بعد غيابها لعقود.. مطالبات شعبية بعودة عقوبة الإعدام إلى الساحات العامة في سورية

هيا حمارشة- وكالة أنباء آسيا

2020.07.08 - 05:25
Facebook Share
طباعة

 "إذا كان القتل من طبيعة الإنسان فإن القانون لم يُسَن لتقليد تلك الطبيعة بل لإصلاحها"، هذا ما قال الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، أثناء دعمه لإلغاء عقوبة الإعدام عام 1959، لكن ما يحدث اليوم في سوريا، ربما أصبح بعيداً عن الإصلاح، بقدر ما هو قريب من وجوب ردع المجتمع عن ارتكاب الجرائم، ولا سيما جريمة بيت سحم الرباعية المتكاملة الأركان.

تاريخ الإعدام

منذ بداية البشرية، لم تكن عقوبة الإعدام من أجل القصاص، بقدر ما كانت محصورة بالانتقام الفردي، ومع تطور المجتمعات أصبح مبدأ للقصاص، وتعود أقدم حالة إعدام فعلية مسجلة، إلى مصر في القرن 16 ق.م، ومن أشهر أحكام الإعدام هو إعدام الفيلسوف سقراط لاتهامه بالهرطقة، من خلال إجباره على التسمم، كما صلب يسوع المسيح في القدس، في حين تنوعت أشكال الإعدام من رجم وتمزيق للجسم أو حرقه أو إغراقه، أو قطع الرأس بالمقصلة، وصولاً إلى المقعد الكهربائي الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الشنق والخنق بالغاز.

الإعدام في سورية

تعود أول عقوبة إعدام ميداني تمت في ساحة المرجة حينما قام جمال باشا بإعدام مجموعة من المفكرين والوطنيين في الساحة بتاريخ 6 أيار عام 1915 حتى اتخذ هذا اليوم عيداً الشهداء، وفي عام 1927 خلال الثورة السورية الكبرى، تم إعدام العديد من رجال العلم والسياسة، حتى سميت هذه الساحة بساحة الشهداء، حيث شهدت إعدام ما يقارب 250 إلى 300 سوري، وفي عام 1949 تم سن قانون الإعدام حسب الدستور السوري، ليصبح عقوبة ينفذها القضاة بشكل قانوني.

وحسبما تنص المادة (235) من قانون العقوبات، تقع عقوبة الإعدام على جرائم الخيانة والتجسس لصالح العدو، وبعض جرائم الفتنة، والقتل إذا وقع عمداً، أو تمهيداً لجناية، أو تسهيلاً أو تنفيذاً لها، أو تسهيلاً لفرار المحرضين على تلك الجناية، أو إذا وقع القتل على أحد أصول المجرم أو فروعه، بالإضافة إلى بعض جرائم الحريق إذا نجم عنها وفاة، وقانون محكمة الإرهاب الجديد.

وفيما يخص شروط تنفيذ حكم الإعدام، تنص المادة (43) من قانون العقوبات على ألا ينفذ حكم الإعدام إلا بعد استطلاع رأي لجنة العفو وموافقة رئيس الدولة، على أن يتم إعدام المحكوم عليه داخل السجن أو مكان يعينه المرسوم القاضي بتنفيذ العقوبة، ويحظر تنفيذ الإعدام في أيام العطل والأعياد بكافة أشكالها، واذا كانت المرأة حامل يؤجل لحين وضع المولود.

يتم الإعدام شنقاً حسب المادة 455 من قانون أصول المحاكمات للمدني بحضور رئيس الهيئة التي أصدرت الحكم، والنائب العام، ورئيس المحكمة، وكاتبها، بالإضافة إلى محامي المحكوم عليه، وأحد رجال الدين الذي ينتمي إليه المحكوم، كما مدير السجن والطبيب الشرعي، وضابط الشرطة التابع لها مكان التنفيذ، أما إذا كان المحكوم عليه عسكري، فيتم إعدامه رمياً بالرصاص من قبل إثنا عشر جندي بعد عصب عيناه وربطه بعمود، ويقرأ عليه الحكم بصوت جهوري، بحضور أحد أعضاء المحكمة الصادر عنها الحكم، والنائب العام، وأحد الأطباء الرسميين، وكاتب المحكمة، وذلك حسب المادة (92) من قانون العقوبات العسكري، ويحظر تطبيق عقوبة الإعدام على الأشخاص الذين ارتكبوا الجرائم وهم دون سن 18 عام.

عقوبة الإعدام شرعاً

يقرّ الإسلام، وجميع الشرائع السماوية، عقوبة الإعدام لمن تجرأ على الحق المقدس في الحياة، إلا أنه يتشدد في الضوابط الشرعية لها، مثل أن يكون المجرم عاقلاً ومختاراً غير مكره، وعن عمد، كما إثبات العقوبة من ثبات الجريمة، وأن يتم تخيير أولياء المقتول بين الرضى بالتعويض المادي أو الرفض وتنفيذ الحكم، على أن يتم تنفيذه بسرعة ودون تعذيب، وأن تخصص عقوبة الرجم للزاني والزانية.

إحصائيات وأحكام

يشير المحامي عاطف جاويش لوكالة آسيا، إلى أنه لا أحد يملك أي معلومات إحصائية عن عقوبات الإعدام في سورية، فلا يوجد أرشيف لذلك، وإن وجد فهو غير معد للعلن، ولكن حسب البحث المطول وجمع المعلومات من المنظمات الدولية التي تعنى بأحكام الإعدام، تم التوصل إلى إحصاءات متسلسلة، لأعداد أحكام الإعدام في سورية، ففي عام 1965، تم إعدام الجاسوس الإسرائيلي الياهو كوهين، في ساحة المرجة، وفي عام 2008، وثقت منظمة العفو الدولية 7 أحكام إعدام صدرت في سوريا، ولم ينفذ منها إلا واحداً، وفي هذه الأثناء ظهرت موجة تشريعية عارمة، لإلغاء عقوبة الإعدام في سوريا، حيث التقى ممثلو منظمات المجتمع المدني والخبراء الوطنيون للبلدان العربية في مدريد، للعمل بتوقيف تنفيذ أحكام الإعدام، وكانت سوريا أحد المشاركين بها، وذلك في عام 2009، فاشتدت هذه الموجة في عام 2010، وانقسم الرأي العام بين مؤيد ومعارض للعقوبة، إلا أن اندلاع الحرب آنذاك، أوقف هذه الموجة وغيبها، حتى أنه لم يعد بإمكان أي منظمة الحصول على أعداد وإحصائيات لأحكام الإعدام في سوريا، نظراً للظروف التي عاشتها البلاد، بالإضافة إلى تنفيذها بشكل مغلق وابتعادها عن الساحات العامة، كإصدار حكم الإعدام بحق مهندس البرمجيات باسل صفدي بعد مرور ثلاث سنوات على اعتقاله وذلك في عام 2017، بينما في شهر شباط للعام الجاري، تم إصدار حكم إعدام في حلب على شخص اعتدى جنسياً على طفلين وقتل أحدهما، وطالب الشعب حينها بإعدامه في الساحات العامة لكن ذلك تم بشكل مغلق وبعد مرور عام كامل على اعتقاله.

ذيول الحرب النفسية

بعد وقوع جريمة بيت سحم الرباعية المتكاملة، وتوالي العديد من الجرائم المشابهة والغريبة من نوعها، أعاد هذا الأمر عقوبة الإعدام وفي الساحات الميدانية إلى المشهد السوري، حيث أوضح المحامي جاويش أنه مع تنفيذ عقوبة الإعدام بحق مرتكبي جريمة بيت سحم، لكنه ضد تنفيذ الحكم في الساحات العامة، مؤكداً بقوله " لا شك أن عقوبة الإعدام تشكل رادعا مرعبا للمجتمع تجاه كتلة المجرمين، فالمجرم لديه فكر الإجرام، لكن هناك عوامل دفعته لذلك منها ذيول الحرب النفسية، فهو اعتاد على رؤية الدم وسهولة القتل، بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، وانتشار الوباء، ولكن ذلك لا يمنحه المبرر لارتكاب جريمة شنيعة"، وعن دافع الجريمة الذي تم تحديده ألا وهو السرقة، نوه جاويش إلى نقطة هامة في سبب الجريمة قائلاً: " في بعض الحالات تتفاقم النية الجرمية بمكان الجرم، واعتقد أنهم كانوا مخططين للسرقة فقط، لكنهم وضعوا في مكان يجب القتل من أجل إخفاء الجريمة، والسرقة هي سرقة سواء ليرة أو مليار".

قانون مطاط والنتيجة صفرية

لكن الخبيرة الاجتماعية حنان ديابي، كان لها رأي مغاير عن الرأي القانوني، حيث عبرت عنه بقولها: " أنا مع تنفيذ حكم الإعدام بالساحات العامة، لأن ذلك سيشكل رادعا قويا لدى المجرمين، فما الفائدة من وجود قانون قوي، لكنه قانون مطاط يتخلله مئات المنافذ تخرج المجرم من جريمته بكل سهولة، الرادع ليس القانون بل تطبيق القانون بشكل دقيق وعلى الجميع دون وجود أي محسوبيات، فالمجتمع السوري عاد بهذه الجرائم إلى بداية البشرية التي يحكمها الفعل الغريزي، والعرف أكثر من القانون"، وعن ثقة الشعب بمنظومته القضائية، تحدثت ديابي عن استطلاع رأي أجرته في عام 2008، حول هذا الموضوع، فكانت النتيجة صفرية، مشيرة بقولها " هذا الاستطلاع منذ أكثر من عشر سنوات، فكيف سوف تكون ثقة الشعب الآن بقضائه، فلو كان واثقاً بحكمه لما طالبوا بإعدامهم ميدانياً للتأكد بأم أعينهم من تنفيذ الحكم".

الإعدام قصاص عادل

وعن الرأي القانوني المستجد فيما يخص جريمة بيت سحم، وعودة قانون الإعدام إلى الواجهة، يؤكد المحامي لؤي الكردي ضرورة إعدام المجرمين قائلاً: " عقوبة الإعدام هي قصاص عادل لبعض الجرائم، وسوف تكون عقوبة رادعة إذا تم تنفيذها في الساحات العامة، وأنا مؤيد لعودة عقوبة الإعدام إلى الواجهة من جديد نظراً للجرائم التي حدثت في الآونة الأخيرة، وأعتقد نتيجةً للضغظ الشعبي، سيتم تنفيذ حكم الإعدام ميدانياً، ولكن ذلك يمتد من شهرين إلى سنة، نظراً للإجراءات التي يتم اتخاذها من طعن في الحكم وحق المجرم بالدفاع عن نفسه، إضافة إلى أن هذه الجريمة شائكة لأن أحد المجرمين هو عسكري، وبالتالي يحاكم محكمة عسكرية أي رمياً بالرصاص، لكن الأمر يعود إلى المنظومة القضائية في ذلك".

الخطأ ذاته

أحد الخبراء النفسيين المقيمين في كندا، (فضل عدم ذكر اسمه)، أوضح أن عقوبة الإعدام غير رادعة بالمطلق، بل يجب إطلاق حملة لإلغاء العقوبة بدلاً من إعادتها للواجهة من جديد، فلو كانت رادعة لما تكررت، وإذا كان الهدف منها هو إحساس المجرم بالذنب، فلم يتحقق هذا الهدف، ومن الخاطئ تكرار الخطأ ذاته على مدى مئات الأعوام، والنتيجة ذاتها.

فيما تبقى الآراء متباينة، ومتناقضة، تجاه عقوبة الإعدام وعودتها إلى المشهد السوري من جديد، وخاصة في جريمة بيت سحم الرباعية، التي أحدثت موجة غضب عارمة وشكلّت رأياً عاماً، مطالباً بإعدام المجرمين في الساحات العامة، والذي رافقه هدوء تام من المنظومة القضائية، بانتظار إصدار الحكم الأخير والعادل في هذه القضية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 5