المقدمة
تُعد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) واحدة من أبرز الفصائل العسكرية العاملة في سوريا، وقد برزت كلاعب رئيسي في الصراع السوري منذ تأسيسها في عام 2015. تشكلت "قسد" بدعم مباشر من الولايات المتحدة لتكون الذراع المحلية للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش"، وهي تجمع عسكري متعدد المكونات يضم فصائل كردية وعربية وسريانية، وتسعى لترسيخ نموذج إداري جديد في شمال سوريا بعيدًا عن سلطة الحكومة المركزية السابقة في دمشق.
الفصل الأول
التأسيس والانتشار والعدد
تأسست قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2015 في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، وهي منطقة ذات غالبية كردية تقع شمال شرق سوريا. جاء تشكيل "قسد" استجابة للتطورات العسكرية والسياسية التي شهدتها سوريا خلال تلك الفترة، حيث كانت الولايات المتحدة تسعى إلى دعم قوة محلية قادرة على مواجهة تنظيم "داعش" على الأرض، خصوصًا في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد.
جاءت فكرة تشكيل "قسد" بعدما تمكنت وحدات حماية الشعب (YPG) الكردية، بالتعاون مع قوات أخرى، من تحقيق انتصارات مهمة ضد "داعش"، أبرزها معركة كوباني (عين العرب) عام 2015، التي شكلت نقطة تحول في الحرب ضد التنظيم. أدركت الولايات المتحدة والتحالف الدولي أن قوات محلية منظمة ومسلحة يمكن أن تكون شريكًا فعالًا في القضاء على "داعش"، مما دفعها إلى تقديم دعم عسكري ولوجستي لهذه القوات.
بالإضافة إلى العامل العسكري، كان هناك أيضًا دافع سياسي لتشكيل "قسد"، حيث سعت الولايات المتحدة إلى إنشاء كيان عسكري يكون بعيدًا عن التصنيفات الأيديولوجية، ويمثل مختلف المكونات السورية. لذلك، تم استقطاب فصائل عربية وسريانية وآشورية للانضمام إلى التشكيل الجديد، وذلك بهدف إعطائه طابعًا متعدد القوميات، رغم أن القوة الفعلية والقيادة ظلت بأيدي الفصائل الكردية، وخاصة "وحدات حماية الشعب".
الانتشار الجغرافي
منذ تأسيسها، انتشرت "قسد" في شمال وشرق سوريا، حيث سيطرت تدريجيًا على مناطق واسعة بعد معارك مع "داعش" وأحيانًا مع فصائل أخرى. وأهم المناطق التي تسيطر عليها "قسد" حاليًا تشمل:
محافظة الحسكة:
- تُعد القاعدة الرئيسية لقوات "قسد"، حيث تنتشر في مدن مثل القامشلي ورأس العين والشدادي.
- تحتوي الحسكة على عدد كبير من مقاتلي "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة".
ريف الرقة ومدينة الرقة:
- خاضت "قسد" معركة طويلة ضد "داعش" في الرقة بدعم من التحالف الدولي، وتمكنت من السيطرة على المدينة بالكامل في أكتوبر 2017.
- تتواجد فيها قوات عربية ضمن "مجلس الرقة العسكري"، لكنها لا تمتلك سيطرة فعلية على القرار العسكري مقارنة بالقوات الكردية.
ريف دير الزور الشرقي:
- المنطقة ذات الغالبية العربية الأكبر التي تسيطر عليها "قسد".
- تهيمن عليها قوات من "المجلس العسكري لدير الزور"، لكنها ما زالت تحت إشراف القيادة الكردية.
- شهدت هذه المنطقة احتجاجات ضد "قسد" بسبب سياساتها المحلية، مما جعلها عرضة للاضطرابات.
مدينة منبج وريفها:
- كانت منبج واحدة من أهم المعاقل التي انتزعتها "قسد" من "داعش" عام 2016، وهي ذات غالبية عربية.
- رغم أن إدارتها مدنية وتحت إشراف مجلس محلي، إلا أن القرار العسكري يبقى بيد "قسد".
عين العرب (كوباني) وتل أبيض:
- مناطق كردية أساسية كانت منطلقًا لتأسيس "قسد".
- تل أبيض لها أهمية خاصة بسبب موقعها الحدودي مع تركيا، مما جعلها موضع صراع دولي.
العدد والتوزيع العرقي
رغم المحاولات لإظهار "قسد" كتحالف عرقي متساوٍ، إلا أن التقارير تشير إلى أن القوة القتالية الفعلية ظلت بأيدي الأكراد، وفقًا لتقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في مارس 2017، كان التوزيع العرقي داخل "قسد" على النحو التالي:
40% مقاتلون أكراد، معظمهم من "وحدات حماية الشعب".
60% مقاتلون عرب، موزعون بين عدة فصائل عربية مثل "المجلس العسكري لدير الزور" و"ثوار الرقة" و"قوات الصناديد".
ومع ذلك، تشير تقارير أخرى إلى أن النسبة الحقيقية للعرب في "قسد" قد تكون أقل، حيث تُتهم القيادة الكردية بفرض سيطرتها المطلقة على العمليات العسكرية والإدارية، حتى في المناطق ذات الغالبية العربية.
الفصل الثاني
العوامل التي أثرت على توسع "قسد"
كان توسع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في سوريا نتيجة لمجموعة من العوامل المتشابكة التي ساعدتها على فرض سيطرتها على مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا. فقد لعب الدعم العسكري الأميركي، وضعف تنظيم "داعش"، وغياب بدائل محلية قوية، بالإضافة إلى العامل السياسي والإداري، دورًا محوريًا في تعزيز نفوذ "قسد" وترسيخ وجودها في المنطقة.
الدعم الأمريكي:
منذ بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حربه ضد تنظيم "داعش"، كان البحث عن شريك محلي فعال أمرًا بالغ الأهمية. وجدت واشنطن ضالتها في "وحدات حماية الشعب" الكردية، التي أثبتت قدرتها على الصمود في وجه هجمات "داعش"، كما حدث في معركة كوباني عام 2014. ولكن نظرًا لحساسية الموقف الإقليمي، وخصوصًا المعارضة التركية لأي دعم لـ"وحدات حماية الشعب"، قررت واشنطن تشكيل "قوات سوريا الديمقراطية" عام 2015، لتكون مظلة أوسع تضم فصائل عربية وسريانية إلى جانب المكون الكردي، مما سهل تقديم الدعم الأميركي لها دون إثارة معارضة إقليمية كبيرة.
لم تتردد الولايات المتحدة في تسليح "قسد"، حيث أرسلت إليها كميات ضخمة من الأسلحة، شملت مدافع هاوتزر بعيدة المدى، مدافع رشاشة، صواريخ مضادة للدروع، وأسلحة فردية حديثة، إضافة إلى ملايين الطلقات من الذخيرة. كما زودتها بعربات مدرعة من نوع "هامفي" ومركبات مقاومة للألغام، وهو ما منح "قسد" تفوقًا واضحًا في العمليات العسكرية ضد "داعش"، لا سيما في الرقة ودير الزور. بالإضافة إلى ذلك، تلقت "قسد" تدريبات عسكرية متقدمة من القوات الأميركية، شملت تكتيكات حرب المدن، تفكيك الألغام، استخدام الأسلحة الثقيلة، وتنسيق العمليات الجوية مع طائرات التحالف.
لم يقتصر الدعم الأميركي على التسليح والتدريب فقط، بل لعب الغطاء الجوي دورًا حاسمًا في انتصارات "قسد"، حيث شنت الطائرات الأميركية آلاف الضربات الجوية ضد مواقع "داعش"، مما مكّن "قسد" من التقدم بسرعة في مناطق سيطرة التنظيم. كما قدمت الاستخبارات الأميركية معلومات دقيقة عن تحركات "داعش"، مما عزز قدرة "قسد" على تنفيذ عمليات نوعية ناجحة.
رغم كل هذا الدعم، بقيت علاقة الولايات المتحدة بـ"قسد" متقلبة بسبب الضغوط الإقليمية، خصوصًا من تركيا التي اعتبرت أن واشنطن تدعم تنظيمًا إرهابيًا مرتبطًا بـ"حزب العمال الكردستاني". وفي عام 2019، أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسحب بعض القوات الأميركية من شمال سوريا قلق "قسد"، حيث شعرت أنها قد تُترك لمصيرها في مواجهة تركيا، التي سارعت إلى شن عملية "نبع السلام" ضدها. دفع هذا التطور "قسد" إلى البحث عن تفاهمات جديدة مع روسيا والإدارة السورية الجديدة لضمان بقائها كلاعب رئيسي في المشهد السياسي والعسكري شمال سوريا.
ضعف "داعش" بعد 2016:
بدأ تنظيم "داعش" يفقد قوته تدريجيًا منذ عام 2016 نتيجة الضربات الجوية المكثفة التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي استهدفت معاقله في سوريا والعراق. ومع تزايد الضغوط العسكرية، تراجع التنظيم عن العديد من المناطق الاستراتيجية، ما فتح المجال أمام "قسد" للتوسع وفرض سيطرتها على الأراضي التي انسحب منها "داعش".
استفادت "قسد" من دعم التحالف الدولي الذي جعلها قوة منظمة قادرة على شن هجمات متزامنة على مواقع "داعش". ومع انسحاب التنظيم، لم تكن هناك أي قوة أخرى تستطيع التقدم وملء الفراغ بسرعة مثل "قسد"، التي كانت مدعومة بالتسليح والتدريب، بالإضافة إلى التنسيق الاستخباراتي مع التحالف الدولي، مما أعطاها ميزة استراتيجية على باقي القوى الموجودة في المشهد السوري.
عدم وجود بدائل محلية قوية:
بعد تفكك العديد من الفصائل السورية المعارضة، خاصة بعد التدخل التركي في الشمال السوري، أصبحت "قسد" الخيار الوحيد المتاح للتحالف الدولي في المنطقة. لم يكن هناك فصيل محلي آخر يتمتع بالتنظيم والتسليح والانضباط العسكري الذي تمتعت به "قسد"، ما جعلها القوة الأكثر قدرة على فرض الاستقرار في المناطق التي انسحب منها "داعش".
التنافس بين الفصائل السورية الأخرى، وخاصة القوات المدعومة من تركيا والقوات الحكومية السورية، كان أيضًا عاملاً مساعدًا في توسع "قسد". فبينما كان النظام السوري منشغلًا بمعاركه في مناطق أخرى من البلاد، وبينما كانت الفصائل المدعومة من تركيا تركز على عملياتها في الشمال السوري، تمكنت "قسد" من التحرك بحرية نسبية في مناطق شرق الفرات، ما سمح لها بتوسيع نفوذها دون مواجهة مقاومة قوية من أي طرف آخر.
العامل السياسي والإداري والاجتماعي:
لم يكن توسع "قسد" قائمًا فقط على الانتصارات العسكرية، بل استند أيضًا إلى استراتيجية سياسية وإدارية مدروسة ساعدتها في ترسيخ سلطتها في المناطق التي سيطرت عليها. فقد قامت بإنشاء إدارات مدنية محلية تحت اسم "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، التي ضمت مؤسسات سياسية وخدمية تهدف إلى إدارة الشؤون اليومية للسكان. هذه الإدارات لم تكن مجرد واجهة، بل كانت مسؤولة عن تقديم الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والتعليم والصحة، مما جعلها عامل استقرار في المناطق التي دخلتها "قسد".
سعت "قسد" أيضًا للسيطرة على الموارد الاقتصادية في المناطق التي سيطرت عليها، خاصة حقول النفط في دير الزور والحسكة، والتي وفرت لها مصدر تمويل مهمًا ساعدها على دفع رواتب مقاتليها وتمويل خدماتها المدنية. كما فرضت ضرائب على الأنشطة التجارية والصناعية، مما مكّنها من إدارة الاقتصاد المحلي بشكل مستقل عن الحكومة المركزية في دمشق.
أخيرًا، ساعد غياب بدائل قوية على بقاء "قسد" كخيار وحيد لإدارة المناطق التي تسيطر عليها، خاصة مع تراجع نفوذ المعارضة السورية وضعف حكومة دمشق في فرض سيطرتها على شمال شرق سوريا. وبهذا، أصبحت "قسد" القوة المهيمنة في المنطقة، مستفيدة من الدعم الدولي، والفراغ السياسي، والاستراتيجية الإدارية التي تبنتها لضمان بقائها في المشهد السوري.
ولعب العامل الاجتماعي أيضًا دورًا في توسع "قسد"، حيث تمكنت من تقديم نفسها كقوة محلية "محررة" للسكان من حكم "داعش"، مستغلة الغضب الشعبي ضد التنظيم الذي فرض قوانينه القاسية على الأهالي. وبهذا الشكل، لم تواجه مقاومة كبيرة عند دخولها بعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة "داعش"، حيث فضلت العديد من العشائر والسكان دعمها، أو على الأقل عدم القتال ضدها، خاصة في ظل عدم وجود خيارات أخرى قوية على الأرض.
الفصل الثالث
القوى المشكلة لـ"قسد"
1. "وحدات حماية الشعب" (YPG):
تعد "وحدات حماية الشعب" (YPG) القوة العسكرية الأكثر تأثيرًا داخل "قسد"، حيث تمثل أساس التنظيم وأكبر فصيل فيه. تأسست هذه الوحدات في عام 2014 كجناح عسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذي يعتبر أحد أبرز الأحزاب الكردية في شمال شرق سوريا. ومن الجدير بالذكر أن الحزب ذاته يرتبط بعلاقات قوية مع حزب العمال الكردستاني (PKK) الذي له تأثير كبير في المناطق الكردية داخل تركيا والعراق.
التكوين والأيديولوجية:
تشمل "YPG" مقاتلين من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية، وتتميز بتنوع في أيديولوجياتهم بين الاشتراكية والليبرالية. يتبنى هذا الفصيل إيديولوجية "التحرير الديمقراطي" التي تروج للمساواة بين الجنسين، والديمقراطية المباشرة، وإدارة المناطق عبر المجالس الشعبية. هذه الأيديولوجية ليست مقتصرة على الأكراد فقط، بل تضم مقاتلين من مختلف الأعراق والمناطق في سوريا.
المعركة ضد "داعش":
كان الدور البارز لـ"YPG" في المعركة ضد تنظيم "داعش" محوريًا، حيث خاضت المعارك في مناطق مثل كوباني (عين العرب) والرقة والحسكة. أشهر المعارك كانت معركة كوباني عام 2014، التي أصبحت رمزًا للمقاومة الكردية ضد التنظيم، حيث استطاعت "YPG" بمساعدة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تحرير المدينة بعد أشهر من القتال العنيف.
عدد المقاتلين:
يتراوح عدد مقاتلي "YPG" بين 20,000 إلى 30,000 مقاتل، بحسب التقارير المختلفة. وتتركز قوات "YPG" بشكل رئيسي في مناطق شمال شرق سوريا، خصوصًا في محافظات الحسكة، الرقة، وعين العرب.
2. "وحدات حماية المرأة" (YPJ):
تعد "وحدات حماية المرأة" (YPJ) أحد الجوانب المميزة لـ"قسد" ويمثل فخرًا للمجتمع الكردي والسوري بشكل عام. تم تأسيسها في نفس العام الذي تأسست فيه "YPG"، لكن بشكل مستقل كجناح عسكري نسائي يهدف إلى تمكين المرأة في المجال العسكري والسياسي. تضم هذه الوحدات مقاتلات من مختلف الأعراق والجنسيات، وقد تزايد عددهن بشكل ملحوظ بعد بداية الحرب ضد "داعش".
الأيديولوجية والأهداف:
تتبنى "YPJ" نفس الأيديولوجية التي تروج لها "YPG" والتي تتمحور حول التحرر الديمقراطي والمساواة بين الجنسين. كما أن تشكيل هذه الوحدات كان بمثابة تحدٍ للعديد من الأعراف الاجتماعية التقليدية في المجتمع الكردي والعربي على حد سواء، مما جعلها تكتسب شهرة واسعة على مستوى العالم كرمز من رموز القوة النسائية.
دورها في المعركة ضد "داعش":
لعبت "YPJ" دورًا محوريًا في معركة كوباني، حيث كانت العديد من المقاتلات في الخطوط الأمامية ضد "داعش". كان لهن دور فعال أيضًا في معركة تحرير الرقة، بالإضافة إلى العمليات العسكرية الأخرى التي استهدفت القضاء على معاقل التنظيم في سوريا. لا تقتصر مشاركتهن على القتال، بل تشمل أيضًا بناء مجتمعات آمنة ومستقلة، حيث يعتبرن أداة للتغيير الاجتماعي في المنطقة.
3. "المجلس العسكري السرياني":
تأسس "المجلس العسكري السرياني" في عام 2015 بعد تزايد التهديدات من "داعش" والمجموعات المسلحة الأخرى ضد الطائفة السريانية المسيحية في شمال شرق سوريا. الهدف الأساسي للمجلس هو تمثيل المكون السرياني داخل "قسد" وحمايته من التهديدات العرقية والدينية.
التركيب الإثني والسياسي:
يتألف "المجلس العسكري السرياني" بشكل رئيسي من أبناء الطائفة السريانية المسيحية، لكنهم يتعاونون مع "قسد" ومع مقاتلين من أديان وطوائف أخرى. يعتبر المجلس جزءًا من القوة العسكرية المتنوعة التي تمثل الأديان والمكونات الإثنية في شمال سوريا، مثل الأكراد والعرب والسريان.
عدد المقاتلين وأبرز العمليات:
يتراوح عدد مقاتلي "المجلس العسكري السرياني" بين 50 إلى 70 مقاتلًا، حيث يساهمون في الدفاع عن مناطقهم في شمال وشرق سوريا. رغم كونهم قوة صغيرة مقارنة ببقية الفصائل في "قسد"، إلا أنهم كانوا جزءًا أساسيًا في معركة تحرير مناطق سريانية مثل تل تمر والقامشلي، وقد واجهوا تحديات كبيرة من "داعش" والجماعات المسلحة الأخرى.
4. "قوات الصناديد":
تعتبر "قوات الصناديد" أحد الفصائل العشائرية المهمة في "قسد"، حيث تمثل "عشيرة شمر" التي هي واحدة من أكبر العشائر العربية في سوريا. تأسست هذه القوات في محافظة الحسكة في عام 2015 بهدف الدفاع عن المنطقة من تهديدات "داعش" والمجموعات الإرهابية الأخرى.
التركيب العشائري والسياسي:
تعد "قوات الصناديد" تجسيدًا للتحالف بين "قسد" والعشائر العربية، حيث أنها تُعتبر أحد القوى العشائرية التي انضمت إلى "قسد" بعد تأسيسها. ويُعد وجود هذه القوات ذا أهمية استراتيجية كبيرة في تعزيز التواصل بين "قسد" والمجتمعات العربية في شمال سوريا.
قائد القوات وأبرز المعارك:
يقود "قوات الصناديد" نور حميدي الجربا، الذي يعتبر أحد الزعماء البارزين في عشيرة شمر. كان لقوات الصناديد دور كبير في معركة تحرير المناطق العربية من "داعش"، مثل المعارك التي دارت في ريف الحسكة ودير الزور.
5. "ثوار الرقة":
تتألف "ثوار الرقة" بشكل رئيسي من مقاتلين من عشيرة الولدة العربية التي تعتبر واحدة من أكبر العشائر في منطقة الرقة. كان هؤلاء المقاتلون في البداية جزءًا من حركة المقاومة ضد "داعش" في مدينتهم قبل أن ينضموا إلى "قسد".
عدد المقاتلين والقيادة:
تضم "ثوار الرقة" حوالي 1500 مقاتل، ويتزعمها أحمد العثمان بن علوش، المعروف بلقب "أبو عيسى الرقة". كانت هذه القوات واحدة من القوى الرئيسية التي ساعدت في تحرير مدينة الرقة من قبضة "داعش" بعد سنوات من السيطرة على المدينة.
دورهم في تحرير الرقة:
قدمت "ثوار الرقة" دعمًا كبيرًا في معركة تحرير الرقة التي بدأت في 2016 واستمرت حتى 2017. لعبوا دورًا بارزًا في العمليات القتالية ضد "داعش" داخل المدينة، مما ساعد على استعادة السيطرة عليها بعد معركة طويلة.
6. "المجلس العسكري لدير الزور":
يعتبر "المجلس العسكري لدير الزور" أحد الأفرع الهامة في هيكل "قسد"، حيث يضم مقاتلين من عشيرتي العكيدات والبكارة العربيتين. تأسس هذا المجلس في عام 2017 وكان هدفه الأساسي هو تحرير محافظة دير الزور من "داعش" والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة بعد تحريرها.
العدد والقيادة:
يقدر عدد مقاتلي "المجلس العسكري لدير الزور" بحوالي 15,000 مقاتل، ويقوده إياد تركي الخبيل، الذي يعد من أبرز القادة العسكريين في المنطقة. يمثل المجلس العسكري لدير الزور مكونًا مهمًا في توازن القوى داخل "قسد"، حيث يشكل المكون العربي جزءًا أساسيًا من تلك التشكيلة.
دورهم في معركة دير الزور:
ساهم "المجلس العسكري لدير الزور" بشكل كبير في معركة تحرير دير الزور من "داعش"، حيث شاركوا في العديد من المعارك التي خاضتها "قسد" في المنطقة. كما لعبوا دورًا كبيرًا في تأمين المناطق المحررة والحفاظ على الاستقرار في دير الزور بعد تحريرها.
الفصل الرابع
التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه "قسد"
تواجه "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) العديد من التحديات الداخلية والخارجية التي تهدد قدرتها على البقاء والتطور. هذه التحديات تشمل التباينات بين مكوناتها الداخلية، بالإضافة إلى الضغوط الخارجية من القوى الإقليمية والدولية. سنستعرض هذه التحديات بشكل موسع:
1- التباينات الداخلية بين العرب والأكراد:
رغم أن "قسد" تحاول تقديم نفسها كتحالف متعدد الأعراق والاتجاهات، إلا أن التباين الداخلي بين الأكراد والعرب يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجهها. التوترات بين المكونين تتراوح من اختلافات في النفوذ السياسي والعسكري إلى تفاوت في الرؤية الاستراتيجية للأحداث الجارية.
السيطرة الكردية الفعلية: على الرغم من كون "قسد" تتكون من مكونات عرقية مختلفة، إلا أن السيطرة الفعلية على القيادة العسكرية والسياسية تبقى بأيدي "وحدات حماية الشعب" الكردية (YPG). يُعتبر "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD)، الذي أسس "YPG"، هو الحزب المسيطر على معظم مناطق شمال شرق سوريا، وبالتالي فإن معظم القرارات السياسية والعسكرية تُتخذ من قبل القادة الأكراد. هذا يجعل المكون العربي داخل "قسد" يشعر أحيانًا بأنه غير ممثل بشكل كامل في عملية اتخاذ القرارات.
النفوذ السياسي والعسكري للمكون العربي: رغم أن هناك قوات عربية مهمة ضمن "قسد" مثل "قوات الصناديد" و"ثوار الرقة" و"المجلس العسكري لدير الزور"، إلا أن هذه القوى العربية لا تمتلك نفس النفوذ السياسي أو العسكري مقارنة بالقيادات الكردية. ويميل البعض من المقاتلين العرب إلى الشعور بالتمييز من حيث توزيع المناصب القيادية والمشاركة في اتخاذ القرارات العسكرية الرئيسية.
الفجوة في الرؤية السياسية: يوجد تباين واضح في الرؤية السياسية بين "وحدات حماية الشعب" والمجموعات العربية في "قسد"، خصوصًا في ما يتعلق بالأجندات القومية الكردية. يرفض العديد من القادة العرب داخل "قسد" بعض الأهداف السياسية التي تسعى لتحقيقها "حزب الاتحاد الديمقراطي" (PYD)، مثل إقامة نظام فيدرالي في شمال سوريا. حيث يرى المكون العربي في بعض الأحيان أن هذه الأجندة تركز بشكل كبير على تعزيز الحقوق الكردية على حساب الهوية العربية.
التوترات مع القوى المعارضة الكردية: داخل الحركة الكردية نفسها، هناك انقسامات بين مؤيدي "حزب العمال الكردستاني" (PKK) وأحزاب كردية أخرى. هذه الانقسامات تؤثر أيضًا على "قسد"، حيث يشير البعض إلى أن قادة "YPG" يمثلون فقط جزءًا من الأكراد في سوريا، وأن هناك أحزاب كردية أخرى، مثل "الحزب الديمقراطي الكردستاني - سوريا" (PDK-S)، التي لا تشارك في "قسد" أو ترفض بعض سياساتها.
2- الضغوط الخارجية:
بالإضافة إلى التحديات الداخلية، تواجه "قسد" العديد من الضغوط الخارجية التي تزيد من تعقيد وضعها الاستراتيجي وتضعها في مواجهة مع قوى إقليمية ودولية ذات مصالح متباينة في المنطقة.
التهديد التركي: يعتبر التهديد التركي من أبرز الضغوط الخارجية التي تواجه "قسد". تركيا تتهم "قسد" بكونها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) الذي يصنف كمنظمة إرهابية من قبل أنقرة. تعتبر الحكومة التركية أن "قسد" تشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي بسبب الروابط السياسية والعسكرية بين "YPG" و"PKK". هذا الوضع دفع تركيا إلى شن عدة عمليات عسكرية ضد "قسد" في شمال سوريا، مثل عملية "غصن الزيتون" (2018) وعملية "نبع السلام" (2019). هذه العمليات استهدفت المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في شمال سوريا مثل عفرين ومنبج، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني هناك.
التحديات العسكرية والسياسية: تسعى "قسد" إلى مواجهة هذه التهديدات التركية من خلال التعاون مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي لمحاربة "داعش"، وهو ما جعلها تعتمد على الدعم الأمريكي في محاربة أي تهديدات تركية. ومع ذلك، لا يزال خطر العمليات العسكرية التركية مستمرًا، ما يهدد قدرة "قسد" على الحفاظ على سيطرتها في مناطق الشمال السوري.
الانسحاب الأميركي المحتمل: تعتمد "قسد" بشكل كبير على الدعم العسكري واللوجستي الأميركي في الحرب ضد تنظيم "داعش" والحفاظ على مناطقها، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، التدريب، والطائرات الحربية. لكن في السنوات الأخيرة، أظهرت السياسة الأميركية تقلبات متواصلة، وهو ما خلق حالة من القلق داخل "قسد". قد يكون انسحاب القوات الأميركية من شمال سوريا، مثلما حدث في 2019 عندما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من بعض المناطق الحدودية مع تركيا، ضربة قوية لمصالح "قسد". حيث أن الانسحاب الأميركي قد يترك "قسد" عرضة لهجمات من القوى الإقليمية الأخرى مثل تركيا، وهو ما يجعل "قسد" في موقف صعب، بين ضرورة الحفاظ على تحالفاتها مع القوى الغربية وبين الحاجة لحماية مناطقها في مواجهة الضغوط العسكرية.
3- عدم التمثيل الكامل للمكون الكردي:
رغم أن "قسد" يقودها أكراد، إلا أن هذا لا يعني أنها تمثل جميع الأكراد السوريين. هناك انقسامات عميقة داخل المجتمع الكردي في سوريا، بين مؤيدي "حزب العمال الكردستاني" (PKK) والأحزاب الكردية الأخرى. على سبيل المثال، الحزب الديمقراطي الكردستاني - سوريا (PDK-S) له تحالفات مع الحكومة التركية ويعارض بشدة أجندة "قسد" وممارسات "PYD". هذا الانقسام بين القوى الكردية يزيد من تعقيد مشهد الحكم في شمال سوريا ويمنع تحقيق وحدة حقيقية في صفوف الأكراد داخل "قسد".
الفصل الخامس
علاقتها مع الإدارة الجديدة في سوريا:
بعد سقوط النظام السوري، الذي شهد سلسلة من الأحداث المأساوية والاضطرابات السياسية والعسكرية، دخلت "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) في مرحلة جديدة من العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة التي بدأت في الظهور. هذه الإدارة كانت نتاجاً للتغيرات التي طرأت على الوضع السياسي في سوريا بعد سنوات من الحرب الأهلية.
الإدارة الجديدة التي جاءت بعد سقوط النظام السابق تسعى إلى إعادة هيكلة النظام السياسي في سوريا وفقًا لآليات تفاوضية ومؤسسية جديدة. هذا يشمل إعادة دمج المجموعات المسلحة، مثل "قسد"، ضمن الهيكل الأمني والعسكري الوطني. لكن هذا الدمج يتطلب التوصل إلى حلول توافقية تأخذ في اعتبارها خصائص وأهداف تلك الجماعات، لا سيما فيما يتعلق بحجم صلاحياتها وتحديد حدود دورها ضمن إطار الدولة السورية الجديدة.
كما أن التحديات التي يواجهها كل طرف في هذا المسار تتعدد، فالإدارة الجديدة قد تسعى لإيجاد توازن بين دمج "قسد" في النظام الوطني وبين الحفاظ على سيطرة الدولة المركزية على كافة الأراضي السورية. هذا التحدي يتمثل في ضرورة توافق "قسد" على التراجع عن بعض من سيطرتها العسكرية في المنطقة لصالح الدولة، مع الحفاظ على مكاسبها السياسية.
من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة سلسلة من المفاوضات المعقدة بين "قسد" والإدارة الجديدة حول دورها في الجيش الوطني السوري. هذه المفاوضات ستكون حاسمة لتحديد كيفية دمج "قسد" ضمن هيكل الجيش، مع مراعاة عناصر مثل التنظيم العسكري، القيادة، والهيكلية.
على الرغم من وجود رغبة في إتمام هذه المفاوضات، إلا أن هناك العديد من التحديات التي قد تؤثر على سير هذه العملية، ومنها:
الاختلافات السياسية: "قسد" تمثل مجموعة من القوى الكردية والمكونات المتنوعة التي قد يكون لها أجندات خاصة تبتعد عن الرؤية الوطنية الشاملة التي تسعى إليها الدولة السورية.
التوترات الإقليمية: وجود دعم دولي وإقليمي لـ "قسد" من قوى مثل الولايات المتحدة قد يكون عائقًا أمام عملية دمجها في الجيش الوطني السوري.
قضية الأكراد: قضية الأكراد في سوريا تبقى محورًا حساسًا، وقد تتطلب المزيد من التنازلات أو التسويات لتجنب الانزلاق إلى صراعات جديدة.
الفصل السادس
مستقبل "قسد"
يمثل مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في إطار الإدارة السورية الجديدة مرحلة حساسة ومهمة، حيث تتزايد الضغوط العسكرية والسياسية التي تواجهها، وقد تجد نفسها مضطرة لإجراء تفاهمات مع هذه الإدارة في حال تغيرت موازين القوى في المنطقة. تسعى الإدارة السورية إلى إعادة هيكلة الوضع العسكري في سوريا، بما في ذلك دمج "قسد" ضمن هيكل الجيش السوري الجديد، ولكن هناك خلافات جوهرية بين الطرفين حول كيفية تحقيق ذلك.
التحديات الداخلية والخارجية: من بين القضايا الأكثر حساسية التي تواجه "قسد" هي تلك المتعلقة بموقف الإدارة السورية الجديدة منها. ترغب الإدارة السورية في حل "قسد" كتنظيم مستقل وتوزيع أعضائها كأفراد ضمن الجيش السوري، بينما تسعى "قسد" للحفاظ على هويتها كفصيل عسكري مستقل، وهي ترغب في أن يتم دمجها ككتلة أو وحدة تنظيمية ضمن الجيش السوري الجديد دون أن يتم حلها بشكل كامل. حتى الآن، ترفض الإدارة السورية قبول هذا الاقتراح، ما يجعل هذه النقطة من القضايا الحساسة التي تتطلب مفاوضات دقيقة لضمان تحديد دور "قسد" في الجيش الوطني السوري.
التهديدات التركية والأبعاد الأمنية: إحدى التحديات الكبرى التي تواجه "قسد" هي التهديدات المستمرة من قبل تركيا، التي تعتبر "قسد" تهديدًا استراتيجيًا، خاصة بسبب ارتباطها بـ"وحدات حماية الشعب" (YPG)، التي ترفض أنقرة أي تواجد لها على حدودها الجنوبية. مع تعزيز تركيا لنفوذها في الشمال السوري من خلال العمليات العسكرية المتكررة، تجد "قسد" نفسها تحت ضغط مستمر للدفاع عن مناطقها ضد التهديدات التركية. هذا التهديد المستمر يعزز من موقف "قسد" في الحاجة إلى التفاوض مع الإدارة السورية الجديدة، حيث تحتاج إلى ضمانات أمنية تساهم في تقوية موقفها العسكري في مواجهة التهديدات التركية.
الدور الأمريكي والتركي في المعادلة: الضغط الأمريكي والتركي يظل جزءًا أساسيًا من المعادلة السياسية والعسكرية في سوريا. في السابق، قدمت الولايات المتحدة دعمًا كبيرًا لـ "قسد"، لكن هذا الدعم قد يتغير مع التحولات في السياسة الأمريكية. إذا قررت الولايات المتحدة تقليص دعمها أو تغيير موقفها تجاه "قسد"، فإن ذلك قد يؤثر بشكل كبير على قدرتها على الحفاظ على مكانتها العسكرية والسياسية في سوريا.
أما تركيا، فستظل على معارضتها القوية لـ "قسد"، وفي حال تم التوصل إلى تفاهم بين "قسد" والإدارة السورية الجديدة، فقد تعارض تركيا هذا التفاهم بشدة، مما يضع الإدارة السورية في موقف صعب يتطلب منها الموازنة بين الضغوط التركية من جهة، واحتياجاتها لتعزيز الجيش السوري من جهة أخرى.
المستقبل غير الواضح
بناءً على هذه العوامل، يبدو أن مستقبل "قسد" في ظل الإدارة السورية الجديدة سيكون مليئًا بالتحديات. تسعى الإدارة السورية إلى دمج "قسد" في الجيش الوطني السوري، لكنها تصر على ضرورة حلها كتنظيم عسكري كامل، وتوزيع أعضائها كأفراد ضمن الجيش السوري الجديد. في حال رفضت "قسد" هذا الخيار، فقد تكون الحلول العسكرية هي البديل المحتمل.
الخاتمة
تظل "قوات سوريا الديمقراطية" فاعلًا رئيسيًا في شمال سوريا، لكن مستقبلها محفوف بالتحديات الداخلية والخارجية. علاقتها بالإدارة الجديدة في سوريا، وتأثير الدعم الأميركي، والضغوط التركية، بالإضافة إلى قدرتها على تشكيل كيان أكثر استقلالية، كلها عوامل ستحدد مستقبل هذه القوة العسكرية في المشهد السوري الجديد.