بعد إغلاق دام 13 عامًا، شهدت العاصمة السورية دمشق يوم 20 آذار/مارس 2025 حدثًا دبلوماسيًا بالغ الأهمية تمثل في إعادة فتح السفارة الألمانية بحضور وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك. هذه الخطوة لم تكن مفاجئة تمامًا، إذ جاءت عقب التحولات السياسية الجذرية التي شهدتها البلاد بعد سقوط نظام الأسد وتولي الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع الحكم في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024.
دوافع القرار الألماني: دعم الاستقرار ومسار المساعدات الإنسانية
سبق إعادة فتح السفارة إعلان ألمانيا عن تقديم حزمة مساعدات إنسانية بقيمة 300 مليون يورو خلال مؤتمر بروكسل 9 للمانحين، حيث تم تخصيص نصف هذه الأموال لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المستضيفة في دول الجوار، فيما خُصص النصف الآخر لتوفير الغذاء، الخدمات الصحية، وملاجئ الطوارئ داخل سوريا. ومع ذلك، شددت برلين على أن هذه المساعدات لن تمر عبر الحكومة السورية الجديدة، بل سيتم الإشراف عليها عبر الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، في خطوة تعكس حذرًا دبلوماسيًا تجاه الحكومة الوليدة.
حذر دبلوماسي ألماني في التعامل مع الحكومة الجديدة
تُفسر هذه المقاربة الحذرة بأن برلين لا تزال تراقب عن كثب تطورات المشهد السوري، خاصة بعد "أحداث الساحل" وعدم التوصل إلى تفاهم واضح مع محافظة السويداء، إضافة إلى التأخر في تنفيذ الاتفاق مع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. هذه العوامل دفعت وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إلى التردد في حضور مؤتمر بروكسل، معبرًا عن مخاوفه من أن يكون المؤتمر "مسيّسًا ويخدم أجندات خارجية".
غير أن البيان الختامي لمؤتمر بروكسل 9 طمأن الحكومة السورية الجديدة، حيث أدان الهجمات التي شنتها فلول نظام الأسد على قوات الأمن، ورحب بإنشاء لجنة تحقيق في أحداث الساحل. كما شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على دعم الاتحاد الأوروبي لانتقال سياسي شامل يضمن حقوقًا متساوية لجميع السوريين بغض النظر عن الدين أو العرق أو الأيديولوجيا.
عودة ألمانيا إلى دمشق: بوابة لعودة أوروبية أوسع؟
إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق مباشرة بعد انتهاء أعمال مؤتمر بروكسل يعكس رغبة ألمانيا في اتخاذ موقف واضح تجاه دمشق، ويمهد الطريق أمام عودة دبلوماسية أوروبية أوسع تشمل غالبية دول الاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى أن ألمانيا تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في أوروبا، فإنها تُدرك أن استقرار سوريا سيساهم في تسهيل عودة هؤلاء اللاجئين طوعًا إلى بلادهم، ما قد يُخفف من الضغوط السياسية الداخلية التي استغلها اليمين المتطرف.
التوازن في العلاقات الدولية: دور ألماني في صياغة المشهد السوري الجديد
لا تقتصر تداعيات الخطوة الألمانية على الداخل السوري فقط، بل تمتد إلى المشهد الإقليمي والدولي. فمن جهة، قد تساعد عودة ألمانيا إلى دمشق في موازنة علاقات الحكومة السورية الجديدة مع موسكو وأنقرة، في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية. ومن جهة أخرى، قد تسهم هذه الخطوة في الحد من أي محاولات إيرانية لاستعادة نفوذها في سوريا.
أما فيما يتعلق بالموقف الأمريكي، فإن غموض سياسة واشنطن تجاه دمشق قد يدفع الاتحاد الأوروبي، بقيادة ألمانيا، إلى تبني مسار مستقل كما حدث في بعض القضايا المرتبطة بأوكرانيا. وفي كل الأحوال، تُعتبر إعادة افتتاح السفارة الألمانية مكسبًا دبلوماسيًا يُضاف إلى رصيد الحكومة السورية الجديدة، ويعزز فرص تحقيق استقرار دائم في البلاد بعد سنوات من الحرب والأزمات.