ماذا بين ماكرون وحزب الله؟

كتب جورج حايك

2020.08.22 - 01:42
Facebook Share
طباعة

 
بدا الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرتاحاً في زيارته إلى لبنان اثر انفجار مرفأ بيروت، ومشهد تجوّله بدون حذر في شوارع العاصمة اللبنانية المنكوبة أدهش العالم وخصوصاً في بلد مهدد بعمليات أمنية ارهابية. فما سرّ ماكرون؟ وما هو مصدر الآمان الذي يشعر به في ظل سيطرة حزب الله على لبنان كما يعرف جميع المراقبين والخبراء في الوضع السياسي اللبناني؟
واقعيّة وبرغماتيّة
هذه التساؤلات وجدنا اجابات لها لدى ديبلوماسي فرنسي يؤكد "ان ماكرون رسم الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية منذ بداية عهده في ما يتعلق بالدول العربية والصراع الدائر بين دول الخليج وايران، واتّسمت هذه السياسة بالواقعية والبراغماتية وقرر أن يكون أكثر توازناً في النزاع الدائر".
ويضيف:"لم نسمع ماكرون يطالب مرة واحدة برحيل رئيس النظام السوري بشار الأسد ولم يأخذ موقفاً عدائيا من التنظيمات المسلحة مثل حزب الله ولم يفرض عليه عقوبات كما فعلت الولايات المتحدة ويعض الدول الأوروبية. أراد أن يتصرف كحكم من خلال فتح قنوات حوار مع الجميع".
بات مرجّحاً ان ماكرون التقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد مرتين خلال زيارته إلى لبنان، بحسب تأكيد النائب حسن فضل الله. ويلفت الديبلوماسي الفرنسي إلى "أن انفتاح ماكرون على الحزب لم يفهمه كثر من اللبنانيين الذين يعتبرون "الحزب" دولة داخل الدولة في لبنان، ويحمّلونه مسؤولية كل ما يحصل في البلد من انهيار وعزلة دولية، وجعل لبنان ساحة مفتوحة للنزاعات. هذه العلاقة المرنة بين ماكرون والحزب تبرر ارتياح ماكرون وكسره كل الحواجز مع كل القوى السياسية، حتى بات قادراً على الطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق العقوبات ضد الحزب الذي يعتبره ترامب اقوى اذرعة ايران واخطرها على اسرائيل".
في مواجهة تركيا
ويكشف الديبلوماسي "ان حركة ماكرون حيال لبنان ليست بريئة كما أوحى للبعض، فهو ينسّق مع الامارات وايران وحزب الله ليكون له موطئ قدم في المياه الاقليمية اللبنانية في مواجهة التوسّع التركي في المنطقة وخصوصاً ان هذا الانتشار العسكري الفرنسي تزامن مع استكشاف تركيا رواسب الطاقة المحتملة في منطقة متنازع عليها بينها وبين اليونان، ويظهر عداء ماكرون لتركيا بوضوح في المسرح الليبي ولا سيما ان فرنسا والامارات يتعاونان هناك وهما من الداعمين الأساسيين للجنرال خليفة حفتر الذي يواجه الأتراك في ليبيا".
لكن الديبلوماسي الفرنسي يوضح:"ان ماكرون استفاد من حالة اليأس والوجع لدى اللبنانيين في شوارع بيروت والعلاقة التاريخية بين لبنان وفرنسا للتمدد استراتيجياً. قد يكون طموحه المشاركة في اعادة الاعمار بالتعاون مع الامارات التي باشرت اعمال ترميم بعض البيوت التي تهدمت بفعل قوة الانفجار المدمر. لا شك ان ماكرون لعبها بطريقة ذكيّة وكسب ثقة اللبنانيين الموجوعين عبر طرحه مشروع اصلاح شامل للنظام السياسي القائم في ظل عجز حكامهم على انجاز أي شيء، وقد جذبهم ماكرون عبر اظهار سطوته على القوى السياسية في الموالاة والمعارضة وأوحى انه وبّخهم في لقائه معهم في قصر الصنوبر، الا ان على اللبنانيين الانتباه بأن ماكرون دعا إلى حكومة وحدة وطنية ولم تكن هذه الدعوة زلّة لسان مما أشعر كثيرين بالتناقض، ولم تنفع محاولات الاليزية اللاحقة لتصحيح هذا الخطأ بعناوين أخرى لشكل الحكومة"!
ويعتبر المصدر الفرنسي "ان الكثير من المعارضين اللبنانيين غير متحمسين لاحتمال تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويعرفون ان اعضاء هذه الحكومة المحسوبين على القوى السياسية التقليدية سيضعون مصالحهم الطائفية قبل كل شيء آخر. وليس سراً ان ماكرون المتساهل مع حزب الله أقنع كبار السياسيين اللبنانيين الموالين للغرب  بعدم الاستقالة من مناصبهم كما اقترح عليهم دايفيد شنكر، وماكرون  طلب منهم الانتظار حتى يعود إلى لبنان في ايلول المقبل. لكن موجة الغضب العارم أطاحت برغبة ماكرون، فشارف البرلمان على فقدان ميثاقيته وبناء عليه جرى العمل على مخرج هو تطيير الحكومة اللبنانية فأعلنت استقالتها".
تسوية براءة حزب الله
ويقول الديبلوماسي الفرنسي:"ربما نسي البعض ان ماكرون دعا حزب الله إلى الاطمئنان ولم ينتبه أحداً إلى أنه كان يقصد بكلامه الحكم الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والمتعلقة بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، والمفارقة ان الحكم لم يتهم حزب الله ولا النظام السوري، والمفاجأة ان القرار ذهب إلى اعلان براءتهما، مما طرح علامة استفهام كبيرة حوله، وكأن هناك صفقة معينة أو تسوية ما ابرمت في هذا المجال لانه بغض النظر عن صحة الاتهام وصحة الحكم الا ان المحكمة بدت مسيسة لحظة قيام ماكرون بطمأنة الحزب، ولا استبعد أن يكون ماكرون قد سعى إلى ابرام هذه التسوية لطمأنة حزب الله أولاً، ولسحب فتيل المواجهات في الشوارع في لبنان ثانياً، وذلك مقابل موافقة حزب الله على ولادة حكومة مستقلين حيادية تقود لبنان لاحقاً إلى انتخابات نيابية مبكرة، وخصوصاً ان حزب الله اعرب مراراً وتكراراً عن مخاوفه من نتائج المحكمة الدولية على الامن الداخلي، والمؤشر الأساسي على وجود تسوية يكمن في ربط الأحداث ببعضها بدءاً بتأجيل تلاوة الحكم في لاهاي منذ 15 يوماً على اثر انفجار مرفأ بيروت، مروراً بزيارة ماكرون للبنان، وصولاً إلى الاتصالات التي اجراها الأخير مع الرئاسة والقيادات الايرانية فور وصوله إلى باريس عائداً من لبنان".
الأيام المقبلة ستؤكّد المؤكد عن العلاقة بين ماكرون وحزب الله، وما سيترجم على أرض الواقع في الاستتحقاقات السياسية المقبلة في لبنان وأبرزها تشكيل الحكومة.
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1