ما بين "لاءات الخرطوم" و"نَعَمَات التطبيع" .. "الجامعة العربية" تفقد شرعيتها و"ضميرها"

كتب علي حسون

2020.09.09 - 05:51
Facebook Share
طباعة

 في عام 1948، خلال حرب النكبة، كانت أغلب الدول العربية مستعمَرة، وحتى الدول المستقلة اسماً كان البريطانيون يسيطرون فعلياً على أراضيها، ولكن هذا لم يمنع الجامعة العربية من أن تصدر قراراً بتشكيل كتائب المقاومة الشعبية، التي كان يقودها القائد الشهيد أحمد عبدالعزيز، وقوامها ضباط عرب أخذوا إجازات من جيوشهم.

وعقب نكسة حزيران عام 1967، التي احتلت القوات الإسرائيلية خلالها الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء، انعقدت القمة العربية الرابعة في العاصمة السودانية الخرطوم ما بين 29 أغسطس- آب و1 سبتمبر- أيلول ، وحضرت القمة كافة الدول العربية باستثناء سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد إسرائيل.

عُرفت هذه القمة بأنها "قمة اللاءات الثلاث: "لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل"، وخلقت أجواء مصالحة عربية جدية، تجلت في الصلح بين أكبر زعيمين عربيين حينها، هما الراحلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي الملك فيصل.

بعد 12 عاماً على "اللاءات الثلاث" حصل أول خرق للإجماع العربي، عندما أبرمت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل لاستعادة أراضيها المحتلة، فكان عقابها الطرد من الجامعة العربية عام 1979، وهي أكبر دولة عربية، ومؤسِّسة الجامعة وبلد المقر.

واليوم، بعد أكثر من أربعين عاماً على ذلك الموعد المشؤوم، يتم الإعلان باحتفال في البيت الأبيض، عن اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، فيما يسود صمت مريب في "بيت العرب"، إذ لم يصدر من الجامعة العربية حتى بيان، ولم تتم الدعوة لاجتماع حتى على مستوى المندوبين، ولو عبر الإنترنت لمناقشة الأمر.

تُلخص المسافة بين مواقف الجامعة العربية خلال المراحل الأساسية للقضية الفلسطينية، ليس فقط انحدار حالها وحال العرب، بل حجم التهديد الذي يواجه الجامعة قبل القضية الفلسطينية التي خذلتها، إذ أصبحت الجامعة العربية مهددةً بفقدانها مصدر شرعيتها الأكبر، حيث كانت على قلة حيلتها حاملة لواء القضية الفلسطينية، وهي التي طردت يوماً مصر، أم الدنيا وقلب العروبة، من أجل القضية الفلسطينية، لم تستطع اليوم أن تنبس ببنت شفة في مواجهة دولة تأسست بعد الجامعة العربية بعقود.

ورغم دعوة فلسطين على لسان سلطتها لعقد اجتماع للجامعة العربية لبحث القرار الإماراتي، إلا أن الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، قال إن الجامعة ستعقد اجتماعاً عادياً في التاسع من شهر سبتمبر-أيلول (أي اليوم الأربعاء) على المستوى الوزاري، ما يعني أنه لن يكون هناك اجتماع طارئ بناء على طلب القيادة الفلسطينية لبحث الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، علماً أن التطبيع أُعلن قبل أكثر من أسبوعين من الاجتماع.

وعادةً ما يمثل عقد اجتماعات طارئة -على عدم جدواها- لفتةً رمزيةً من وزراء الخارجية العرب، للإعراب عن التضامن بلا ثمن مع فلسطين، أو أي قضية عربية أخرى
ولكن حتى هذه اللفتة التي لا تكلف شيئاً لم تبادر بها الجامعة أو أي دولة عربية (لم يعلن عن تأييد أي دولة عربية لطلب الجامعة)، بسبب الخوف من دولة الإمارات، التي تقول بعض الصحف الغربية بأنها ( أصبحت تمتلك شبكة من الاستخبارات والإعلام والمرتزقة والتحالفات والتمويل، يُحسب لها ألف حساب).

الأمين العام لجامعة الدول العربية نفسه، والذي يستمد وجوده وشرعيته من شرعية الجامعة التي تستمد شرعيتها من موقفها تجاه قضية فلسطين، لم يتحدث بكلمة صريحة عن مبادرة الإمارات، ولكنه قال في بيان نُشر على الصفحة الرسمية لجامعة الدول العربية، "إن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال محل إجماعٍ عربي، وإن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية هو الغاية الأكيدة التي تصبو إليها وتسعى لأجلها كافة الدول العربية دون استثناء".

أما الأنظمة العربية، فإنها أما تقف منتظرةً في ركب التطبيع كما هو الحال بالنسبة للبحرين والسودان والمغرب، أو أنها تخشى من بطش الثلاثي العربي الذي يقود التطبيع (السعودية والإمارات ومصر)، فلا تريد توريط نفسها في أي مشاكل معهم، وهو ما يظهر بمواقف دول المغرب العربي والعراق.

واليوم، سيشهد اجتماع وزراء الخارجية العرب على ولادة واقع جديد كلياً، واقع يكتمل فيه انقلاب الأمور رأساً على عقب، فبدلاً من أن تحاصِر فلسطين الإمارات على فعلتها، سيجد ممثل السلطة الفلسطينية نفسه محاصراً بين المطبّعين وأصدقاءهم والساكتين عن الأمر.
في ماضي الأيام، كان مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح أبطالاً في الجامعة العربية، التي يوجد فيها قطاع مستقل لفلسطين والأراضي العربية المحتلة، أما اليوم فإن نفوذ المطبعين سيجعل الفلسطينيين هم المحاصَرين، بعدما تدهور الحال بالدول العربية التي كانت أكثر تأييداً للقضية الفلسطينية، مثل سوريا والعراق ولبنان وليبيا، وانقلب دور مصر رأساً على عقب، ولم يبق فعلياً من يمكن المراهنة عليه في جامعة الدول العربية، التي ناهز عمرها 75 عاماً يصح أن نقول بأنها قضته دون أن تحقق الحد الأدنى من طموحات الشعوب العربية، بل كانت منبراً للسلطات الحاكمة وصورةً صادقة عن انقساماتهم وخلافاتهم وتبعيتهم .

أمام هذا الواقع الكارثي للجامعة العربية، قد لا يكون غرائبياً أو مستنكراً بعد اليوم الوصول إلى ما قاله الراحل معمر القذافي حول القضية الفلسطينية والذي كان يُقابل حينها بالاستهزاء والضحك من قبل القادة العرب، فيما تشهد الأيام أن العرب سائرون إلى مايشبه اقتراحاته الغريبة، وهو الذي دعا في قمة عمان عام 2001 إلى الاعتراف بإسرائيل وقبولها في جامعة الدول العربية، فيما دعى في مناسبة أخرى إلى قيام دولة "إسراطين" عبر اندماج الفلسطينيين مع محتليهم في دولة واحدة .

لا مستحيل بعد اليوم، في ظل الانحدار الذي يشهده عالم العرب، ففلسطين التي جمعتهم تحولت إلى عبءٍ ثقيل على قادتهم اللاهثين خلف "التطبيع"، وحدها مفاتيح البيوت التي يحملها جيل النكبة والنكسة حتى اليوم في أعناقهم كتعويذة، وتهويدات الجدات والأمهات الفلسطينيات لأطفالهن عن فلسطين وبياراتها، كفيلة بإبقاء جمر القضية مشتعلاً، وحفظ الحق لأصحابه الأبديين، حتى ولو بعد ألف عام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 3