تواجه قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضغوطًا متعددة من حليفتها الرئيسة، الولايات المتحدة الأمريكية، في وقت حساس من تاريخ النزاع السوري. بعد إعلان واشنطن خطة للانسحاب من سوريا، ووقف الدعم الخارجي الذي كان يصل إلى العديد من البرامج الإنسانية والإغاثية في مناطق قسد، وجدت الأخيرة نفسها أمام تحديات غير مسبوقة.
خطة أمريكية لوقف الدعم وتأثيرها على قسد
في خطوة مفاجئة، قررت الولايات المتحدة الأمريكية في 24 كانون الثاني 2025، تعليق معظم منح المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا. هذه الخطوة شملت وقف التمويل الذي كان مخصصًا للمنظمات العاملة في مناطق سيطرة قسد، والتي تقدم خدمات متنوعة في مجالات الصحة والتعليم والإغاثة الإنسانية، بما في ذلك مساعدات للمخيمات التي تأوي عشرات الآلاف من النازحين.
ورغم أن هذا الإجراء لم يستهدف قسد بشكل مباشر، إلا أن تداعياته كانت سريعة، إذ شملت مناطق أخرى في سوريا، مثل حلب وإدلب، حيث توقفت المساعدات على النازحين في تلك المناطق، وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد عبرت عن قلقها الشديد من تأثير تعليق هذه المساعدات على مخيمي "الهول" و"روج"، معتبرة أن هذا سيساهم في تفاقم الظروف المعيشية للسكان ويزيد من حالة الانعدام الأمني في المنطقة.
المفاوضات بين قسد وحكومة دمشق: هل تحقق قسد مكاسب؟
بالإضافة إلى الضغط الأمريكي، تخوض قسد مفاوضات مستمرة مع حكومة دمشق، تمثل المفاوضات فرصة كبيرة لقسد لتأكيد مطالبها والحفاظ على مصالحها الأمنية والاقتصادية. لكن، لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق حاسم بين الطرفين، إذ إن العديد من الملفات العالقة، مثل السيطرة على الثروات النفطية، والحدود مع العراق، إضافة إلى قضية المعابر، ما زالت تمثل نقاط خلافية كبيرة.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر داخل قسد أن المفاوضات لم تكن سهلة، إذ تسعى دمشق للضغط على قسد لتسليم العديد من الملفات السيادية، وعلى رأسها النفط والحدود، وهي مطالب تعتبرها دمشق ضرورية لاستعادة السيطرة الكاملة على سوريا. من جهتها، تمتلك قسد أوراقًا قوية مثل المخيمات التي تحتجز عائلات تنظيم الدولة، وأيضًا وجود القوات الأمريكية في المنطقة، وهو ما تعتبره قسد عنصر دعم قويًا لموقفها في المفاوضات.
الضغط الدولي والإقليمي: تأثير المساعدات والمعابر
خلال الفترة الأخيرة، أصبحت قضية المساعدات الدولية والإقليمية عنصرا مهمًا في استراتيجيات قسد وحكومة دمشق، مع وقف الولايات المتحدة للمساعدات، بدأت قسد تبحث عن طرق لتعويض النقص في الموارد، وفي الوقت نفسه، بدأت دمشق تنشط في مفاوضاتها مع العديد من الأطراف، مثل الأمم المتحدة والعراق، لتسريع عودة النازحين من المخيمات إلى مناطقهم الأصلية.
وتعد قضية المعابر الحدودية مع إقليم كردستان العراق من بين القضايا الحساسة في المفاوضات، فمعبر "سيمالكا"، الذي يعتبر من أبرز المعابر النشطة بين سوريا وكردستان، هو أحد النقاط التي قد تكون جزءًا من اتفاقات انتقالية بين قسد وحكومة دمشق، فقد أشار الباحثون إلى أن معبر سيمالكا قد يتحول إلى إدارة تشاركية بين الطرفين في المستقبل القريب.
المخيمات: ورقة ضغط خاسرة لقسد؟
أحد أكبر التحديات التي تواجه قسد اليوم هو فقدانها لورقة المخيمات، التي كانت تمثل أحد عناصر قوتها في المفاوضات الدولية، فقد كانت قسد تستغل وجود الآلاف من أفراد عائلات مقاتلي تنظيم الدولة في مخيمي "الهول" و"روج" للضغط على المجتمع الدولي من أجل الحصول على الدعم المالي والسياسي. لكن مع بدء عملية تفريغ هذه المخيمات، وتزامن ذلك مع توقف الدعم الأمريكي، فإن قسد قد تكون في وضع صعب للغاية.
بحسب الباحث سامر الأحمد، فإن إفراغ المخيمات بشكل تدريجي سيعني فقدان قسد لإحدى أهم أوراقها في الضغط على المجتمع الدولي. كما أشار إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى تقليص الحاجة الفعلية لبقاء قسد في مناطقها الحالية، حيث سيتم التعامل مع قضايا الإرهاب والمعتقلين بشكل أساسي من قبل حكومة دمشق.
سحب القوات الأمريكية: تحدي آخر لقسد
النقطة الأبرز في الضغوط التي تتعرض لها قسد هي احتمالية سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا. فرغم أن قسد أكدت أنها لم تتلقَ أي خطط رسمية بهذا الصدد، فإن التقارير الواردة من المسؤولين الأمريكيين تشير إلى أن الولايات المتحدة بصدد تقليص وجودها العسكري في المنطقة. هذا التحول قد يؤثر بشكل كبير على قدرة قسد في مواجهة التحديات العسكرية والاقتصادية التي قد تطرأ نتيجة الانسحاب الأمريكي.
ويرى الباحث بدر ملا رشيد أن أي انسحاب أمريكي من المنطقة قد يكون له تأثير كبير على الوضع الأمني في شمال سوريا، حيث ستجد قسد نفسها مضطرة للتعامل مع التحديات بمفردها أو عبر التفاوض مع دمشق. كما أشار إلى أن هذا الانسحاب قد يساهم في إعادة تشكيل التحالفات في المنطقة ويؤدي إلى مزيد من الضغوط على قسد لتقديم تنازلات سياسية.
التوترات مع تركيا: تهديدات مستمرة
إضافة إلى التحديات الداخلية والدولية التي تواجه قسد، تظل التوترات مع تركيا حاضرة بقوة في المشهد، فقد لوحت تركيا مرارًا بأنها قد تشن عمليات عسكرية ضد قسد في مناطق معينة على الحدود السورية-التركية. في الوقت نفسه، يواصل الجيش التركي القيام بعمليات عسكرية ضد قسد في مناطق مختلفة من شمال سوريا. ويعتبر هذا التهديد العسكري التركي أحد العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار مناطق سيطرة قسد، وتجعلها أكثر حرصًا على التوصل إلى تسوية مع حكومة دمشق.
أفق الحل العسكري: صعوبة في التصعيد المباشر
من ناحية أخرى، يستبعد العديد من المحللين العسكريين حدوث تصعيد عسكري مباشر من قبل حكومة دمشق ضد قسد في المرحلة الحالية. وبحسب الباحث سامر الأحمد، لا يبدو أن الحكومة السورية ستلجأ إلى العمليات العسكرية ضد قسد في الوقت الراهن، بالنظر إلى التوازنات الإقليمية والدولية المحيطة بسوريا، والتي تجعل أي تحرك عسكري يحمل تبعات كبيرة على الجميع.
هل ستنجح قسد في البقاء على قيد الحياة؟
في ظل هذه التحديات المتزايدة، يبقى السؤال الأبرز هو: هل تستطيع قسد الحفاظ على وجودها في شمال شرقي سوريا؟ رغم الضغوط العسكرية والاقتصادية التي تواجهها، تظل قسد قوة مؤثرة في المنطقة، وقدرتها على التفاوض قد تضمن لها بعض المكاسب في المستقبل. ومع تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية، سيكون من الصعب على قسد التكيف مع هذه الظروف دون تقديم مزيد من التنازلات. الأيام المقبلة قد تكون حاسمة في تحديد مصير قسد ومدى قدرتها على التكيف مع التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة.