ما خفي وما بات تقليداً في انتخابات مجلس الشعب السوري: رجحان لكفة العشائر والمال

لودي علي _ دمشق وكالة أنباء آسيا

2020.07.24 - 08:58
Facebook Share
طباعة

 توقفت معركة انتخابات مجلس الشعب في سوريا قبل ثلاثة أيام، وأغلقت اليوم أبواب تقديم الاعتراضات على نتائجها من قبل المرشحين.

لم تكن هذه الدورة الانتخابية مشابهة لما عاشته سوريا من معارك انتخابية سابقة، كثير من التغيرات ولو لم تكن مرضية، إلا أنها حركت أجواء الانتخابات وقللت من الرتابة التي كانت عليها سابقا، ربما كان للموقع الأزرق فيسبوك دورا في كشف خفايا لم يطلع عليها السوريون سابقاً، لكن المؤكد أن حجم الصراع على الكرسي النيابي كان كبيرا هذه الدورة، بدءا من تطبيق الاستئناس البعثي والذي سمح للبعثين من اختيار ممثليهم للمجلس ولو بشكل ليس كاملا، وانتهاءا باعتراضات بعض المرشحين على مجريات الانتخابات ونتائجها..

هذا الحراك صنفه البعض بخطوة في طريق الديمقراطية، رغم أن الكثيرون لايزالون غير راضين عن هذه الخطوة الصغيرة أملا بانفتاح أكبر.

يوضح كمال الجفا (دكتوراة في العلوم السياسية) في لقاء مع "وكالة أنباء آسيا" بعض المفاصل المهمة في انتخابات مجلس الشعب السوري للدورة المقبلة.

بداية بالنسبة للاستئناس الذي قام بها حزب البعث لاختيار مرشحيه للمجلس والذي لم يكن موجودا سابقا، حيث كانت القيادة تختار مرشحيها للمجلس ضمن قائمة الجبهة دون أي استئناس من أحد ، يقول الجفا:" لأول مرة تحدث عمليات الاستئناس الحزبي وهذا الحراك لم يتعود عليه الحزب من تاريخ تأسيسه، مثلا في قائمة حلب كان هناك اعتراض على عشرة أسماء لديهم ملفات فساد، وللمرة الأولى اجتمع الرئيس بشار الأسد مع اللجنة المركزية وووجه بأن من عليه ملفات فساد لا يجب أن يكون ضمن القائمة، وهذا سابقة في تاريخ الحزب." .

ويرى الجفا أنه وفي الحد الأدنى الخيارات ضمن قائمة الجبهة الوطنية ليست مرضية للجميع لكنها الأفضل خلال الحقبات .موضحاً أن هناك عدد كبير من المرشحين المستقلين لم يجتازوا الانتخابات رغم أنه لو كان هناك تدخل مباشر من الحزب لوجه الحزب بنجاحهم، ومنهم محمد الفارس، وفارس الشيخ و عبد العزيز طراد الملحم.
المال والمناطقية.

بالمقابل يوضح الجفا أن قيادات البعث في النهاية من هذا الشعب ولعب عامل القرابة والعامل الديمغرافي دور في حراكهم ودعم بعضهم لمستقلين، في انتخابات حلب مثلا طغى الطابع العشائري حيث أثبتت العشائر أنهم قوة أساسية بالانتخابات واثبتوا أنهم رقم صعب وأنهم الأفضل في الذهاب إلى صناديق الاقتراع على حساب عائلات حلب المعروفة والتاريخية، بدليل أن 80% من أهالي حلب استهجنوا سقوط فارس الشهابي لكن حقيقة الأمر أنهم لم يشاركوا بالانتخابات.

وفي سياق متصل يقول الخبير السياسي أن الدافع العشائري والمناطقي لعب دورا في الانتخابات إلى جانب المال الذي لعب دورا كبيرا في استقطاب القواعد.

وأعطى مثالا على ذلك أن أبرز مرشحي حلب المستقلين، فارس الشهابي الذي خسر الانتخابات، وهو رئيس غرفة صناعة حلب، وضع 200 وكيل في المراكز الانتخابية من طلاب الجامعات وغيرهم، فجاء إليهم "جماعة القاطرجي" وسألوهم كم دفع لكم الشهابي، وعندما علموا أنه دفع لهم 25 ألف مقابل العمل كوكلاء له يوم الانتخابات، عرضوا عليهم 100 ألف ليرة مقابل رمي أوراق الشهابي والعمل لصالح القاطرجي، فاستجابوا.

الحملة الأعلى كلفة في تاريخ سوريا
الخبير السياسي يكشف أن الحملة الانتخابية لمرشحين قائمة الأصالة بحلب التي دخل عليها حسام القاطرجي آخر 24 ساعة مع المصاريف التي دفعها المرشح القاطرجي على الحملة هي الأعلى بتاريخ سوريا، بدأت قبل رمضان بتوزيع حصص غذائية على الأحياء الشرقية والريف مما ترك أثرا رسخ اسم القاطرجي عند معظم العائلات التي كانت تدخل للمشاركة في الانتخابات لتنتخب القاطرجي فقط والحصول على سلة غذائية مجانية بعد فترة كما تم وعدهم .

وبذلك توج القاطرجي زعيما للمجتمعات الفقيرة والريفية في حلب، وشكّل تيارا، وقد يكون لهذا التيار تأثير في مجريات الأمور مستقبلا، رغم أنه ليس من بيئة عشائرية أو من زعماء العشائر، وأبوه كان رجلا متواضعا قبل الأزمة ويعمل خياطا في مدينة الرقة، لكن للدولة دور أساسي فيما كلف به من مهام ودور وظيفي نجح في أدائه.

اللعب من تحت الطاولة..

ولفت كمال الجفا إلى دخول شخصيات ربحت الانتخابات ليس لها علاقة بالسياسة، حملتهم قوائم حسام قاطرجي، منهم محمود أبو بكر مثلا وهو شاب صغير بالعمر ومن عائلات حلب المرموقة، لكن ليس له أي باع بالسياسة ، وشادي دبسي أيضاُ وهو طبيب تجميل ليس له علاقة بالسياسة ولم يكن عنصر فاعل بأي فترة من الفترات، بالمقابل زينب خولة برغم كل عملها الإنساني وجمعيتها التي لم تهدأ خلال ست سنوات لم تستطع تجاوز الانتخابات، والسبب الأساسي هو الخيارات القائمة التي غلب عليها العامل العشائري ولعب فيها العامل المادي.

لم يتجرأ أي مسؤول حزبي أن يقول في العلن - حسب الجفا - انتخبوا فلان كما كان يحدث سابقاً، لأنه كانت هناك توجيهات صارمة بعدم التدخل لكن الأمور كانت تجري من تحت الطاولة.
مؤكداً أن هذه الانتخابات كانت الأقل تدخلا من قبل القيادة الحزبية في تاريخ البعث، لكن العاطفة تلعب دورا في التوجيه شئنا أم أبينا، حيث لعبت الصداقات الشخصية دوراً واضحاً.
ويعطي مثالا: الدكتور ابراهيم حديد من جامعة حلب كان ضمنيا يدعم قائمة القاطرجي وقائمة العشائر ولم يدعم قائمة الشهابي لخلافات شخصية.

وكانت الأمثلة من حلب لأنها تمثل صراع وأيقونة الحرب التي تعيشها سوريا منذ 9 سنوات.
الأحزاب الجديدة غائبة.

بالنسبة لمشاركة الأحزاب الجديدة في الانتخابات، يقول الجفا إن انخفاض دور أحزاب الجبهة كان واضحاً خلال الاجتماعات، فالحزب القومي مثلا كان له سابقا 16 مقعد انخفضت هذه الدورة إلى 3 مقاعد، وكل أحزاب الجبهة ليس لديها اليوم إلا 16 معقد، بعد أن ارتفعت حصة حزب البعث.

بالإضافة إلى أن كل الأحزاب التي تم تأسيسها خلال الأزمة كانت غائبة، وهذا مؤشر خطير، حيث لم تخرج هذه الأحزاب من الإطار العائلي وبعض الشراكات الضيقة بعيداً عن الانتشار الجماهيري، ويمكن القول إنه ليس هناك عمل سياسي حقيقي في سوريا.

تجربة جديدة ومرحلة جديدة، إلا أن السوريين لم يصلوا بعد إلى مرحلة النضوج السياسي في آلية اختيار ممثليهم إلى مجلس الشعب، واللافت وجود رصد جماهيري ودور لوسائل الإعلام بفضح عدد من الفاسدين وحديثي النعمة وأمراء الحرب، وكان هناك بوادر إيجابية من القيادة بإقصائهم - كما يقول الجفا- لكننا لسنا في سويسرا ولا يمكن الانتقال إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية دفعة واحدة، فلايزال قسم كبير من السوريين يعتقدون أنهم لو لم ينتخبوا قائمة الجبهة سيدخلون السجن!

برغم كل ما يحدث لا يمكن أن نتحول إلى انتخابات ديمقراطية حرة على مستوى عالي إن لم يكن هناك احزاب تتعامل بمنطق بيانات حزبية ومرشحي حزب يختارون بعناية وتكافؤ فرص.
ولا يمكن أن تضبط الدولة هذه الطريقة التقليدية بالانتخابات والتي قد يحدث فيها الاقتراع أكثر من مرة سيما بين الريف والمدن، إلا بإدخال التكنولوجيا ليستطيع أي مقترع أن ينتخب وفق الباركود حتى عبر الموبايل، ما يضمن عدم تكرار الانتخاب، إضافة إلى عدم الحاجة إلى التوجه للمراكز الانتخابية، لاسيما في مثل الظروف الصحية التي يمر بها العالم.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 7