مقدمة
تُعرض القيم الأميركية في وسائل الإعلام بشكل مفرط، مليء بالتفاؤل والتمجيد، حيث تُصوّر الأمة الأميركية كرمز للحرية والمساواة وحقوق الإنسان، مع تأكيدها على نبذ العنف والكراهية والتعصب. تتباهى الولايات المتحدة دوماً بتقديم نفسها كنموذج للحرية وحقوق الإنسان، وهي قِيَم مُتَجَذِّرة في الخطاب السياسي والاجتماعي الأميركي. ولكن رغم هذا الترويج الواسع، فإن تطبيق هذه القيم على أرض الواقع يتطلب نظرة نقدية أعمق. الاستثنائية الأميركية – هذا المفهوم الذي يؤمن بأن أميركا هي أمة متميزة تفوق غيرها من الأمم – يبدو وكأنه مدخل لفهم تفرد الولايات المتحدة على الساحة العالمية.
ومع ذلك، في ظل تزايد الطموحات الأميركية في فرض قيم الديمقراطية، نجد أن هذه "الاستثنائية" لا تدعمها الحقائق التاريخية، حيث تُحذّر أستاذة التاريخ الأميركي، تسيانينا لوماويما، من أن "الاستثنائية الأميركية" ليست سوى اعتقاد نظري لا يمكن أن يكون متسقاً مع التاريح الفعلي للبلاد، بل هو اعتقاد يعارض ما يراه الكثيرون كحقائق دامغة حول خلفية تأسيس هذه الأمة.
ولكن ماذا عن تاريخ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية؟ كيف تم بناء هذه الأمة على حساب الشعوب الأصلية التي كانت تسكن هذه الأراضي منذ آلاف السنين؟ هل كان حلم الحرية والعدالة والمساواة يعنى فقط للمستوطنين الأوروبيين أم أن تلك القيم قد تمّ انتهاكها بشكل مروع بحق السكان الأصليين؟ هذه الأسئلة تفتح الباب للبحث في أسس هذا البناء الاستعماري، الذي تشوّهت فيه الحقيقة وتغطّت جرائمه تحت مظلة الحضارة والديمقراطية.
الهنود الحمر.. أصل التسمية
تعود تسمية "الهنود الحمر" إلى حادثة تاريخية غريبة ناتجة عن خطأ جغرافي ارتكبه كريستوفر كولومبوس في عام 1492، فقد كان هدفه الأصلي الوصول إلى الهند في قارة آسيا، ولكن بسبب خطأ في تحديد الاتجاهات والمسارات، وصل كولومبوس إلى ما يُعرف الآن بالقارة الأميركية، وعندما التقى بالسكان الأصليين لتلك الأرض، ظن أنهم سكان الهند في القارة الآسيوية، فأطلق عليهم لفظ "الهنود"، كان هذا الخطأ ناجمًا عن عدم معرفة كولومبوس بموقعه الجغرافي الحقيقي، حيث كان يعتقد أنه قد وصل إلى الأراضي الآسيوية.
ورغم أن كولومبوس اكتشف لاحقًا أنه لم يكن في الهند، استمرت التسمية نفسها، ولكن مع إضافة وصف "الحمر" للسكان الأصليين بسبب لون بشرتهم الذي كان يميل إلى الحمرة، وهو ما كان مختلفًا عن بشرة سكان الهند الآسيوية الذين كانوا يتميزون بلون البشرة الداكن،هذه التسمية التي أصبحت شائعة في أوروبا تحمل في طياتها تهميشًا للسكان الأصليين للأميركتين، إذ لم تُعتبر تسميتهم جزءًا من هويتهم الثقافية أو التاريخية، بل تم تعريفهم وفقًا للخطأ الذي وقع فيه كولومبوس.
علاوة على ذلك، فإن استخدام هذه التسمية يعكس نظرة استعمارية محورية في التاريخ الغربي. فالأوروبيون لم يكتفوا فقط باكتشاف الأراضي الجديدة، بل سعى المستعمرون إلى إعادة تعريف السكان الأصليين وفقًا لرؤيتهم الاستعمارية، مما أدى إلى تجريدهم من هويتهم الأصلية ومن مكانتهم في التاريخ. هذه التسمية، وما تحمله من دلالات، ليست مجرد مصادفة، بل جزء من سياق استعمار واسع هدف إلى تثبيت فكرة التفوق الأوروبي على الشعوب التي كانوا يواجهونها في القارات الجديدة.
التسمية تُظهر كيف أن الأوروبيين تعاملوا مع السكان الأصليين كـ"آخر"، محاطين بغموض وكأنهم جزء من عالم غير معروف، وهي صورة كانت تُستخدم لتبرير الاستعمار والعنف الذي تعرض له هؤلاء السكان. حتى أن الفهم الغربي للسكان الأصليين لم يتعدَّ هذه التسمية السطحية، بل استمر في تقليل شأنهم إلى مجرد "هنود"، وهو اختصار كان يفتقر إلى التعرف على تنوعهم الثقافي والشعبي، بل يُرَوّج لفكرة أنهم جزء من "مجهول" يستحق الاستعمار.
النظرة الأوروبية تجاه الهنود الحمر
عندما وصل الأوروبيون إلى الأراضي الأميركية، كانت نظرتهم إلى السكان الأصليين مليئة بالتشكيك والاستعلاء، حيث اعتبروا الهنود الحمر أقل شأناً وأقل تطوراً من أنفسهم. هذه النظرة العرقية والطبقية كانت جوهرية في تشكيل التصور الأوروبي عن "الآخر" الذي لا ينتمي إلى الثقافة الأوروبية. وكان هذا التصور جزءًا أساسيًا من السرد الاستعماري الذي سعى إلى تبرير الهيمنة الأوروبية على الأراضي والشعوب الأصلية. في تلك الحقبة، كان التصور السائد أن الشعوب الأصلية كانت متخلفة بدائيًا وغير قادرة على إدارة أرضها وحياتها، مما فتح الطريق لاستعمارها وتدمير ثقافاتها.
في الأدبيات الأوروبية التي ظهرت في ذلك الوقت، تم تصوير الهنود الحمر ككائنات وحشية وغير عقلانية. وبالاستناد إلى هذه النظرة، انتشرت أساطير عن الهنود الحمر تتسم بالغموض والوحشية، حتى وصلت إلى حد القول إنهم كانوا يأكلون بعضهم البعض. هذا النوع من القصص المبالغ فيها كان يهدف إلى تعزيز الفكرة بأن الهنود كانوا مجرد "وحوش" غير قادرين على العيش بسلام أو بناء حضارة، وهو ما جعل استغلالهم وتدميرهم مقبولًا في نظر الكثير من الأوروبيين. على سبيل المثال، في عام 1511، نشر أحد الكتب الإنجليزية أولى الكتابات التي وصفت الهنود الحمر بأنهم "وحوش لا تفكر ولا تشعر، وكانوا يأكلون زوجاتهم وأبناءهم"، وهو وصف يشير إلى مدى القسوة في النظرة الأوروبية تجاههم.
إلى جانب ذلك، كانت هناك تبريرات دينية لهذا الاستعلاء، حيث اعتبر العديد من المهاجرين البيوريتانيين أن مهمتهم التوراتية هي "تطهير الأرض من الهمج". بالنسبة لهم، كانت الأرض التي وصلوا إليها هي "أرض الميعاد" التي كانوا يعتقدون أنهم مختارون لامتلاكها، وأي محاولة لفرض الهنود الحمر عليها كانت تُعتبر بمثابة "تنظيف" من هم في نظرهم غير مستحقين للعيش فيها. هذه الأفكار كانت تتمحور حول تفسير ديني خرافي يعزز تصور الأوروبيين لأنفسهم كأمة متفوقة تمتلك "تفويضًا إلهيًا" للقضاء على "الهمج" و"إعادة بناء" الأرض.
وفي هذا السياق، تجسد هذه النظرة الاستعمارية بوضوح في العديد من أعمال الفن الاستعماري، حيث كانت تُصوَّر الهنود الحمر على أنهم عوالم همجية وتخلف، في مقابل الفتاة الأوروبية المتقدمة التي تمثل "التقدم" الأوروبي والتكنولوجيا والعلم. الفنان البروسي جون جاست، على سبيل المثال، رسم لوحة في عام 1872 تظهر فتاة أوروبية شقراء تحمل في يدها كتابًا يرمز إلى العلم والتقدم التكنولوجي، بينما كانت تسير نحو الهنود الحمر الهاربين في الخلفية. كان هذا الرسم يحمل رسالة أيديولوجية تسعى إلى تصوير "التقدم" الأوروبي باعتباره الحل الوحيد لتخلف الهنود الحمر، بينما يعتبرون أنفسهم حماة "النور" في مواجهة "الظلام" البدائي الذي كان يعيشه السكان الأصليون.
هذه الصورة المهيمنة على الهنود الحمر ككائنات "متخلفة" و"همجية" لا تُعتبر مجرد وصف تاريخي، بل هي جزء من آلية استعمارية لتبرير المجازر التي ارتُكبت ضد هؤلاء السكان. من خلال الترويج لهذا التصور السلبي والمغلوط، استطاع الأوروبيون إخفاء حقيقة جرائمهم الاستعمارية وتعليلها في سياق "الإنقاذ" و"التقدم".
الإبادة الجماعية للسكان الأصليين
منذ وصول الأوروبيين إلى أميركا في أواخر القرن الخامس عشر، بدأت عملية إبادة ممنهجة للسكان الأصليين التي استمرت قرونًا طويلة. كانت الإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر واحدة من أبشع جرائم التاريخ الاستعماري، وتنوعت الأسباب والعوامل التي ساعدت في تقليص أعدادهم بشكل كارثي. تقديرات عدد السكان الأصليين في أميركا الشمالية قبل وصول الأوروبيين تتراوح بين 10 إلى 100 مليون نسمة، بينما يقدر أن تعداد الهنود الحمر في أميركا الشمالية وحدها كان يبلغ حوالي 15 مليون نسمة. لكن مع مرور الوقت، تعرض هؤلاء السكان إلى عمليات استئصال متتالية، كان من أبرزها الحروب التي شنها المستعمرون، وتفشي الأمراض المعدية التي جلبوها معهم، بالإضافة إلى المجاعات التي كانت نتيجة مباشرة للتدمير الذي لحق بموارد الأرض.
كان التأثير الأكثر تدميرًا على السكان الأصليين يأتي من الأمراض مثل الجدري والحصبة، وهي أمراض غير مألوفة لدى السكان المحليين، فتسببت في مقتل ملايين منهم قبل أن يتمكنوا من مقاومة هذه الأوبئة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحروب والمجازر الجماعية أحد الأساليب الأساسية التي استخدمها المستعمرون في تنفيذ سياسة الإبادة. فمنذ وصول المستعمرين الإنجليز والفرنسيين إلى القارة، بدأت الحروب الدموية ضد الهنود الحمر، وتنوعت أساليب القتل التي تراوحت بين المعارك الدموية الوحشية والقتل الجماعي العشوائي، وصولًا إلى قطع رؤوس النساء والأطفال دون تمييز.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، تراجعت أعداد الهنود الحمر بشكل غير مسبوق، حيث وصل تعدادهم إلى نحو 238,000 شخص فقط، أي أن نحو 95% من السكان الأصليين في أميركا الشمالية قد تم القضاء عليهم خلال هذه الفترة. هذا الرقم يعكس فداحة الإبادة التي تعرضوا لها، والتي لم تكن مجرد نتيجة للحروب أو التوسع الاستعماري العشوائي، بل كانت سياسة مقصودة تهدف إلى إفراغ الأراضي من سكانها الأصليين لصالح القوى الاستعمارية التي كانت تسعى للسيطرة على الأرض ومواردها الطبيعية.
وقد أشار الباحث كلاوس كونور إلى أن الإنجليز كانوا من أكثر القوى الاستعمارية ممارسة للإبادات الجماعية، حيث كانت لديهم خطط استراتيجية تهدف إلى إخلاء الأراضي من سكانها الأصليين واستخراج ثرواتها الطبيعية. هذا النوع من الاستعمار "التطهير العرقي" كان جزءًا من استراتيجية أكبر للهيمنة على القارة الأمريكية، حيث كان الهدف الأساسي هو تحويل الأراضي الأصلية إلى مستعمرات استيطانية بحتة لصالح الأوروبيين. وكانت هذه الإبادات تمارس بدم بارد، حيث اعتُبرت الشعوب الأصلية في نظر المستعمرين مجرد عوائق أمام تقدم "المدنية" الأوروبية.
إن إبادة الهنود الحمر تُعتبر واحدة من أكبر الفظائع الاستعمارية التي لم تُسلَّط عليها الأضواء بشكل كافٍ في التاريخ الأمريكي. ورغم أن الولايات المتحدة الحديثة تحتفل بالقيم الإنسانية مثل الحرية والمساواة، فإن التاريخ الاستعماري الأميركي كان مليئًا بالمجازر والإبادة التي تعرض لها الهنود الحمر. وهذه الحقائق، رغم تهميشها في المناهج الدراسية والإعلام الأميركي، تشكل جزءًا أساسيًا من تاريخ تأسيس الدولة الأميركية.
تجاهل التاريخ والمجازر في الثقافة الأميركية
عندما يُذكر مصطلح "الإبادة الجماعية" في السياق الأمريكي، يعتقد الكثيرون أن المقصود هو مذابح الهولوكوست أو الجرائم المرتكبة في مناطق أخرى مثل البوسنة أو رواندا. هذه الصورة النمطية التي يتم التركيز عليها في المناهج الدراسية الأميركية تأتي على حساب تذكر الجرائم الاستعمارية التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد الهنود الحمر. على الرغم من أن مذبحة الهنود الحمر تُعد من أكبر وأبشع عمليات الإبادة الجماعية في التاريخ، إلا أن هذه الحقيقة يتم تهميشها بشكل متعمد في العديد من المناهج التعليمية، بل وتظل غائبة عن الوعي الجماعي الأميركي لفترات طويلة.
في عام 2012، اتخذ مجلس التعليم الأميركي قرارًا بإضافة موضوع المذابح التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد الهنود الحمر إلى المناهج الدراسية، ومع ذلك، قوبل هذا القرار برفض واسع من قطاعات كبيرة في المجتمع الأميركي، حيث اعتبرت هذه الفئات أن تسليط الضوء على هذا الجانب المظلم من التاريخ يُعد تحريفًا للواقع الأميركي، وأنه يمس صورة الأمة المثالية التي تروج لها وسائل الإعلام. تصاعدت الاحتجاجات ضد القرار إلى حد أن اللجنة الوطنية الجمهورية دعت الكونغرس إلى التحقيق في ما وصفته بـ"التفسير الخاطئ" للأحداث التاريخية، معتبرة أن هذه الإضافات تُشكل تهديدًا للهوية التاريخية الأميركية وتؤثر سلبًا على مبررات توسع الولايات المتحدة واستثنائيتها.
أما في مجال الإعلام، فتستمر وسائل الإعلام الغربية في تصوير الهنود الحمر بطريقة سلبية لا تبتعد عن الصور الاستعمارية القديمة. في العديد من الأفلام والبرامج الموجهة للأطفال، لا تزال الهنود الحمر يُصوَّرون على أنهم شعوب بدائية أو حتى همجية، غالبًا في سياقات درامية لا تقترب من الواقع التاريخي بل تدور حول خرافات وقصص مبتذلة. هذه التصويرات تسهم في تجريدهم من إنسانيتهم، وتستمر في تقديمهم ككائنات غير قادرة على التفكير أو التصرف مثل باقي البشر.
كما أشار المخرج الأميركي ستيفان فيراكا، فإن الهنود في الأفلام الأميركية لا يُعتبرون بشرًا كما يظهرون في الصور الشعبية التي خلقتها هوليوود. ورغم مرور مئات السنين على تدمير ثقافتهم ووجودهم، إلا أن الهنود الحمر لا يزالون يُصوَّرون في السينما والتلفزيون بأسلوب قديم يعود إلى العقود الأولى من الاستعمار، حيث يظهرون على أنهم "شخصيات غير متطورة" أو "بدائية". هذا الاستمرار في تصويرهم بهذا الشكل يساهم في تقليل فهم الجمهور الأميركي للواقع التاريخي، ويُضعف أي محاولة للاعتراف بجرائم الإبادة التي تعرض لها السكان الأصليون.
إضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الصورة النمطية عن الهنود الحمر جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى الحفاظ على سيطرة الثقافة الأميركية على الذاكرة التاريخية. عندما يتم إبعاد المذابح ضد الهنود الحمر عن الوعي الجماعي، يتسنى للنظام السياسي والإعلامي الأميركي الحفاظ على صورة الأمة التي قامت على قيم العدالة والحرية، بعيدًا عن الاعتراف بالمذابح والجرائم التي ارتكبتها ضد الشعوب الأصلية. وفي هذه الثقافة، يتم تصوير الانتهاكات التاريخية على أنها "سوء فهم" أو "أخطاء" غير مقصودة، مما يسمح للولايات المتحدة بتقديم نفسها على أنها دولة ديمقراطية تجسد المبادئ الإنسانية، دون أن تضع في حسبانها الجروح العميقة التي سببتها هذه الانتهاكات لشعوب الهنود الحمر.
إذا استمر هذا التجاهل في الوعي الأميركي، فإنه لا يمنح فرصة حقيقية لإصلاح الأضرار التاريخية التي لحقت بالهنود الحمر. هذه المسألة تتطلب تصحيحًا جذريًا، حيث يجب أن تُدرج مجازر الهنود الحمر كمجزرة جماعية حقيقية في المناهج الدراسية الأميركية، ويجب أن يُنظر إلى هذه الفظائع بشكل نقدي لتوضيح كيف أن القيم الأميركية الحالية قد نشأت على أنقاض حقوق الشعوب الأصلية.
خاتمة
تأسست الولايات المتحدة على مبادئ من العنف والدماء، حيث كان التوسع الاستعماري يُبنى على تدمير شعوب بأكملها، وكان الهنود الحمر ضحايا هذه السياسات الممنهجة التي تهدف إلى تهميشهم، إبادتهم، واستعمار أراضيهم. ورغم الادعاءات التي تروج لها الولايات المتحدة حول الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، إلا أن التاريخ يكشف عن حقيقة مغايرة، إذ تم ارتكاب أفظع الجرائم في حق السكان الأصليين لتحقيق مصالح القوى الاستعمارية. هذه الحقائق المظلمة التي تتجاهلها الثقافة الأميركية تُعتبر جزءًا من الذاكرة التاريخية التي يجب أن تُعَاد صياغتها وفهمها بشكل نقدي.
عندما نمد هذه المقارنات إلى الأحداث الجارية اليوم في فلسطين، نلاحظ التشابه الكبير بين الممارسات الاستعمارية الأميركية ضد الهنود الحمر والممارسات التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. في كلا الحالتين، يتم استخدام القوة العسكرية والتوسعية لتفريغ الأرض من سكانها الأصليين واستبدالهم، مع تبريرات تُستند إلى أسس استعمارية عن "الاستثنائية" أو "الحق التاريخي" في السيطرة. هذا التشابه بين التاريخ الأميركي الحالي والممارسات التي تجري في فلسطين يُظهر كيف أن سياسات التوسع والسيطرة، حتى وإن بدت مختلفة في السياقات الجغرافية والسياسية، تتقاسم نفس الأسس الفلسفية التي تروج لها القوى الاستعمارية لتبرير إراقة الدماء والتهجير الجماعي.
وبالتالي، يصبح من الضروري أن نتعامل مع هذا التاريخ بشكل أعمق ونقدي، إذ إن تجاهل حقائق الماضي لا يعني سوى استمرار الممارسات نفسها في الحاضر. إن الوعي بما حدث في الماضي، وخاصة تجاهل المجازر ضد الهنود الحمر، قد يساعد على بناء أساس أقوى للعدالة والمصالحة اليوم، سواء في الولايات المتحدة أو في مناطق أخرى تحت الاحتلال والاستعمار.