غلاديس مطر توثّق هويتها في "عرب أمريكا"

عادل شريفي

2020.07.02 - 11:40
Facebook Share
طباعة

 
رواية "عرب أمريكا للأديبة السورية غلاديس مطر، رواية غاية في العمق والشفافية تروي ببراعة مخرج "هوليودي" جدلية الغربة والالتزام من خلال بطلتها "أميرة زين الدين"، التي تمثّل الضمير الذي لا يمكن أن يتزحزح عن موقفه حتى وإن وقع في حضن ألد خصومه. الرواية تحمل قضيّة الانتماء في بيئة تذيب كلّ ألوان الطيف لصالح بياضٍ تعتبره الكاتبة زائفاً لا بد أن يعود لعوامله الأولية لدى أوّل منعطفٍ موشوري، وهل هناك أعتى من رياح الرّبيع العربي على بتلات الشّخصية العربية في المهجر؟ رياح أتت على جمر أحرق جميع الأقنعة المزيّفة لتُبدي عري التّعصب والطّائفيّة وحبّ الظّهور لدى كلّ واحد فينا، فها هو "عمر" يترك بلاد العم سام وبيئة أسرته العلمانية ليلتحق بداعش في "ولاية الرّقة" استجابة لنداءات تمّ زرعها في لاوعيه فرآها حسنة. لكنّه ما لبث أن رأى كلّ الوهم الذي تمسكّ به يتبخّر تحت شمس الحقيقة.
 
لا شكّ أن السنين التي عاشتها الكاتبة في بلاد الإغتراب، ومعرفتها اللصيقة بشرائح واسعة من العرب والسوريين هناك جعلها جديرة بنقل الصّورة بكلّ دقّة وأمانة. في الحقيقة لقد أبدعت غلاديس في وصف بيئات متعددة ما بين لوس أنجلس ودمشق، إلا أنّ دقّتها وبراعة توثيقها لمراحل التحاق "عمر" بداعش في ولاية الرّقة عن طريق تركيا كان بالفعل شيئاً لافتاً، وهو إن دلّ على شيء فإنّه يدلّ على مدى مراجعة الكاتبة للعديد من المصادر والمراجع حتّى تسنّى لها أن تكتب بهذه المصداقية التي تكاد تكون واقعاً، كما تؤكّد هي في أحاديثها عن الرّواية. إذ قالت في إحدى مقابلاتها: "الشخصيات من لحم ودم اعرفها كما اعرف باطن كفي، هناك صفحات لا زلت ابكي كلما قرأتها".
 
في الرّواية تجد الانتهازي صاحب سجّادة الصّلاة وكأس الويسكي الذي يبيع أبحاثاً تحت الطّلب صادرة عن مركزه الاستراتيجي الممول من قبل الخارجية الأمريكيّة، وينتقل من فضائيّة لأخرى لتوجيه الرأي العام بحسب أهواء دافعي المال، وهناك مارك عبد الله الذي لا يحبّ النّظام، إلا أنّه يحب سوريا ويؤلمه ما يحدث فيها من انتهاك لكل مبادئ الإنسانيّة من قبل دولٍ تزعم أنّها راعية للخير والحق والعدل. وهناك الجارة التي تلبس علم "الثورة" كسوار في يدها، وتجاهر بتأييدها لكل ما يحدث من تخريب ومجابهة نكايةً بزوجها المؤيّد للنّظام، الذي حرمها من رؤية أولادها بعد الطّلاق! لم تكن تلك الامرأة فيما مضى صاحبة رؤية ثورية أو تنتمي لأيديولوجية ما، إلا أنّها -كالكثير من مثيلاتها- باتت أيقونة ثوريّة تنظّر لحراك يحمل في ظاهره الكثير من الشّعارات التي لم يتحقق منها أيّ شيء.
 
إنّ أشدّ ما يحسب للكاتبة هو جرأتها على التدخل في مجريات أحداث الرّواية كشخصيّة ظل! طبعاً لا يخفى على القرّاء أن كلّ الكتاب يتوارون خلف شخصياتهم إلا أنّها صرّحت هذه المرّة بلعبها دور القدر في الرّواية، لتحفيز الشخصيّات على ردود أفعال أكثر وضوحاً تلائم -بحسب قولها- شدّة وتطرّف الأحداث. غير أنّ في الرّواية جرأة أخرى اقترفتها الكاتبة، وهي برأيي أشدّ من جسارةً من الأولى،  ألا وهي إظهار تأييدها لموقف بلادها وسط هذا العداء لكل من تثبت عليه هذه التّهمة من قبل من يدّعي الديموقراطية وحرّية التّعبير عن الرأي!
 
رواية ذات إيقاع عالٍ وأحداث مجدولة بإحكام رغم تداخلها الكبير، فيها رؤية إنسانية لكاتبة مرهفة الأحاسيس تتألم على وطنها الذي بات حبلاً في لعبة شدّ، قاسماً العالم لفريقين لا يستطيع أيّ منهما حسم اللعبة لصالحه.
عادل شريفي
 
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7