بحث - كيف تُستخدم المنصات الرقمية في تأجيج الانقسامات؟

وكالة أنباء آسيا

2025.03.17 - 01:21
Facebook Share
طباعة

 مقدمة
المنصات الرقمية أصبحت جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، حيث توفر وسائل للتواصل وتبادل المعلومات والتفاعل مع الأحداث العالمية والمحلية. ومع ذلك، فإن تأثيرها لا يقتصر فقط على الجوانب الإيجابية، بل يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًا في تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية.


في كثير من الأحيان، يحدث هذا التأجيج نتيجة خوارزميات الذكاء الاصطناعي المصممة لتعزيز التفاعل، والتي تنحاز إلى المحتوى الأكثر إثارة وردود الفعل العاطفية القوية. وفي أحيان أخرى، تستغل بعض الجهات هذه المنصات بشكل متعمد لنشر معلومات مضللة أو خلق انقسامات بين الفئات المختلفة.


تتجلى هذه الظاهرة في مختلف القضايا، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، حيث يمكن للمنصات الرقمية أن تؤثر على الرأي العام، وتُشعل الصراعات الفكرية، وتعيد تشكيل الهويات الجماعية بطرق غير متوقعة. ولأن تأثير هذه المنصات يتجاوز الحدود الجغرافية، فإن تداعياتها تمتد إلى النواحي الثقافية والاقتصادية والسياسية، ما يجعل من الضروري فهم الأساليب التي تؤدي إلى هذه الانقسامات وكيفية التعامل معها بوعي ومسؤولية.


إليك بعض الأساليب التي تُساهم في ذلك:


أولًا: الخوارزميات وتعزيز الاستقطاب
تلعب الخوارزميات دورًا أساسيًا في تحديد نوعية المحتوى الذي يراه المستخدمون على المنصات الرقمية مثل فيسبوك، يوتيوب، تويتر، وإنستغرام. هذه الخوارزميات مصممة لتقديم تجربة مخصصة لكل مستخدم بناءً على تفاعلاته السابقة، لكنها في الوقت نفسه تساهم في تعزيز الاستقطاب من خلال عدة آليات:


1. خلق "فقاعات المعلومات"
عندما يتفاعل المستخدم مع محتوى معين، تبدأ المنصة في اقتراح محتوى مشابه له، مما يؤدي تدريجيًا إلى عزله عن الآراء والأفكار المختلفة. على سبيل المثال، إذا كان شخص ما يفضل مشاهدة محتوى سياسي معين، فسيستمر في تلقي توصيات لمحتوى يدعم هذا التوجه، مما يجعله أقل عرضة للتفاعل مع وجهات نظر مغايرة.


2. تعزيز "الانحياز التأكيدي"
الانحياز التأكيدي هو ميل الأفراد إلى البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداتهم الحالية وتجاهل أي معلومات تتعارض معها. تعمل الخوارزميات على تعزيز هذا الميل عبر تقديم محتوى متوافق مع اهتمامات المستخدم، مما يجعله أكثر اقتناعًا بأن وجهة نظره هي الوحيدة الصحيحة، بينما تُصور الآراء الأخرى على أنها خاطئة أو متطرفة.


3. الترويج للمحتوى العاطفي والمثير للجدل
تُفضل الخوارزميات المحتوى الذي يولّد تفاعلًا كبيرًا، مثل التعليقات والمشاركات والإعجابات. وغالبًا ما يكون المحتوى الأكثر إثارة للعواطف – خاصة الغضب والخوف – هو الأكثر انتشارًا. على سبيل المثال، الأخبار التي تُظهر تهديدات أو صراعات اجتماعية وسياسية تحصل على اهتمام أكبر من الأخبار المحايدة أو التحليلية. هذا يجعل المنصات الرقمية بيئة خصبة لانتشار السجالات الحادة والانقسامات العميقة بين المستخدمين.


4. تأثير الدوامة المتطرفة (Radicalization Spiral)
مع استمرار المستخدم في استهلاك محتوى معين، قد تأخذه الخوارزميات نحو إصدارات أكثر تطرفًا منه. يحدث هذا بشكل خاص على يوتيوب، حيث يمكن أن يبدأ المستخدم بمشاهدة مقطع فيديو سياسي معتدل، ثم تقترح له الخوارزمية محتوى أكثر تطرفًا تدريجيًا، مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى تبني آراء راديكالية أو حتى الوقوع في شبكات التضليل.


5. تأثير على النقاش العام والديمقراطية
عندما يصبح الأفراد محاصرين في فقاعات المعلومات الخاصة بهم، يصبح الحوار المجتمعي أكثر صعوبة، إذ يتحدث كل طرف بلغة مختلفة ويفسر الحقائق بناءً على مصادره الخاصة. هذا يُضعف قدرة المجتمعات على إيجاد أرضية مشتركة للنقاش، ويؤدي إلى استقطاب سياسي واجتماعي يجعل التفاهم والتعايش أكثر تعقيدًا.


كيف يمكن مواجهة هذا التأثير؟
• تنويع مصادر المعلومات: يجب على الأفراد متابعة منصات ومصادر إعلامية مختلفة لتجنب الوقوع في فقاعة معلومات محدودة.
• التوعية الرقمية: تعزيز الوعي حول كيفية عمل الخوارزميات يمكن أن يساعد المستخدمين على فهم تأثيرها واتخاذ قرارات أكثر وعيًا حول استهلاكهم للمحتوى.
• تعديل سياسات المنصات: على الشركات التقنية العمل على تطوير خوارزميات تشجع على عرض محتوى متوازن يعكس وجهات نظر مختلفة بدلًا من تضخيم الآراء المتطرفة.
• تشجيع النقاش الصحي: من خلال الانخراط في حوارات مفتوحة مع أشخاص يحملون آراء مختلفة، يمكن تقليل تأثير الفقاعات المعلوماتية وكسر العزلة الفكرية.


ثانيًا: التضليل والأخبار الزائفة
في العصر الرقمي، أصبحت الأخبار تنتشر بسرعة غير مسبوقة، لكن هذه السرعة لم تأتِ دائمًا مع الدقة. فقد أصبحت الحسابات المزيفة والجيوش الإلكترونية أدوات قوية لنشر الأخبار المضللة التي تهدف إلى تشويه الحقائق، وإثارة الانقسامات داخل المجتمعات، والتأثير على الرأي العام.


1. كيف يعمل التضليل الرقمي؟
التضليل الرقمي يتخذ أشكالًا متعددة، منها:
• الأخبار الزائفة (Fake News): نشر معلومات كاذبة أو محرفة حول أحداث أو شخصيات أو قضايا سياسية واجتماعية.
• التلاعب بالسياق: استخدام صور أو مقاطع فيديو قديمة أو مقتطعة لتقديمها على أنها مرتبطة بأحداث حالية.
• التزييف العميق (Deepfake): استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو أو صوتيات مزيفة توهم الناس بأنها حقيقية.
• حملات الذباب الإلكتروني والجيوش الرقمية: مجموعات من الحسابات المزيفة أو المؤتمتة (Bots) التي تعمل على تضخيم رواية معينة أو قمع آراء معارضة.


2. من يقف وراء الأخبار المضللة؟
الجهات التي تقف وراء التضليل الرقمي متنوعة، وتشمل:
 جهات سياسية: تستخدم الأخبار المزيفة لتشويه سمعة المعارضين أو التأثير على الانتخابات.
 جهات اقتصادية وإعلامية: تنشر معلومات غير دقيقة بهدف زيادة المشاهدات أو تحقيق مكاسب مالية من الإعلانات.
 حكومات ومنظمات دولية: قد تستخدم هذه الأدوات لزعزعة استقرار دول أخرى أو التأثير على الرأي العام العالمي.


3. تأثير الأخبار المضللة على المجتمعات
• إثارة الفتن والانقسامات: يتم توجيه الأخبار الزائفة لاستهداف جماعات معينة، مما يزيد من حدة التوترات العرقية أو الطائفية أو السياسية.
• تضليل الرأي العام: يؤثر انتشار المعلومات المضللة على قرارات الأفراد، سواء في الانتخابات أو في القضايا الصحية (مثل التضليل حول اللقاحات).
• زعزعة الثقة في الإعلام والمؤسسات: يؤدي تدفق الأخبار الكاذبة إلى فقدان الثقة بالمصادر الإخبارية الحقيقية، مما يخلق حالة من التشكيك في كل ما يُنشر.


4. كيف يمكن مواجهة الأخبار الزائفة؟
• التحقق من المصادر: قبل مشاركة أي خبر، يجب البحث عن مصدره والتأكد من مصداقيته عبر مواقع التحقق مثل Snopes أو FactCheck.org.
• تعزيز الوعي الرقمي: تثقيف الأفراد حول أساليب التضليل وكيفية التعرف على الأخبار الكاذبة.
• تقنيات الذكاء الاصطناعي لمكافحة التضليل: تعمل بعض المنصات على تطوير أدوات لرصد الأخبار المزيفة والتعامل معها.
• تقييد الحسابات المزيفة: يجب على المنصات الرقمية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من نشاط الجيوش الإلكترونية والروبوتات الآلية.
• التضليل الرقمي ليس مجرد مشكلة تقنية، بل هو تحدٍ اجتماعي وثقافي يستدعي استجابة جماعية لحماية الحقيقة وتعزيز الوعي.


ثالثًا: التلاعب بالمشاعر عبر المحتوى العاطفي
تلعب العواطف دورًا كبيرًا في كيفية تفاعل الأفراد مع المحتوى الرقمي، وهذا ما يجعل التلاعب بالمشاعر أحد أكثر الأساليب فعالية في تأجيج الانقسامات. فبدلًا من تقديم معلومات موضوعية ومتوازنة، تُستخدم الصور ومقاطع الفيديو والمقالات بطريقة تحرّف الحقيقة أو تقتطعها من سياقها، بهدف إثارة مشاعر قوية مثل الغضب، الخوف، أو الحزن.


1. كيف يعمل التلاعب بالمشاعر؟
• اقتطاع المحتوى من سياقه: يتم عرض جزء معين من خطاب أو حدث دون الإشارة إلى السياق الكامل، مما يعطي انطباعًا مضللًا.
• استخدام صور وفيديوهات مؤثرة: قد تُستخدم صور أو مقاطع فيديو قديمة أو معدّلة لإيهام الجمهور بأنها حديثة، ما يخلق ردود فعل متسرعة.
• استخدام عناوين مثيرة للجدل (Clickbait): يتم اختيار عناوين صادمة لجذب الانتباه، حتى لو كانت المعلومة في الخبر نفسه غير دقيقة أو محرفة.
• تضخيم القضايا الحساسة: يتم التلاعب بالمواضيع التي تمس العرق، الدين، السياسة، أو الهويات الجماعية لجعلها أكثر استقطابًا، مما يؤدي إلى استثارة الجماهير ضد بعضها البعض.


2. لماذا يتم استهداف العواطف؟
• تحقيق الانتشار السريع: المحتوى العاطفي يُحفّز التفاعل والمشاركة أكثر من المحتوى الموضوعي. فالمستخدمون غالبًا ما يشاركون الأخبار العاطفية قبل التحقق من صحتها.
• التأثير على الرأي العام: يمكن التلاعب بمشاعر الناس لدفعهم إلى اتخاذ مواقف معينة، سواء في السياسة، أو الاقتصاد، أو القضايا الاجتماعية.
• تعزيز الانقسام: عندما يتفاعل الأفراد بناءً على المشاعر بدلًا من الحقائق، يصبح من السهل إثارة النزاعات وتعزيز الخلافات بين المجموعات المختلفة.


3. أمثلة على التلاعب بالمشاعر
• الصور المفبركة في الأزمات السياسية: خلال النزاعات، تُستخدم صور مفبركة أو قديمة تُنسب إلى أحداث جديدة، مما يؤدي إلى تأجيج الغضب الشعبي.
• التحريض الديني والطائفي: يتم نشر محتوى يستهدف الجماعات الدينية المختلفة بطريقة تثير مشاعر الاضطهاد أو الكراهية.
• التلاعب بأخبار الجرائم والمظاهرات: يتم انتقاء قصص إجرامية أو احتجاجات وتصويرها على أنها تهديد لمجموعة معينة، مما يزيد التوتر الاجتماعي.


4. كيف يمكن مواجهة التلاعب العاطفي؟
• التحقق من المحتوى قبل التفاعل معه: البحث عن مصادر متعددة للمعلومات قبل تصديق أي خبر أو مشاركة أي صورة أو فيديو.
• توعية الجمهور بكيفية التلاعب بالمشاعر: فهم الأساليب المستخدمة يمكن أن يساعد الأفراد على التفكير النقدي قبل الانجراف وراء العواطف.
• تشجيع الخطاب الهادئ والمتزن: عدم الانجرار وراء الاستفزازات الإلكترونية والسعي دائمًا لفهم وجهات النظر المختلفة.
• مراقبة المحتوى من قبل المنصات الرقمية: يجب على الشركات التقنية تطوير أدوات تكشف المحتوى المضلل أو المُحرّف والحد من انتشاره.
• التلاعب بالمشاعر هو أحد أقوى الأسلحة في الحرب الرقمية، ومن الضروري أن يكون لدينا وعي كافٍ للتمييز بين المحتوى الحقيقي والمحتوى الذي يهدف فقط لإثارة ردود فعل متطرفة.


رابعًا: تعزيز الانقسامات عبر غرف الصدى (Echo Chambers)
تلعب المنصات الرقمية دورًا رئيسيًا في تشكيل الطريقة التي نستهلك بها المعلومات، ومن بين أبرز الظواهر التي تعمّق الانقسامات هي غرف الصدى (Echo Chambers). تحدث هذه الظاهرة عندما يجد المستخدم نفسه في بيئة رقمية لا يُعرض عليه فيها إلا المحتوى الذي يعزز آراءه الحالية، بينما يتم تجاهل أو إقصاء الآراء المخالفة.


1. كيف تنشأ غرف الصدى؟
غرف الصدى ليست مجرد نتيجة لاختيارات المستخدم، بل تُعززها الخوارزميات التي تدير المنصات الاجتماعية، والتي تعمل على تقديم المحتوى بناءً على تفضيلات المستخدم السابقة. تتشكل هذه الغرف عبر:
• مجموعات النقاش المغلقة: مثل مجموعات فيسبوك، تيليغرام، وواتساب، حيث ينضم المستخدمون إلى مجتمعات تتبنى أفكارهم نفسها، مما يقلل من فرصة التعرض لوجهات نظر أخرى.
• التوصيات الخوارزمية: المنصات مثل يوتيوب وتويتر تقترح للمستخدمين محتوى يتماشى مع آرائهم السابقة، مما يحدّ من تعرضهم لمصادر معلومات متنوعة.
• العزل الذاتي: بعض المستخدمين يتجنبون عمدًا متابعة مصادر إعلامية أو شخصيات ذات آراء مختلفة، مما يؤدي إلى تعزيز قناعاتهم دون تحديها بأفكار جديدة.


2. تأثير غرف الصدى على المجتمع
• تعميق الاستقطاب: عندما يتعرض الأفراد فقط لآراء تدعم مواقفهم، يصبحون أكثر تطرفًا في وجهات نظرهم، مما يؤدي إلى انقسامات أكثر حدة في المجتمع.
• تقليل التفكير النقدي: غياب التنوع في الآراء يجعل الأفراد أقل استعدادًا لتحليل المعلومات بعقلانية، حيث يصبحون أكثر ميلًا إلى تصديق أي شيء يؤكد معتقداتهم.
• عرقلة الحوار الصحي: في بيئات مغلقة، يصبح من الصعب على الأفراد تطوير مهارات الحوار أو محاولة فهم الآخر، مما يؤدي إلى توترات وصراعات بدلاً من النقاش البناء.
• انتشار المعلومات المضللة: عندما يتم تداول الأخبار والمعلومات داخل مجموعات مغلقة دون تحقق أو تمحيص، يصبح من السهل نشر الأخبار الكاذبة وتضخيمها دون أن تخضع للنقد.


3. أمثلة على تأثير غرف الصدى
• الاستقطاب السياسي: في بعض الدول، أصبحت المجتمعات منقسمة رقميًا، حيث يعتمد كل طرف على وسائل إعلام مختلفة ويعتبر الطرف الآخر مضللًا أو غير شرعي.
• الخطاب المتطرف: بعض الجماعات المتشددة تستخدم غرف الصدى لتعزيز أيديولوجياتها والترويج لأفكار متطرفة بعيدًا عن النقاش العام.
• نظريات المؤامرة: ينتشر المحتوى الذي يدعم نظريات المؤامرة بسرعة في المجموعات المغلقة، حيث لا يوجد تفاعل مع مصادر موثوقة لدحض هذه الادعاءات.


4. كيف يمكن كسر غرف الصدى؟
• تنويع مصادر المعلومات: متابعة منصات إعلامية مختلفة والاستماع إلى وجهات نظر متنوعة يساعد في تكوين فهم أعمق وأكثر شمولية.
• تشجيع المنصات على تقديم محتوى متوازن: يجب أن تعمل الشركات التقنية على تطوير خوارزميات تقلل من العزل المعلوماتي وتعزز المحتوى المتنوع.
• التفكير النقدي والتفاعل الواعي: بدلاً من الانغلاق داخل مجموعة فكرية واحدة، يجب أن يكون هناك انفتاح على النقاش مع الآخرين بموضوعية ومن دون تعصب.
• التوعية الرقمية: حملات توعية حول مخاطر غرف الصدى وكيفية التعرف عليها تساعد الأفراد على تجنب الوقوع فيها دون وعي.
• غرف الصدى ليست مجرد مشكلة فردية، بل هي تحدٍّ مجتمعي يؤثر على قدرتنا على التواصل، والتفاهم، واتخاذ قرارات مبنية على الحقائق لا على العواطف. لذلك، فإن كسر هذه العزلة الرقمية ضرورة لبناء مجتمعات أكثر وعيًا وانفتاحًا.


خامسًأ: الحملات المُنظمة والهجمات الرقمية
في العصر الرقمي، أصبحت المنصات الاجتماعية ساحة لحروب إلكترونية تُشنّ عبر حملات منظمة تهدف إلى تشويه السمعة، التنمر، ونشر الكراهية ضد شخصيات أو مجموعات معينة. تلعب هذه الحملات دورًا كبيرًا في تعميق الانقسامات وزيادة التوترات داخل المجتمعات، خاصة عندما تكون مدفوعة بجهات تمتلك أجندات سياسية أو أيديولوجية محددة.


1. كيف تُدار الحملات المنظمة؟
تعمل هذه الحملات بأساليب مدروسة تجعلها تبدو وكأنها ردود فعل طبيعية من الجمهور، لكنها في الواقع تُدار بواسطة فرق متخصصة، وتتم عبر:

• الهجمات الجماعية (Brigading): حيث يتم توجيه عدد كبير من المستخدمين أو الحسابات الوهمية لمهاجمة شخص أو جهة معينة من خلال التعليقات والرسائل السلبية.
• حملات التشويه: نشر أخبار زائفة أو تحريف معلومات بهدف تشويه سمعة شخصية أو مجموعة معينة، وغالبًا ما يتم استغلال قضايا حساسة لتعزيز التأثير.
• التنمر الإلكتروني: استهداف الأفراد بالتهديدات والإهانات والإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف إسكاتهم أو الضغط عليهم نفسيًا.
• التلاعب بالاتجاهات (Hashtag Manipulation): إنشاء أو اختطاف وسوم (هاشتاغات) للترويج لمواقف معينة أو قمع وجهات نظر معارضة.


2. دور الروبوتات (Bots) والجيوش الإلكترونية
تلعب الحسابات الوهمية والروبوتات الآلية دورًا رئيسيًا في تضخيم هذه الحملات، حيث يتم برمجتها لتنفيذ مهام معينة مثل:
- نشر التغريدات والتعليقات تلقائيًا لدعم حملة معينة وإيصالها إلى قائمة الأكثر تداولًا.
- إعادة نشر المحتوى المضلل بهدف جعله يبدو وكأنه يحظى بتأييد واسع.
- الهجوم على الأصوات المعارضة وإغراقها بالردود العدائية لحملها على التراجع.


3. تأثير هذه الحملات على المجتمع
• خلق بيئة رقمية عدائية: تؤدي هذه الهجمات إلى تخويف الأفراد وتقليل المساحة الآمنة للنقاش الحر.
• نشر الخوف والصمت الرقمي: كثيرون يتجنبون التعبير عن آرائهم خوفًا من الاستهداف، مما يقيد حرية الرأي.
• تعزيز الاستقطاب: عندما يتم تضخيم وجهة نظر معينة على حساب أخرى، يشعر الطرف الآخر بأنه مُستبعَد، مما يزيد من الفجوة بين المجموعات المختلفة.
• التأثير على القرارات العامة: عندما يتم خداع الناس للاعتقاد بأن رأيًا معينًا هو الأكثر شيوعًا، قد يتغير موقفهم بناءً على الضغط الاجتماعي، حتى لو كان ذلك الرأي مزيفًا أو غير مدعوم بأدلة حقيقية.


4. كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة؟
• التبليغ عن الحسابات الوهمية: الإبلاغ عن الروبوتات والمحتوى المسيء يساعد في الحد من انتشار الحملات المضللة.
• التأكد من المصادر: عدم تصديق أو مشاركة أي محتوى دون التحقق من مصدره الحقيقي، خاصة إذا كان مثيرًا للجدل.
• الوعي بأساليب التضليل الرقمي: فهم كيف تعمل هذه الحملات يجعل الأفراد أكثر قدرة على تمييزها وعدم الانجرار وراءها.
• دور المنصات الرقمية: يجب أن تتحمل شركات التواصل الاجتماعي مسؤولية تطوير أنظمة أكثر ذكاءً لرصد وإيقاف الحسابات الآلية والحد من حملات التشويه المنظمة.
• الهجمات الرقمية أصبحت أداة قوية في الحروب الإعلامية والسياسية، والتصدي لها يتطلب وعيًا رقميًا عاليًا وسياسات أكثر صرامة لمنع استغلال المنصات في نشر الفوضى والانقسام.


سادسًا: الرقابة والرقابة المضادة: سلاح ذو حدين
تلعب الرقابة الرقمية دورًا كبيرًا في تشكيل الخطاب العام على الإنترنت، لكنها تُثير الكثير من الجدل، حيث يرى البعض أنها ضرورية للحد من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، بينما يعتبرها آخرون قمعًا لحرية التعبير. وبين هذين الرأيين، تؤدي سياسات الحذف والحظر إلى نتائج عكسية أحيانًا، فتُعزز الانقسامات بدلاً من الحدّ منها.


1. كيف تؤدي الرقابة إلى زيادة الاستقطاب؟
عندما تقوم المنصات الرقمية بحذف محتوى أو حظر مستخدمين بناءً على مواقفهم السياسية أو الاجتماعية، تحدث عدة تداعيات:
• تعزيز الشعور بالاضطهاد: يشعر الأفراد أو الجماعات المستهدفة بأنهم ضحايا للقمع الرقمي، مما يزيد من إحساسهم بالعزلة ويعزز راديكاليتهم.
• اللجوء إلى منصات بديلة أكثر تطرفًا: عند حظر المستخدمين أو تقييد وصولهم، ينتقلون إلى منصات غير خاضعة للرقابة (مثل تيليغرام أو مواقع الويب المظلمة)، حيث تنتشر الأفكار المتطرفة دون قيود.
• التشكيك في مصداقية المنصات: يؤدي الاستخدام غير المتوازن للرقابة إلى فقدان الثقة في وسائل التواصل الاجتماعي، ويزيد من انتشار نظريات المؤامرة حول "التحكم في المعلومات".
• استغلال الرقابة لأغراض سياسية: بعض الحكومات أو الجهات الفاعلة تستخدم قوانين الرقابة لحجب الأصوات المعارضة وتصفية المحتوى الذي لا يتماشى مع مصالحها.


2. مخاطر غياب الرقابة تمامًا
في المقابل، السماح بنشر أي محتوى دون قيود يمكن أن يؤدي إلى مشاكل خطيرة مثل:
• انتشار خطاب الكراهية: عند غياب الرقابة، تصبح المنصات بيئة خصبة لنشر العنصرية، التمييز، والدعوات للعنف.
• تعزيز التضليل والمعلومات المزيفة: السماح للأخبار الكاذبة بالانتشار دون تدقيق قد يؤدي إلى تضليل الرأي العام، والتأثير على القرارات السياسية والاجتماعية.
• تأجيج النزاعات العرقية والدينية: يمكن أن تتحول النقاشات إلى معارك كلامية تؤدي إلى زيادة التوترات في الواقع، خاصة عندما يتم استغلال الأحداث الحساسة.


3. التوازن المطلوب: كيف يمكن إدارة الرقابة بإنصاف؟
• الشفافية في سياسات الحذف: يجب أن تكون معايير حذف المحتوى واضحة وعادلة، ولا تستهدف فئات معينة على حساب أخرى.
• الاعتماد على الذكاء الاصطناعي مع إشراف بشري: يمكن استخدام الخوارزميات لرصد المحتوى المخالف، لكن يجب أن يكون هناك إشراف بشري لمنع القرارات الظالمة.
• تشجيع حرية التعبير مع وضع حدود واضحة: يجب أن تحترم الرقابة مبدأ حرية الرأي، مع فرض قيود على التحريض على العنف أو نشر المعلومات المضللة الخطيرة.
• إعطاء المستخدمين حق الطعن في القرارات: توفير آلية عادلة لمراجعة قرارات الحذف أو الحظر يمنع الشعور بالاضطهاد ويساهم في بناء بيئة أكثر عدلًا.


4. أمثلة على تأثير الرقابة والرقابة المضادة
• حظر بعض الشخصيات المؤثرة: أدى حظر شخصيات سياسية وإعلامية من منصات مثل تويتر وفيسبوك إلى اتهام الشركات بالتحيز السياسي.
• الرقابة في الأنظمة الاستبدادية: بعض الدول تستخدم قوانين مكافحة الأخبار الكاذبة كذريعة لإسكات المعارضة.
• إغلاق مجموعات التطرف: في بعض الحالات، أدى حذف مجموعات معينة إلى انتقالها إلى منصات أخرى أكثر سرية، حيث أصبحت أكثر تطرفًا وخطورة.
• الرقابة ضرورية أحيانًا، لكنها تحتاج إلى توازن دقيق حتى لا تتحول إلى أداة للقمع أو وسيلة لتعزيز الاستقطاب. يجب أن يكون الهدف هو خلق بيئة رقمية تحترم حرية التعبير، مع ضمان عدم استغلال هذه الحرية لنشر الكراهية والتضليل.


كيف يمكن الحد من تأثير هذه الظاهرة؟
مع تزايد دور المنصات الرقمية في تشكيل الرأي العام وتأجيج الانقسامات، يصبح من الضروري البحث عن حلول فعّالة للحد من تأثيرها السلبي. يتطلب ذلك جهودًا مشتركة من الأفراد، المنصات التقنية، والحكومات، لتحقيق توازن بين حرية التعبير وحماية المجتمع من التضليل والاستقطاب.


1. تعزيز الوعي الرقمي
أحد أهم الخطوات لمواجهة هذه الظاهرة هو تمكين الأفراد من التفكير النقدي عند استهلاك المعلومات، وذلك من خلال:
• التحقق من المصادر: قبل تصديق أو مشاركة أي خبر، يجب البحث عن مصدره الأصلي، والتأكد من مصداقيته عبر منصات التحقق من الأخبار.
• التدريب على كشف التضليل: نشر ثقافة التحقق من الأخبار من خلال ورش عمل ومبادرات توعوية تساعد المستخدمين على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة.
• عدم الانجراف وراء العناوين العاطفية: الكثير من المحتوى المضلل يعتمد على العناوين الصادمة أو العاطفية لجذب الانتباه، لذا يجب التعامل بحذر مع هذه النوعية من الأخبار.


2. تنويع مصادر المعلومات
للتغلب على تأثير غرف الصدى وفقاعات المعلومات، يُنصح المستخدمون بتوسيع نطاق مصادرهم الإعلامية:
• متابعة وسائل إعلام متنوعة: بدلاً من الاعتماد على مصدر واحد، يُفضَّل الاطلاع على الأخبار من جهات إعلامية متعددة ذات توجهات مختلفة.
• الانفتاح على وجهات نظر مختلفة: قراءة وتحليل الآراء المخالفة يساعد في تكوين فهم أعمق للقضايا المختلفة، ويقلل من التعصب الفكري.
• التفاعل مع محتوى متنوع: الانخراط في نقاشات متعددة الاتجاهات بدلاً من البقاء داخل مجموعات مغلقة.


3. تشجيع المنصات على تعديل الخوارزميات
تتحمل الشركات التقنية مسؤولية كبيرة في الحد من تأثير الاستقطاب، ويمكن تحقيق ذلك عبر:
• تقليل تحفيز المحتوى المثير للانفعالات: ضبط الخوارزميات بحيث لا تُفضّل المحتوى العاطفي أو الجدلي بشكل مفرط، والتركيز على المحتوى المتوازن والمفيد.
• زيادة الشفافية في التوصيات: توضيح كيفية عمل الخوارزميات، والسماح للمستخدمين بتخصيص نوعية المحتوى الذي يرغبون في مشاهدته.
• تطوير أنظمة اكتشاف التضليل: استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد الأخبار الزائفة والتأكد من صحة المعلومات المتداولة.


4. تنظيم المحتوى دون تقييد الحريات
يجب وضع سياسات واضحة لحماية المستخدمين من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية دون المساس بحرية التعبير، من خلال:
• اعتماد معايير عادلة وشفافة لحذف المحتوى: يجب أن تكون سياسات الإزالة واضحة ومتوازنة حتى لا يتم استخدامها كأداة للقمع أو التحيز.
• توفير آليات للطعن والمراجعة: يجب أن يكون هناك نظام لمراجعة قرارات حذف المحتوى أو حظر الحسابات لضمان العدالة.
• تعزيز دور الجهات المستقلة في التحقق من الأخبار: دعم المبادرات المستقلة التي تعمل على رصد الأخبار الكاذبة وتصحيحها.


خاتمة
الحد من تأثير المنصات الرقمية في تأجيج الانقسامات ليس مهمة سهلة، لكنه ضروري لحماية المجتمعات من التوترات والانقسامات غير المبررة. من خلال الوعي الرقمي، تنويع مصادر المعلومات، إصلاح الخوارزميات، ووضع سياسات عادلة لتنظيم المحتوى، يمكننا خلق بيئة رقمية أكثر صحة وتوازنًا.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 10