وسط توتر إقليمي مستمر، بدأت تركيا وإسرائيل خطوات أولية نحو طاولة المفاوضات، في محاولة لتخفيف حدة التوترات بينهما بشأن التداخل العسكري في سوريا. هذه الخطوات جاءت بعد تصريحات أمريكية مباشرة عبر فيها الرئيس دونالد ترامب عن ثقته بقدرته على حل الخلاف بين أنقرة وتل أبيب، مشددًا على أهمية العقلانية في التعاطي مع هذا الملف المعقد.
في اجتماع جرى في 7 نيسان، وأمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وصف ترامب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه "ذكي وقوي"، مشيدًا بدور أنقرة في التحولات السورية، رغم نفي تركيا لما وصفه ترامب بـ"أخذ سوريا". وفيما حملت التصريحات نبرة تهدئة، لم تخفِ واشنطن قلقها من تصاعد التوتر بين الحليفين الإقليميين.
في هذا السياق، كشفت مصادر تركية عن عقد اجتماع فني بين وفود من الجانبين في أذربيجان، ناقش إنشاء آلية لخفض التصعيد داخل الأراضي السورية. ورغم الخلافات العلنية، فإن الاجتماع يُعد خطوة أولى لاحتواء الصدام المحتمل بين الجيشين التركي والإسرائيلي في مناطق التماس داخل سوريا.
وتؤكد وزارة الدفاع التركية أن نشاطها في سوريا يهدف إلى دعم استقرار ووحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب، في ظل تنسيق مع الحكومة السورية الجديدة. كما شددت على أن القوات التركية لا تشكل تهديدًا ما لم تُهدد، في مقابل اتهامات إسرائيلية لتركيا بمحاولة فرض نفوذ عسكري يزعزع التوازن الأمني في المنطقة.
في المقابل، تواصل إسرائيل التصرف بحذر إزاء التحركات التركية، وتعتبر إنشاء قواعد تركية في سوريا خطًا أحمر، بحسب تحليلات وتقارير إسرائيلية رسمية، التي اعتبرت أن تركيا أكثر اهتمامًا بسوريا من إسرائيل، مما يمنحها الأفضلية على الأرض.
من جهة أخرى، تخشى إسرائيل من تداعيات الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي بات واقعًا بعد تقليص عدد القواعد الأمريكية، ما يُفتح المجال أمام أنقرة لتعزيز نفوذها العسكري في غياب توازنات الردع التقليدية. وترى إسرائيل في ذلك تهديدًا استراتيجيًا قد يفوق التهديد الإيراني، خصوصًا في ظل علاقات تركيا المتينة مع الغرب وعضويتها في حلف الناتو.
رغم أن المفاوضات لم تُثمر تفاهمات واضحة حتى الآن، فإن مجرد جلوس الطرفين على الطاولة يحمل دلالات سياسية مهمة. فالمواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وإسرائيل غير مقبولة أمريكيًا، وتحتاج الأطراف إلى مقاربات جديدة توازن بين الطموحات الأمنية والمصالح الإقليمية.
تُظهر المرحلة المقبلة ملامح معقدة من التفاهمات والتنافسات فوق الأرض السورية، في ظل إعادة تموضع القوى الفاعلة، واستمرار تراجع الحضور العسكري الأمريكي، ما يعيد تشكيل الخارطة السياسية ويزيد من الحاجة إلى تنسيق إقليمي لتجنب التصعيد.