شهدت قواعد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا استنفاراً غير مسبوقاً، وذلك قبل ساعات فقط من تنفيذ واشنطن ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، في تطور لافت يعكس مدى ارتباط الساحات الإقليمية ببعضها في ظل التصعيد بين إيران وإسرائيل.
ففي ريف الحسكة، تحديدًا في قاعدة "خراب الجير" العسكرية، أعادت القوات الأمريكية تموضع وحداتها وأعادت نشر عدد من آلياتها، في خطوة بدت حينها كإجراء احترازي لمواجهة تهديدات محتملة. وشملت هذه التحركات نقل آليات مدرعة وعربات لوجستية إلى مواقع محصنة، بالإضافة إلى تعزيز أنظمة الدفاع الجوي داخل القواعد، ورفع وتيرة التحليق الاستطلاعي للمروحيات والطائرات بدون طيار فوق المنطقة، وفق ما أفادت به مصادر محلية.
اللافت أن هذه التحركات جاءت متزامنة تماماً مع هبوط طائرة شحن عسكرية أمريكية في قاعدة "خراب الجير"، حيث كانت الطائرة محمّلة بأنظمة رادار متطورة ومنظومات مضادة للطائرات المسيّرة. وتمّت عملية الإنزال تحت حماية جوية مباشرة من مروحيتين أمريكيتين حلّقتا على ارتفاعات منخفضة في سماء المنطقة، ما يشير بوضوح إلى طبيعة الاستعدادات العالية التي سبقت الحدث الأهم.
وفي الوقت الذي كانت فيه القوات الأمريكية تجهز قواعدها تحسباً لأي تطورات أمنية محتملة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده نفذت ضربات جوية مركزة استهدفت ثلاثة من المواقع النووية الإيرانية الأكثر حساسية: فوردو، نطنز، وأصفهان. واعتبر ترامب في مؤتمر صحفي عاجل أن "الهجوم كان ناجحاً للغاية"، مضيفًا: "الآن هو وقت السلام".
وأوضح ترامب أن طائرات حربية أمريكية ألقت "حمولة كاملة من القنابل" على موقع فوردو تحت الأرض، مؤكدًا أن هذا الموقع "انتهى بالكامل"، في إشارة إلى تدميره أو تعطيله الكامل. وسبق هذا الإعلان تقارير من مصادر إيرانية تحدثت عن نقل كميات كبيرة من اليورانيوم عالي التخصيب من موقع فوردو إلى مكان غير معلوم قبل الضربة، ما يعكس استعدادًا جزئيًا في طهران لاحتمال وقوع الهجوم.
مصادر مطلعة ربطت بين التعزيزات الأمريكية في شمال شرق سوريا وتنفيذ الضربات الجوية، معتبرة أن واشنطن كانت تتحسب لردود إيرانية محتملة على مواقعها العسكرية في سوريا والعراق، خاصة عبر الأذرع الحليفة لطهران المنتشرة في تلك المناطق، أو عبر هجمات بطائرات مسيرة على قواعدها. هذا ما يفسر الاستعداد الأمريكي في الحسكة، حيث يُنظر إلى المنطقة على أنها خط دفاع أول لمصالح واشنطن في الشرق الأوسط.
ويأتي هذا التصعيد في ظل استمرار الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل منذ عشرة أيام، حيث تتبادل الأطراف الضربات الجوية والصاروخية، مع بروز الولايات المتحدة بشكل متزايد في دعمها العلني لتل أبيب، وتصعيدها ضد المنشآت الإيرانية الحساسة.
في المجمل، تزامن التعزيزات العسكرية الأمريكية مع تنفيذ الهجمات على إيران لم يكن محض صدفة، بل يكشف عن استعداد مسبق وتنسيق عملياتي يعكس تحولًا في طبيعة المواجهة، من حرب غير مباشرة إلى اشتباك مفتوح يحمل تداعيات أوسع على كامل الإقليم.