكاني الكثيف فقد رفضت، ولم يحظ الجهد بتأييد من المملكة العربية السعودية ولا السودان ولا سلطنة عمان، ولا حتى الأردن. ولن تفلح كل جهود البيت الأبيض في الأسبوع القادم في إخفاء حقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سوف يصافح أيدي زعماء دولتين عربيتين صغيرتين فقط في احتفال يريد له ترامب أن يكون تاريخيًا.
وتساءل المقال أنه إن لم يكن الفلسطينيون هم المستهدفون من الصفقة، فمن سيكون إذا؟. مؤكدًا أن هدف كوشنر هو قومي ديني يهودي لتأكيد حقيقة إسرائيل الكبرى.
ومرة أخرى، من يستهدف التحالف الإماراتي - الإسرائيلي؟ وتهمس إسرائيل منذ زمن في أذن الدبلوماسيين العرب أنها لم تعد تتعامل مع إيران كتهديد عسكري.
وأخبر رئيس الموساد، يوسي كوهين، المسؤولين العرب بأن إيران باتت "قابلة للاحتواء". وعندما كان ترامب على وشك الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، كان أول من "يرمش" في إشارة للصواريخ التي أطلقتها إيران على القوات الأمريكية في العراق انتقامًا لاستهداف الجنرال قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة في بغداد في شهر كانون الثاني/يناير.
ولم تتوقف الطائرات الحربية الإسرائيلية عن اختبار هذه النظرية في سوريا ولبنان، فهي تضرب أهدافًا إيرانية وقوات تدعمها إيران، وهي تعرف أنها ستفلت من العقاب بدون رد من طهران أو حزب الله إلا نادرًا. بدوره قام ترامب بتفكيك القوة العسكرية الأمريكية الضاربة التي أقامها في الخليج. فإن لم تكن إيران هي الهدف من هذا التحالف الناشئ، فمن يكون؟
يجيب المقال أن الجواب اتضح هذا الأسبوع من خلال سلسلة من التصريحات المنسقة بدقة والصادرة عن الزعماء العرب الذين التقوا في الجامعة العربية. تبين أن العدو الحقيقي هو أحد أعضاء الناتو، والذي ظل لعقود كثيرة حارسًا للقنابل النووية الأمريكية المحمولة جوًا. وأعلنوا أن الغازي الأجنبي الجديد الذي يهدد العالم العربي ليس الفرس ولا حتى الروس، وإنما الترك. وبدوا وكأنهم يضغطون على زر كهرباء، وأعلنت كل دول منطقة ساحل شرق المتوسط، من لبنان إلى مصر، عن النفير العام وحمل السلاح ضد الجار الشمالي الذي يزعمون أنه يبحث عن طرق لإحياء الحكم العثماني في المنطقة.
وكان في مقدمة الدعوة للنفير العام وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، الذي تحدث أمام الجامعة العربية قائلًا: "إن التدخل التركي في الشؤون الداخلية للبلدان العربية مثال واضح على التدخل السلبي في المنطقة".
ويعلق المقال أن هذا تصريح عجيب غريب يصدر عن وزير أطاحت بلاده برئيس مصري منتخب، وتواصل طائراتهم قصف العاصمة الليبية طرابلس في محاولة لإسقاط حكومة أخرى معترف بها دوليًا.
واتهم قرقاش تركيا بتهديد أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية في المتوسط، عبر انتهاكها الصارخ للقوانين والمعاهدات الدولية المعنية ولسيادة الدول.
ثم جاء وزير خارجية مصر سامح شكري الذي قال إن التدخلات التركية في كثير من البلدان العربية تمثل أهم تهديد للأمن القومي العربي. وأضاف: "لن تقف مصر مكتوفة الأيدي في وجه الأطماع التركية التي تتجلى بشكل خاص في شمال العراق وفي سوريا وليبيا".
وكان الاجتماع من أجل بحث التطبيع الإماراتي وبرئاسة الوفد الفلسطيني، الذي جاء حاملًا معه مسودة بيان غاضب يندد بالاتفاق الإماراتي الإسرائيلي باعتباره خيانة. إلا أن البيان أُسقط في مجلس الجامعة، الذي قرر تشكيل لجنة فرعية دائمة لرصد العدوان التركي وكلفها بتقديم تقرير له عن ذلك في كل واحد من اجتماعاته اللاحقة.
وكانت أنقرة تراقب كما هو وارد في المقال حفلة البيانات التي صدرت ضدها خلال الأسبوع الماضي. بل وفسره مصدر حكومي تركي بارز بأنه صورة عن الصهيوني المسيحي التبشيري في الولايات المتحدة.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "لقد ظلت الإمارات في مقدمة الدول التي تحاول عزل تركيا على المستوى العملياتي". وأضاف: "الإماراتيون يمولون ذلك الهدف، مع أن من يقف بالفعل وراء هذه الاستراتيجية هي إسرائيل وبعض السياسيين الأمريكيين المقربين من اللوبي المؤيد لإسرائيل. فهؤلاء كانوا باستمرار جزءًا من أي جهد يستهدف إقامة تحالف مناهض لتركيا. وهم الذين ظلوا يدعمون الإمارات لمصلحة التحالف الصهيوني المسيحي، وخاصة ما قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر، والتي يمكنها أن تجلب دعمًا انتخابيًا لهم".
والغريب كما قيل في المقال، أن لجنة فرعية أخرى مناهضة للتطبيع وتابعة للجامعة العربية ما زالت قائمة ومكلفة بالحفاظ على التمسك بمبدأ الأرض مقابل السلام الذي أكدت عليه مبادرة السلام العربية التي تقدمت بها السعودية في عام 2002. وتم تجاهل هذه اللجنة لأن إسرائيل لم تعد هي العدو بالنسبة لجامعة الدول العربية، وإنما تركيا.
ونشرت صحيفة "ذي جوردان تايمز" في الأردن، مقالًا جاء فيه التالي، تنشط القوات التركية والميليشيات التي تدعمها أنقرة في ثلاثة بلدان عربية: ليبيا وسوريا والعراق. هذه حقيقة جيوسياسية، ويجب على العالم العربي وكذلك المجتمع الدولي، الاعتراف بها والرد عليها. وفي الحقيقة، يتم الإعلان عن الطموحات التركية المناطقية والسياسية والاقتصادية في هذه البلدان من قبل كبار القادة الأتراك بما في ذلك الرئيس رجب طيب أردوغان. يوجد لدى تركيا الآن قواعد عسكرية في كل من قطر وليبيا والصومال وشمال قبرص وسوريا والعراق، ولم تقم جميعها بموافقة من الحكومات الشرعية".
ويقول المقال إن لاعبين أجانب آخرين يلعبون دورًا في تأجيج العداء ضد تركيا وتصويرها على أنها "المجرم الجديد" و"الدولة الخارجة عن القانون" في منطقة شرق المتوسط. فعلاوة على الدور الفرنسي السافر في دعم جنرال الحرب الذي يعود إلى بقايا عهد القذافي البائد، حفتر، وما يرتكبه من جرائم حرب للاستيلاء على العاصمة الليبية، وهو أمر موثق بشكل جيد لا يقل عن توثيق استخدام الطائرات الإماراتية والقناصة الروس، إلا أن الرئيس الفرنسي ماكرون استغل جولاته الأخيرة في بيروت للتفاخر مثل الطاووس رافعًا من درجة الحرارة الخطابية.
ففي زيارته الأولى إلى العاصمة اللبنانية بعد الانفجار الهائل، قال ماكرون: "إذا لم تقم فرنسا بدورها فإن الإيرانيين والأتراك والسعوديين سيتدخلون في شؤون لبنان المحلية، إذ أن المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لهذه القوى ستكون في الأغلب ضارة بالمصالح اللبنانية". ثم طار إلى بغداد حيث أطلق ما سماه "مبادرة السيادة"، والتي تضمنت إشارات واضحة إلى تركيا، كما نقل عن مسؤول عراقي. وكانت أنقرة في شهر حزيران/يونيو قد شنت هجومًا جويًا وبريًا عبر الحدود ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق مما أثار سخط بغداد التي وصفته بأنه انتهاك للأراضي العراقية.
وفي نفس الوقت، شاركت السفن الحربية الفرنسية في مناورات مشتركة مع أخرى يونانية متدخلة في نزاع حول التنقيب على النفط قريبًا من قبرص، الأمر الذي اعتبرته تركيا انتهاكًا لحدودها البحرية. ووقف ماكرون هذا الأسبوع أمام قمة انعقدت في كورسيكا ليقول: "لم تعد تركيا شريكًا في هذه المنطقة". ودعا الأوروبيين لأن يكونوا "واضحين وحازمين" مع حكومة أردوغان بشأن "السلوك غير المقبول". وأضاف ماكرون أنه يتوجب على الأوروبيين رسم "الخطوط الحمراء" مع تركيا.
وفي خضم حملاته، يصر ماكرون على أن مشكلته ليست مع الأتراك وإنما مع أردوغان. وتم تجريب هذا الأسلوب من قبل وفشل. لأن المشكلة الحقيقية تكمن في أن أردوغان عندما يواجه القوات المدعومة إماراتيًا في ليبيا أو عندما يتمسك بالحقوق الفلسطينية في القدس أو يأمر بقصف مواقع حزب العمال الكردستاني في العراق، أو يستهدف قوات الجيش العربي السوري في سوريا، فإنه يتمتع بدعم كامل من قبل الجيش التركي وجميع الأحزاب السياسية الرئيسية في تركيا. وربما لم يكن الدعم دائمًا ومطردًا حيث عبرت قوى محلية عن تشككها من قرار الدفع بالقوات التركية إلى داخل ليبيا وسوريا، إلا أن هذه الاعتراضات ما لبثت أن تراجعت بعد أن أثبت الجيش التركي وطائراته المسيرة جدارتهم.
ومهما كانت الانتقادات التي يوجهها معارضو أردوغان حول مدى شرعية عمليات التطهير المستمرة في صفوف موظفي الدولة وداخل الجيش، والاعتقال الروتيني للصحافيين، وإغلاق الصحف والجامعات والطريقة التي أخضعت من خلالها الرئاسة البرلمان، إلا أنهم فيما يتعلق بالسياسة الخارجية يقفون خلف أردوغان كزعيم وطني، وما يتعلق بسياسته في شرق المتوسط.
ويشير الكاتب إلى أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق وصاحب الخبرة الواسعة في المفاوضات الدولية الذي قال: "يجب على ماكرون التزام حدوده والتوقف عن إهانة تركيا ورئيسها" و"أشجب بقوة تصريحات ماكرون المتعجرفة والتي تكشف عن عقليته الاستعمارية وتتجاهل ديمقراطية تركيا والإرادة الحرة لشعبها".
ويرى المقال أن ماكرون يواجه عدة مشاكل في حملته الجديدة. وأولها عدم قدرته مهما بذل من جهود على التخلص من تاريخ الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا ولبنان. وثانيها تتعلق بمحاولته مساواة أردوغان بما أطلق عليه "الفاشية الإسلامية" والتي ترتطم بجدار الدولة العميقة العلمانية في تركيا المتحالفة مع مشروع الرئيس. فالحكومة التي أمرت بغزو شمال قبرص في عام 1974 انطلقت بإملاء من الجيش التركي بعد الانقلاب اليوناني.
ويتساءل المقال عن سبب استهداف تركيا في هذا الوقت؟ فرغم التحفظات المحلية على دوره كرئيس، بنى أردوغان تركيا مستقلة تتوفر لدى قواتها المسلحة القدرة على مواجهة القوات الروسية في كل من سوريا وليبيا، دون أن يفقد ذلك البلد مقعده حول طاولة المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويعادل اقتصاد تركيا حجم اقتصاد المملكة العربية السعودية، إلا أن جيشها يتمتع بالاكتفاء الذاتي. كما بدأت تركيا في تصنيع طائرات مسيرة ذات تقنيات عالية عندما رفضت إسرائيل والولايات المتحدة تزويدها بها.
وقد تكون ذاكرة الناس قصيرة، فالطائرات الإسرائيلية كانت مرة تتدرب باستخدام المهابط الجوية التركية نظرًا إلى صغر المجال الجوي الإسرائيلي. وعندما تكتشف تركيا الغاز في البحر الأسود، فإن الشركات التركية لديها من التقنية ما يمكنها من تطوير الحقول وتزويد السوق المحلية باحتياجاتها، وليس حالها كحال مصر التي لا تجني الكثير بسبب اعتمادها على الشركات البريطانية والإيطالية والأمريكية. وعندما يواجهون بجنود مدججين بالسلاح، كما حدث في عام 2016 أثناء المحاولة الانقلابية (والتي مولتها الإمارات)، يقاتلهم الأتراك وهم يشعرون بالعزة والأنفة. وهذه الأمور تدعو الساسة الغربيين إلى التوقف والتفكير مليا قبل التعجل وخلق عدو جديد وإشعال صراع آخر في المنطقة.
ويؤكد المقال أن أحدًا لا يشك في مصدر أجندة معاداة تركيا، فهي قادمة من إسرائيل ودول الخليج، والتي لا عمل لديها في قبرص ولا مصالح. فإسرائيل التي تحاول سحق كل من يقف أمام غايتها في ترسيخ حدودها حول المناطق التي تحتلها بشكل غير مشروع، ضمت تركيا إلى قائمة المنظمات والبلدان التي تهدد أمنها القومي، وذلك حسب التقييم الإستخباراتي العسكري لعام 2020.
أما الأنظمة الشمولية والإجرامية في الإمارات والسعودية فلا توجد لديهما مثل هذه الهواجس، وكل ما تخشاه هو تأثير تركيا على شعوبها كزعيمة للمسلمين السنة في العالم. فالحرب تدور حول من يتزعم السنة في العالم العربي.
لقد تهاوى ادعاء السعودية بحقها في تلك الزعامة، وسيكون وضعها أشد سوءًا من هذه الناحية بعد أن تطبع علاقاتها أخيرًا مع إسرائيل. وبالمقابل، لا تملك فرنسا لا الشجاعة ولا الصبر على إشعال صراع جديد في منطقة الشرق الأوسط. ففي الداخل الفرنسي، تراجعت شعبية ما قيل عنه "الطفل العبقري" في السياسة الفرنسية، وأصبح أقل رؤساء فرنسا شعبية على الإطلاق. وتشهد فرنسا، مثلها مثل غيرها من البلدان الغربية، انقسامًا داخليًا. فهي تعاني من تفشي وباء كورونا وصعود اليمين المتطرف وبريطانيا من البريكسيت.
وفي النهاية قد يتعلم ماكرون درسًا من التجارب التي خاضها كل من توني بلير وجورج دبليو بوش وديفيد كاميرون ونيكولاي ساركوزي، ويبتعد عن المغامرات الخارجية. ولو أصر على المضي فيها، فستكون نهايته وخيمة.
 
 
المصدر : https://www.google.com/url?sa=t&source=web&cd=&ved=0ahUKEwiFw8zrvujrAhWLUhUIHYGTDwIQxfQBCBAwAQ&url=https%3A%2F%2Fwww.israelhayom.com%2F2020%2F09%2F14%2Fturkeys-bid-to-return-to-ottoman-era-glory-endangers-israel-and-the-region%2F&usg=AOvVaw164GmEK2p73zxCx8p5XZYS
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 1