تشهد مدينة دير الزور تصاعدًا مقلقًا في حالة الفلتان الأمني، وسط غياب واضح لأي رقابة حقيقية أو محاسبة للمخالفين. فبين أحياء المدينة وأسواقها المزدحمة، أصبح مشهد المسلحين وهم يجوبون الشوارع بالدراجات النارية أو السيارات العسكرية مشهداً يومياً مألوفاً، ما يزرع الخوف في نفوس السكان، ويجعل من الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر.
السلاح المنتشر في المدينة لم يعد حكرًا على القوى الرسمية، بل بات في أيدي مجموعات تتصرف بمنأى عن القانون، وتفرض حضورها بالقوة، في ظل تواطؤ أو تجاهل من الجهات الأمنية. ويعود جزء كبير من هذه الأسلحة إلى مستودعات ومواقع عسكرية تم الاستيلاء عليها في فترات التوتر والصراع، لتنتقل لاحقاً إلى مجموعات شبه عسكرية وميليشيات محلية أصبحت جزءاً من المشهد الأمني غير المنضبط.
ويشعر سكان دير الزور أن الأمن في مدينتهم بات مسألة مزاجية، تتحكم فيه ولاءات المسلحين ونفوذ الجماعات، وليس القانون أو المؤسسات الرسمية. الأحياء التي كانت تشهد سابقًا استقرارًا نسبيًا، أصبحت مسرحًا لظهور مفاجئ لمجموعات مدججة بالسلاح، تفرض سلطتها بالقوة، وتزرع الخوف دون رادع.
وتترافق حالة الانفلات هذه مع تزايد مؤشرات مقلقة أخرى، مثل الاتجار بالمخدرات، وتجنيد الأطفال في صفوف بعض المجموعات، واستيلاء غير مشروع على ممتلكات السكان. هذه التجاوزات لا تواجه بأي إجراءات رادعة، بل تمر غالباً بصمت مطبق، ما يعمّق الشعور العام بأن المدينة تُدار خارج أطر القانون.
في هذا السياق، يشعر المواطنون بأن حياتهم اليومية أصبحت مرتبطة بتقلبات غير محسوبة، لا يعرفون معها ما قد تؤول إليه الأوضاع، خاصة في ظل ضعف مؤسسات الدولة وتقاعسها عن أداء دورها في فرض النظام. الكثيرون يعبرون عن مخاوفهم من تدهور أمني أوسع، لا سيما وأن لغة السلاح باتت هي السائدة، بينما تتراجع هيبة القانون أمام تغوّل الميليشيات.
ورغم أن المدينة حاولت النهوض من تداعيات الحرب، إلا أن هذا الانفلات يقف حجر عثرة في وجه أي جهود لإعادة بناء الثقة أو تحفيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية. لا يمكن لأي مدينة أن تتعافى ما لم يشعر أهلها بالأمان، وهو ما يبدو بعيدًا في ظل الظروف الحالية.
تُعدّ دير الزور نموذجًا واضحًا لما يمكن أن تؤدي إليه عسكرة المجتمع وفقدان السيطرة على السلاح، خاصة حين يتحول من أداة دفاع إلى وسيلة للابتزاز وبسط النفوذ. ومن دون تدخل جاد لإعادة ضبط الوضع الأمني، يبقى مستقبل المدينة غامضًا