هل يمكن للمنطقة تجاوز أزمتي انهيار النفط وانتشار كورونا؟

ترجمة: عبير علي حطيط

2020.05.13 - 06:23
Facebook Share
طباعة

 نشرت مجلة «ذا نيويوركر» الأمريكية مقالًا يتناول أكبر أزمتين يعاني منهما الشرق الأوسط في هذه الأيام، فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط، ومدى قدرة الشرق الأوسط على التعافي منهما.


في مستهل مقالها ذكرت الكاتبة أنه قبل عام واحد مضى احتفلت إيران بيوم الجيش الوطني وأقامت استعراضاتٍ لقوتها العسكرية غلب عليها طابع البهرجة والزهو. ومع اضطرام التوترات الجديدة بين إيران وإدارة ترامب، شهد هذا العرض تدفق الدبابات والصواريخ بعيدة المدى المحملة على شاحنات مسطحة إلى شوارع طهران كالأمواج المتلاحقة.


واستعرضت تشكيلات القوات المنظمة تنوع الجيش الإيراني، وارتدت القوات ذات العرق التركماني قبعات من الفراء الأبيض الأزغب وسترات من اللون الأحمر الداكن، وارتدت قوات العرب القبليين قبعات بُنيِّة اللون مع عصابات للرأس ذات مربعات باللونين الأسود والأبيض، وارتدت القوات الخاصة الزي العسكري الكاكي والقبعات المتموجة. وكانوا جميعًا يمرون بالخطوة العسكرية المنتظمة من أمام الرئيس حسن روحاني وكبار قادة جيش الجمهورية الإسلامية.


أما في العام الحالي، فكان العرض العسكري مختلفًا تمامًا، وأرسل رسالة مختلفة كذلك. ففي ظل وجود أكثر من 100 ألف حالة إصابة مؤكدة بمرض (كوفيد-19) في إيران، شهد العرض العسكري ليوم الجيش الوطني ظهور القوات وهي تمشي بالخطوة العسكرية مرتدية بدلات المواد الخطرة وأقنعة الوجه، وكانت سيارات الإسعاف واقفة في طوابير طويلة، وتحوَّلت الشاحنات المسطحة إلى عيادات متنقلة، وكانت المركبات العسكرية تنفث في الهواء سُحبًا كثيفة من المطهرات والمعقمات.


كانت المسافة الفاصلة بين أعضاء الفرقة الموسيقية العسكرية المشاركة في العرض العسكري تصل إلى ستة أقدام. وتغيب الرئيس الإيراني عن حضور هذا العرض. وقال في رسالة بعث بها إلى جيش الأمة: «العدو الآن خفي، ويقف الأطباء والممرضون في الخطوط الأمامية لساحة المعركة». وأضاف: «إن جيشنا ليس رمزًا للعسكرة، ولكنه أحد تجليات دعم الأمة وإعلاء مصالحها الوطنية».


وتشير الكاتبة إلى أن الشرق الأوسط، المنطقة الأكثر تقلبًا في العالم منذ أكثر من سبعة عقود، ابتُلِيت خلال الشهرين الماضيين بكارثة مزدوجة: جائحة فيروس كورونا والانهيار التاريخي لأسعار النفط العالمية.


كانت إيران البؤرة الأصلية لانتشار فيروس كورونا في المنطقة، ولكن بحلول يوم الأربعاء الماضي، أبلغت 17 دولة عربية وإيران وإسرائيل عن أكثر من 220 ألف حالة إصابة، ووفاة أكثر من 9 آلاف شخص بسبب الفيروس.


في الوقت نفسه، تضررت الاقتصادات في جميع أنحاء المنطقة ضررًا بالغًا بعد انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوًى لها في التاريخ الشهر الماضي، وذلك بسبب وفرة العرض المتزامنة مع تناقص الطلب على النفط والغاز خلال عمليات الإغلاق العام العالمية. ومنذ عام واحد خلى، كان سعر النفط يبلغ 67 دولارًا للبرميل.


تراجعت الأسعار خلال الشهر الماضي في جميع أنحاء لعالم، ولكنها انهارت في الولايات المتحدة للمرة الأولى إلى ما دون الصفر، ونظرًا لعدم توافر مرافق تخزين أمام منتجي النفط، اضطر بعضهم إلى الدفع للمشترين لأخذ النفط الذي لم يكن لدى شركات الإنتاج مرافق لتخزينه.


تقول سوزان مالوني من معهد بروكنجز، عن هذا الوضع: «لا أدرى كيف سيتعافى الشرق الأوسط. وسيكون لما نراه الآن تأثير كارثي على المنطقة بأسرها، لأن تزامن مرض (كوفيد-19) مع انهيار أسعار النفط سيُلحق الضرر بالدول المنتجة للنفط التي كانت بدورها مصدر التمويل السخي لبقية المنطقة».


تلفت الكاتبة إلى أنه منذ أواخر شهر شباط/فبراير، تغيرت الصورة، وأجندات القادة، وواقع الحياة اليومية في جميع أنحاء المنطقة.


ففي محافظة إدلب السورية، آخر ساحة قتال رئيسة في الحرب الأهلية في تلك البلاد، جابت الشوارع مقطورة تزينها رسومات بسيطة كبيرة الحجم باللون الأحمر لفيروس كورونا لتحذير السكان الذين أعيتهم الحرب من خطرٍ أكبر عليهم من الخطر الذي يشكِّله نظام الأسد.


وأصبحت شوارع المملكة العربية السعودية – التي ترعى الحرمين الشريفين – فارغة على نحو غريب ومخيف. وفي آذار/مارس، حظرت المملكة جميع شعائر الحج والعمرة، بما في ذلك فريضة الحج السنوية إلى مكة المكرمة – أحد أركان الإسلام الخمسة – والتي لم تتوقف منذ غزا نابليون مصر في عام 1798.


كما دخلت الأسرة المالكة مخبئًا فرضه الواقع منذ أن أصاب فيروس كورونا ما يصل إلى مائة وخمسين من الأمراء والأميرات. وبحسب ما أوردته تقاير إعلامية، يقبع الملك سلمان في عزلة على جزيرة تقع على ساحل البحر الأحمر بالقرب من مدينة جدة، بينما اعتزل ولي العهد الطموح محمد بن سلمان مع دائرته الداخلية في موقع بعيد على أرض مدينة مستقبلية يعيش بها عدد قليل من الناس، حسبما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز».


وأوضحت الكاتبة أن السعي للنجاة من الفيروس حل الآن محل حتى أعمق الخصومات في المنطقة؛ إذ أمطر الإسرائيليون صانعي الملابس في غزة – الأرض الفلسطينية التي تحكمها حماس عدو إسرائيل اللدود – بطلبات لتصنيع الأقنعة وغيرها من معدات الحماية، في حين حلت رسومات لفيروس كورونا والأشخاص الذين يرتدون الأقنعة محل الرسومات المعادية لإسرائيل على الجدران. وأعلنت المملكة العربية السعودية عن وقف إطلاق النار في حملتها العسكرية التي استمرت خمس سنوات في اليمن – ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران – وأبدت اهتمامًا بإنهاء الحرب.


تزامنت مع أزمتا المرض وأسعار النفط المتداعية مع حالة فوضى مدويّة، فيها ثلاث حروب أهلية مشتعلة – استمرت لمدة خمس سنوات في اليمن وست سنوات في ليبيا وتسع سنوات في سوريا – بالإضافة إلى أشهر من الاحتجاجات القاتلة في العراق، والانفجار الداخلي للنظام النقدي في لبنان، وإجراء ثلاث انتخابات إسرائيلية في عام واحد، ووجود ملايين من اللاجئين والمشردين في مخيمات بدائية في الأردن والعراق ولبنان، والطفرة الجديدة للهجمات الانتحارية والاغتيالات على يد «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».


وباستثناء إسرائيل، لا تملك معظم دول الشرق الأوسط الطواقم الطبية أو المستشفيات أو المعدات اللازمة لتوفير الرعاية المناسبة أثناء الجائحة، وليس لديها أيضًا الموارد المالية اللازمة لإنقاذ اقتصاداتها.


لقد عبَّدت الأزمات الطريق أمام الشرق الأوسط ليصبح أشد تقلبًا. وما يقرب من 60٪ من سكان المنطقة تحت سن الثلاثين؛ مما قد يؤثر على عدد الناجين من الجائحة. لكن الشباب حملوا أيضًا لواء الاحتجاجات في المنطقة، وقد يعبِّرون الآن عن غضب متجدد لأنهم سيكونون الجيل الأكثر تأثرًا بارتفاع معدلات البطالة. وفي عديد من البلدان، كان ما يقرب من ثلث الشباب عاطلين عن العمل قبل تفشي الجائحة.


أما في لبنان، انتهك المتظاهرون الحجر الصحي في مدينة طرابلس الشمالية وأحرقوا البنوك احتجاجًا على انهيار العملة الوطنية وتأثيرها على حياتهم، وتوفي فواز السمان، 26 سنة، أثناء المواجهات مع الجيش اللبناني، وسرعان ما أطلق عليه لقب «شهيد ثورة الجوع». وتنقل الكاتبة عن سوزان مالوني قولها: «هذه نقطة تحول حاسمة. وسيكون لها تأثير سياسي طويل الأمد، وستغذي الشعبوية والغضب ضد الحكومات من جانب شعوبهم».


وأفادت الكاتبة أن أعداد المصابين في إيران، مركز تفشي الفيروس في المنطقة، تمثل ما يقرب من نصف العدد الإجمالي لحالات الإصابة بفيروس كورونا في المنطقة. وقد ثَبُتَ أن إيران كانت السبب في حالات مصابة بالفيروس وصلت إلى 23 دولة عبر أربع قارات؛ من الولايات المتحدة إلى السويد، ومن تايلاند إلى نيوزيلندا.


ولا تزال الجائحة في مراحلها المبكرة في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، وفقًا لبول سالم، رئيس معهد الشرق الأوسط بواشنطن العاصمة. ولا تتوفر للمناطق المعرَّضة لهجوم شديد من الفيروس سوى وسائل محدودة لمكافحة انتشار العدوى، ومنها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في جميع أنحاء المنطقة، والأحياء الفقيرة في الدار البيضاء والجزائر، ومناطق الحرب في اليمن وليبيا، والمناطق المكتظة بالسكان مثل قطاع غزة.


تنقل الكاتبة عن بول سالم قوله: «بالنظر إلى عدم وجود علاج أو لقاح، وأن عمليات الإغلاق العام ستستمر لفترة طويلة، فإن الخسائر البشرية خلال العام أو العامين المقبلين قد تكون هائلة. وقد يموت كثيرون في الشرق الأوسط جرَّاء هذه الجائحة بأعدادٍ تفوق إجمالي أعداد الموتى الذين سقطوا في حروب المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى».


أيضًا، تواجه الحكومات جميعها تحديات اقتصادية صادمة؛ فالجزائر تدمرت، وهي الدولة التي تشهد أكبر عدد من الوفيات في أفريقيا بسبب مرض (كوفيد-19)، وتحصل على 60٪ من عائداتها من خلال المنتجات البترولية. وأعلن الرئيس عبد المجيد تبون هذا الأسبوع أنه يجب تخفيض ميزانية الدولة إلى النصف.


واعتمدت ميزانية المملكة العربية السعودية لعام 2020 على أن أسعار النفط ستربو على 80 دولارًا للبرميل. والآن تجد أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، والتي تعتمد على قطاعها النفطي للحصول على 87٪ من عائدات الميزانية، نفسها مضطرة إلى سحب 32 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية والاستفادة من أسواق الديون لتغطية نفقاتها. ولم تعد خطة المملكة الطموحة لعام 2030 من أجل تحديث اقتصادها وتنويعه، والمدعومة من ولي العهد، تبدو ميسورة التكلفة؛ على الأقل في جدول الأعمال الحالي.


وقد يكون الاتفاق، الذي وقعته الشهر الماضي 23 دولة منتجة للنفط لخفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يوميًّا، ذا تأثير محدود. وفي أبريل (نيسان)، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض ​​الطلب العالمي على النفط بمقدار تسعة و20 مليون برميل يوميًّا. وستخسر العراق، وليبيا، وإيران، وممالك، وإمارات خليجية، عشرات المليارات من الدولارات من عائداتها.


ويتابع بول سالم قوله: «من أجل السيطرة على الجائحة، أصبحت بعض الحكومات أكثر استبدادية في منطقة مشهورة بالاستبداد، إذ أغلقت الأماكن العامة وتتحكم فيما يقوله ويفعله المواطنون الذين يواجهون مزيدًا من البطالة والجوع».


فرضت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أبلغت عن أكثر من 15 ألف حالة من حالات الإصابة بمرض (كوفيد-19)، غرامة تزيد عن 5 آلاف دولار على كل من يخالف التصريحات الرسمية بشأن الجائحة. وفرضت المملكة العربية السعودية، التي أبلغت عن أكثر من 30 ألف حالة، حظر تجول صارم، ومنعت الدخول والخروج من وإلى عدة مدن.


وجرَّمت مصر، التي لديها أكثر من 7 آلاف حالة إصابة، «نشر الذعر» بشأن الجائحة، في حين منح البرلمان سلطات أكثر شمولية للرئيس عبد الفتاح السيسي والأجهزة الأمنية.


وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في بيان: إن الحكومة (المصرية) «تستغل الجائحة لتوسيع، وليس إصلاح، قانون الطوارئ المصري المتعسف. ويجب على السلطات المصرية التعامل مع مخاوف الصحة العامة الحقيقية دون اللجوء إلى أدوات قمع إضافية».


وأخيرًا تزامنت الأزمتان مع شهر رمضان المبارك الذي بدأ في 24 نيسان/أبريل. وعادةً ما يكون هذا الشهر من أكثر الأوقات بهجة في السنة بالنسبة للمسلمين المتدينين، والذين يصومون من الفجر إلى المغرب، ومن ثم ينقطعون عن الصيام يوميًّا بحلول عيد الفطر الذي يقضونه مع العائلات الكبيرة والجيران وأهالي المساجد. وأصبح الإفطار الآن عبارة عن وجبات صغيرة ومتواضعة في ظل الحجر الصحي. وكان الأردن من بين عدة دول حظرت الصلاة في المساجد خلال شهر رمضان.


يفترض بول سالم أنه إذا كان القادة يتحلون بالحكمة، فإنها ستهديهم إلى تقليص الإنفاق على التسليح الدفاعي، وإنهاء المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الحروب، والتركيز بدلًا عن ذلك على قضايا الصحة والرفاهية العامة.


واختتمت الكاتبة مقالها مشددة على أن الموجات الاحتجاجية التي سبقت الجائحة أثبتت أن الشرق الأوسط مستعد بالفعل – بل حتى أكثر من مستعد – للتغيير. ولكن بالنظر إلى التاريخ الطويل للمنطقة من الدكتاتوريين وأمراء الحرب والميليشيات والنخب الفاسدة، تبدو التوقعات متشائمة. وهذا لا يبشر بالخير لمستقبل ما بعد الجائحة في الشرق الأوسط.

المصدر: https://www.newyorker.com/…/can-the-middle-east-recover-fro…

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 7