اجتماعات اللجنة الدستورية السورية: لا جديد سوى القديم!

كمال شاهين_دمشق وكالة أنباء آسيا

2020.08.12 - 08:48
Facebook Share
طباعة

 يفترض أن تستقبل جنيف بعد أسبوعين ـ في الرابع والعشرين من آب ـ اللجنة الدستورية السورية، في ثالث اجتماعاتها، بعد عام ونصف تقريباً على انطلاق أعمالها، ولا يبدو حتى اﻵن أن هناك مانعاً من انعقادها في موعدها المقرر منذ آذار الماضي والمؤجّل بسبب جائحة كورونا.
جاء قرار استئناف الجلسات خلال جلسة مجلس الأمن المنعقدة في نيويورك عبر دارة تلفزيونية، حول تطورات الأزمة السورية الشهر الماضي، وأشار غير بيدرسون، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، إلى أنه "تم تأكيد موعد انعقاد الجلسة مع المشاركين الرئيسيين من ممثلي المعارضة، والحكومة".

من المهم، لفهم دور وقدرة اللجنة الدستورية، معرفة أن دمشق حتى اليوم تطلق عليها تسمية "لجنة تعديل الدستور"، هذا يعني أن مقررات هذه اللجنة وفق تصورات دمشق ليست قطعيّة، والأهم أنها تستوجب قبل إقرارها الحصول على موافقة ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، وموافقة الرئيس بشار الأسد.

تطورات محلّية إقليمية ودولية مؤثرة:

اجتماع جنيف القادم هو الاجتماع الثالث للجنة الدستورية، وهو يأتي بعد جملة تطورات شهدتها الساحة السورية واﻹقليمية بالتوازي، آخرها تفجير مرفأ بيروت الذي يتوقع أن يكون له تأثير خلفي على الاجتماع، ولكن ليس إلى درجة التسبب بمشكلات كالتي شهدتها الجلسات السابقة، إذ أن أكثر من 45 سورياً لقوا مصرعهم في التفجير، في الوقت الذي لم تتحرك فيه الحكومة السورية لاتخاذ أي إجراء يتعلّق بالضحايا.

إلا أن اﻷهم في تأثيره على الاجتماعات، برغم تحوّل الاهتمام باﻷزمة السورية إلى الدرجة الثانية في السلّم اﻹقليمي، يقبع في تطورات الوضع الداخلي السوري مع تصاعد انتشار جائحة كورونا في البلاد وتجاوزها لعتبة اﻷلف إصابة رسمياً، في حين تؤكد مصادر محلية وإقليمية أن اﻷرقام أعلى من ذلك بكثير، إلى درجة أن أحد اﻷطباء السوريين تحدث عن 150 ألف إصابة، فيما تقول مصادر في مناطق شمال البلاد وغربها إلى تصاعد مماثل، في وقت لا تقدر فيه البلاد على تأمين جزء صغير من حاجتها إلى المنافس، ويلاحظ انتشار كثيف للنعوات بسبب الكورونا على منصات التواصل الاجتماعي، ساحة السوريين اﻷولى للتعبير عن أحوالهم وآرائهم.
لا شك أن انتشار المرض بهذه الكثافة الملموسة سوف يقلل الانتباه إلى مجريات الجولة الجديدة من التفاوض حول الدستور، ويضيف الواقع الاقتصادي المتردي لعموم السوريين عاملاً مضافاً في التقليل من أهمية نتائج تلك الاجتماعات، ولذلك، فإن توقعاً بعدم حدوث اختراق كبير في عمل اللجنة يسيطر على اﻷجواء.

انتخابات مجلس الشعب ودورها في اللجنة:

تأتي هذه الاجتماعات غداة انتهاء انتخابات مجلس الشعب التي أجرتها الحكومة السورية في مناطق سيطرتها، دون شمولها مناطق المعارضة واﻹدارة الذاتية، اللتان رفضتا إجراءها في مناطقها، وشككتا في نزاهتها ونتائجها معاً.

لكن هذا التشكيك في مجمله غير مؤثر ولا قيمة له في ظل اتّباع دمشق الطريقة القانونية المتبعة في دستور البلاد، وهذا يعني أنه رغم اعتبار مجلس الشعب مجرد "كيان صوري"، لكنه، حتى وفق القوانين الدولية "شرعي"، شأنه شأن الدستور المقر منذ العام 2012 بموافقة مجلس الشعب السابق، ما يعني أن تصدي المجلس لمهمة إقرار التعديلات الدستورية التي قد تنتج عن اللجنة، وفتح الباب أمام انتخابات رئاسية، هو تصدٍّ مؤكّد.

تضطلع اللجنة الدستورية بمهمة واضحة ومعلنة في قرار إنشائها، هي "إعادة صياغة الدستور السوري" ليتناسب مع الدساتير العالمية ومع متطلبات السوريين، وتتألف اللجنة من 150 عضواً مقسمين بالتساوي بين الحكومة السورية والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني، مع وجود لجنة صغرى تضم 45 شخصيةً بمثابة الهيئة التنفيذية للجنة.

تسببت الانتخابات في اﻹطاحة ببعض أعضاء اللجنة الدستورية الذين كانوا في مجلس الشعب السابق ممثلين عن دمشق، وعلى رأسهم "أشواق عبّاس" المحامية، وعضو الهيئة المصغّرة للجنة الدستورية (15×3). ومنهم، طريف قوطرش (عن دمشق)، موعد محمد ناصر (عن السويداء)، جانسيت قازان (القنيطرة). في حين بقي في المجلس من أعضاء اللجنة الدستورية "أحمد نبيل الكزبري (الرئيس المشترك للجنة)، وخالد العبود، جمال القادري، شيرين اليوسف، صفوان محمد قربي، محمد أكرم العجلاني، مهى العجيلي، نورا أريسيان، محمد خير العكام".

وعلينا انتظار الجولة المقبلة من اجتماعات اللجنة لمعرفة ما إذا كان الأعضاء الخارجون من "جنة المجلس" سيغادرون أيضاً تشكيلة اللجنة، أم لا، وهو اﻷرجح في ظل عدم صدور أية تصريحات من دمشق أو من مراكز صنع القرار اﻷخرى.

عوائق فعلية في العمل:

ورغم أن اللجنة منحت خيارات متعددة، منها مراجعة دستور 2012 والدساتير السورية السابقة، وأكثرها تداولاً دستور 1952، أو صياغة دستور جديد. إلا أن هذا كله يصطدم بمجموعة من العوائق الفعلية على أرض الواقع، التي تجعل من الخروج سريعاً بنتائج فعلية أمراً بعيد المنال.
من أهم المواد التي ستكون موضع نقاش مكثف من قبل اللجنة الدستورية "دين وجنس وصلاحيات رئيس الجمهورية"، وهذه عقدة العقد، باعتبار أن هذه المعايير يوجد فيها تمييز ضد الأقليات والمواطنين الآخرين من غير المسلمين أو من النساء، وعبارة "الفقه الإسلامي كمصدر رئيسي للتشريع" وتمثيل وحقوق الأقليات، وشكل ونظام الحكم، والعلم السوري والشعار الرسمي للدولة، ومبدأ فصل السلطات.
كما شكلت صلاحيات رئيس الجمهورية العادية وغير العادية وهيمنته على السلطات الثلاث موضع نقاش رئيسي في الجلسات السابقة، خاصة أن دستور 2012 يعطي الرئيس صلاحيات موسعة، تتيح له الترشح مرات لانهائية، كما تمنحه صلاحيات إقالة المحكمة الدستورية العليا وتعيين المجلس اﻷعلى للقضاء الذي يفترض به محاسبة رئيس الجمهورية في حال قرر مجلس الشعب ذلك.

مبادئ فوق دستورية؟

ليست المشكلة بتصور كثيرين كامنةً في النص الدستوري، بقدر ما هي واقعة في المسافة بين النص والتطبيق العملي، وضمان إنفاذ المواد الدستورية المصادق عليها من قبل الشعب ونوابه.
ومن أجل أن يلبي الدستور المستقبلي تطلعات السوريين، يقترح قانونيون سوريون "إشراك غالبية الشعب السوري في هذه العملية، مما يتيح قبولاً ورضىً عن الدستور من قبل مختلف أطياف المجتمع السوري"، وسيقود هذا اﻷمر إلى خلق مناخ لحوار سوري جاد يمهّد الطريق لحل جذري للأزمة السورية، على أن يكون للمجتمع المدني السوري دور مهم في نشر أهمية الدستور وإقراره من قبل الجميع، ويفضل أن يكون ذلك بالإجماع الوطني.

ربما يكون الاتفاق، قبل البدء في كتابة الدستور، مقدّماً على مبادئ فوق دستورية، طريقةً أولى للانتقال إلى عقد وطني جامع يلزم السلطات المتعاقبة لاحقاً بعدم تولي السلطة وحدها، بغض النظر عن أغلبيتها البرلمانية أو حجم تمثيلها.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 1