شهدت محافظة السويداء، جنوبي سوريا، ظهور فصائل مسلحة محلية بعد اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، حيث تميزت المحافظة بخصوصية سياسية وأمنية مختلفة عن بقية المناطق السورية. ويعود ذلك إلى تداخل عدة عوامل، منها النفوذ القوي للمرجعيات الدينية، وعدم اتباع النظام السوري السابق للحل الأمني التقليدي فيها، إضافةً إلى استقلال الفصائل المحلية عن الجيش وأجهزة الأمن، إذ عرّفت نفسها على أنها قوة لحماية المحافظة.
واقع الفصائل المسلحة في السويداء
ظلت الفصائل المحلية بعد الثورة السورية تلعب دورًا مؤثرًا في المشهد الأمني. ومع تشكيل غرفة عمليات الجنوب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، والتي ضمت فصائل من درعا والسويداء والقنيطرة، بات الوضع أكثر تعقيدًا، حيث سيطرت هذه الغرفة على المحافظات الثلاث. ومع ذلك، لم تعلن الفصائل في السويداء التبعية المباشرة لـ"إدارة العمليات العسكرية" حينها، بل أوقفت بعض الفصائل رتلًا عسكريًا تابعًا لهذه الإدارة، مما أعاد تسليط الضوء على قوتها الفعلية داخل المحافظة.
الفصائل المرتبطة بالمرجعيات الدينية
حركة رجال الكرامة في السويداء
التأسيس والنشأة: تأسست حركة رجال الكرامة عام 2014 في محافظة السويداء، جنوب سوريا، على يد الشيخ وحيد البلعوس، الذي كان من الشخصيات الدينية والاجتماعية المؤثرة في المنطقة. جاءت الحركة كرد فعل على تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية، ورفضاً لسياسات الحكومة السورية، خاصة فيما يتعلق بإجبار الشباب الدروز على أداء الخدمة العسكرية خارج محافظتهم.
الأهداف والمبادئ: منذ نشأتها، رفعت الحركة شعارات الاستقلالية، والحياد، والدفاع عن كرامة وحقوق أهالي السويداء، مستندةً إلى المبادئ الدينية والأعراف الدرزية. لم تعلن الحركة ولاءها لأي طرف خارجي أو داخلي، مؤكدة أن هدفها الأساسي هو حماية السويداء من أي تهديدات، سواء من تنظيمات متطرفة أو من التدخلات الأمنية والعسكرية غير المرغوب فيها.
اغتيال الشيخ وحيد البلعوس وتداعياته: في سبتمبر 2015، تعرّض الشيخ وحيد البلعوس لعملية اغتيال بسيارة مفخخة في السويداء، ما أدى إلى وفاته مع عدد من أنصاره. أثار الاغتيال موجة غضب عارمة، أدت إلى احتجاجات واسعة ضد النظام السوري، وهاجم المتظاهرون مقار أمنية في المدينة. ورغم رحيله، استمرت الحركة في نشاطها، وقادها عدد من الشخصيات الدينية والعسكرية المحلية.
دورها العسكري والأمني: مع تصاعد الصراع في سوريا، لعبت الحركة دورًا محوريًا في الدفاع عن السويداء، خاصة خلال هجوم داع ش على ريف المحافظة الشرقي عام 2018، حيث خاضت معارك شرسة إلى جانب الفصائل المحلية الأخرى لصد التنظيم ومنع تمدده. كما قامت بمواجهة عصابات الخطف والجريمة التي انتشرت في السويداء، متهمةً بعض الجهات الأمنية التابعة للنظام السابق بالتواطؤ مع هذه العصابات لإضعاف الاستقرار في المنطقة.
العلاقة مع الحكومة السورية السابقة: حافظت الحركة على موقف حذر تجاه الحكومة السورية السابقة، إذ لم تعلن معارضتها الصريحة لها، لكنها رفضت التبعية للأجهزة الأمنية، كما طالبت بتحسين الأوضاع المعيشية، وإطلاق سراح المعتقلين، واحترام خصوصية أبناء السويداء. وشهدت علاقتها بالحكومة توترات متكررة بسبب رفضها إرسال شبان السويداء للقتال في مناطق أخرى من سوريا.
التمويل: تعتمد "حركة رجال الكرامة" على التمويل الذاتي عبر تبرعات فردية، ولا تتلقى دعمًا من أي جهة حكومية على عكس بعض الفصائل الأخرى.
الوضع الحالي: لا تزال رجال الكرامة حتى اليوم من القوى الرئيسية في السويداء، حيث تواصل دورها في الدفاع عن المحافظة، والتصدي للجهات الأخرى. وتُعتبر إحدى أبرز الحركات المسلحة المحلية التي نجحت في الحفاظ على استقلاليتها وعدم خضوعها لأي نفوذ خارجي، وسط تعقيدات المشهد السوري المستمر.
وفي 4 شباط/فبراير 2025، دعا فصيل “حركة رجال الكرامة”، إلى إنهاء المظاهر المسلحة في المدينة ودعم جهاز الشرطة التابع لحكومة دمشق المؤقتة. وأكد قائد الفصيل، يحيى حجار، بتسجيل صوتي على ضرورة إنهاء المظاهر المسلحة، لفرض الأمن في سوريا وبمحافظة السويداء تحديدًا. وأعلن حجار أن الحركة ستتعاون مع الشرطة المدنية وتسيير دوريات مشتركة، تمهيدًا لبناء دولة قانونية يسودها العدل وبناء “سوريا الجديدة والمنشودة”. كما أعلن قائد الفصيل عن إيقاف المظاهر المسلحة العشوائية لعناصرها، وحصرها بالمكلفين بحماية المؤسسات وأصحاب المهمات المحددة مشددًا على تعريض المخالف للمساءلة.
انشقاقات سابقة وتشكيل فصائل جديدة: شهدت الحركة انشقاقات داخلية، أبرزها ظهور "قوات شيخ الكرامة"، التي أسسها ليث وفهد البلعوس، نجلا مؤسس الحركة وحيد البلعوس، بعد خلافات مع قائد "رجال الكرامة" الشيخ يحيى الحجار، خاصة فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري السابق.
قوات شيخ الكرامة في السويداء
النشأة والتأسيس: تأسست قوات شيخ الكرامة في محافظة السويداء جنوب سوريا عام 2016، بعد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، زعيم حركة رجال الكرامة. ظهرت هذه المجموعة كفصيل مستقل عن الحركة الأم، لكنها حملت اسمًا مستوحًى من إرث الشيخ البلعوس، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين أبناء السويداء.
الأهداف والمواقف: رغم أنها انفصلت عن "رجال الكرامة"، تبنّت قوات شيخ الكرامة مواقف مشابهة، مثل رفض الخدمة العسكرية الإلزامية خارج السويداء، ومواجهة الهيمنة الأمنية على المحافظة، والتصدي للعصابات والخارجين عن القانون. كما تبنت خطابًا أكثر حدة تجاه النظام السوري، واتهمته بالتورط في عمليات الخطف والاغتيالات التي استهدفت شخصيات بارزة في السويداء.
الأنشطة والمواجهات: خاضت قوات شيخ الكرامة مواجهات مع أجهزة الأمن السورية للنظام السابق، واتُهمت بتنفيذ عمليات ضد مواقع حكومية وعناصر أمنية، خاصة بعد سلسلة اغتيالات استهدفت قادتها وأفرادها. كما دخلت في صراعات مع جماعات أخرى داخل السويداء، منها فصائل مدعومة من الأجهزة الأمنية للنظام السابق أو من جهات خارجية.
الخلافات الداخلية والوضع الحالي: على مدار السنوات الماضية، تعرضت القوات لعدة انقسامات داخلية، بسبب الخلافات حول طريقة التعامل مع النظام السوري، والعلاقات مع الفصائل الأخرى في المنطقة. ومع تزايد الضغوط الأمنية، تراجع نشاطها بشكل ملحوظ، لكنها لا تزال تحتفظ بوجود محدود في السويداء، وسط مشهد أمني معقد.
وفي الساعات الأولى بعد انهيار النظام، شاركت قوات شيخ الكرامة إلى جانب فصائل محلية أخرى، مثل "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل"، في السيطرة على المقرات الأمنية والعسكرية في السويداء. تم ذلك دون مواجهات تُذكر، حيث فُتحت أبواب المقرات أمام هذه الفصائل. ومع انتشار الأسلحة بين المدنيين بعد سقوط النظام، برزت تحديات أمنية جديدة. عملت الفصائل المحلية، بما في ذلك قوات شيخ الكرامة، على مواجهة هذه التحديات من خلال مبادرات تهدف إلى ضبط الأمن وتقليل المظاهر المسلحة بين المدنيين.
التحديات والآفاق المستقبلية: تواجه قوات شيخ الكرامة، كغيرها من الفصائل المحلية، تحديات تتعلق بضرورة الاندماج في هيكلية أمنية موحدة ضمن إطار الدولة السورية الجديدة. هناك دعوات لتشكيل جيش وطني يضم جميع الفصائل، مع التأكيد على أهمية تنظيم حمل السلاح وحصره بيد الجهات الرسمية.
تجمع أحرار جبل العرب
التأسيس والنشأة: ظهر تجمع أحرار جبل العرب كحركة معارضة في محافظة السويداء، جنوب سوريا، خلال الحرب السورية. يُعتبر من الفصائل المحلية التي تبنّت موقفًا رافضًا لسياسات النظام السوري السابق، لكنه لم يكن ذا طابع ديني أو طائفي، بل ركّز على الهوية الوطنية، مع التأكيد على خصوصية السويداء وأبنائها.
الأهداف والمواقف: تبنى التجمع خطابًا معارضًا للنظام السوري السابق، وكان داعيًا إلى التغيير السياسي، والعدالة، والكرامة، لكنه في الوقت نفسه لم يعلن انضمامه لأي جهة خارجية، محاولًا البقاء مستقلاً عن النفوذ الإقليمي والدولي. كما أكد على رفض تجنيد شباب السويداء قسرًا في صفوف الجيش أو في الفصائل التابعة له.
الأنشطة والمواجهات: لم يكن التجمع قوة عسكرية كبيرة مثل "رجال الكرامة" أو "قوات شيخ الكرامة"، لكنه شارك في عدة تحركات احتجاجية داخل السويداء، خاصة في المظاهرات التي نادت بإسقاط النظام، وتحسين الظروف المعيشية، ومكافحة الفساد. كما دعم الفصائل المحلية في التصدي للهجمات التي شنها تنظيم داعش على السويداء عام 2018.
الوضع الحالي: بعد انهيار النظام، برز "تجمع أحرار جبل العرب" كأحد الفصائل المؤثرة في محافظة السويداء. تحت قيادة الشيخ سليمان عبد الباقي، لعب التجمع دورًا محوريًا في تأمين المنطقة والحفاظ على الاستقرار فيها. كما شارك في الاجتماعات مع الجهات الفاعلة الأخرى لبحث مستقبل السويداء ودور الطائفة الدرزية في سوريا الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، أكد الشيخ سليمان عبد الباقي استعداد فصائل السويداء للانخراط في الجيش السوري الجديد، مشددًا على أهمية الوحدة الوطنية والمشاركة الفعّالة في بناء مستقبل البلاد. وفي ظل هذه التطورات، يُتوقع أن يستمر التجمع في لعب دور فعّال في المرحلة الانتقالية، مع التركيز على تعزيز الأمن والاستقرار في السويداء والمساهمة في بناء سوريا المستقبل.
المجموعات المدعومة من النظام السابق
شهدت السويداء ظهور مجموعات مسلحة بدعم مباشر من الأجهزة الأمنية للنظام السوري، منها ميليشيات "الدفاع الوطني"، و"كتائب البعث"، و"نسور الزوبعة" التابعة لـ"الحزب السوري القومي الاجتماعي".
وفقًا لدراسة نشرها "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، فإن بعض هذه المجموعات تم تمويلها من قبل "شعبة المخابرات العسكرية"، ومن أبرزها "حركة قوات الفجر" و"قوات الفهد"، إلى جانب مجموعات مرتبطة بفروع أمنية مثل "الأمن العسكري"، و"المخابرات الجوية"، و"فرع أمن الدولة"، و"مكتب أمن الفرقة الرابعة".
تعرضت هذه المجموعات، التي اتُّهمت بالتورط في تجارة المخدرات والخطف، لهجمات من قبل "حركة رجال الكرامة" و"قوات شيخ الكرامة"، وكان من أبرز العمليات استهداف مجموعة راجي فلحوط (قوات الفجر) في يوليو/تموز 2022، حيث تمكنت الفصائل المحلية من القضاء على مجموعته، بينما فرّ فلحوط إلى جهة مجهولة. وفي أغسطس/آب 2022، شنّت "حركة رجال الكرامة" و"لواء الجبل" هجومًا على مواقع "قوات الفهد"، ما دفع قائدها سليم حميد إلى حلّ مجموعته وتسليم سلاحه.
و بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، شهدت محافظة السويداء تغيرات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالمجموعات التي كانت مدعومة من النظام السابق. فقد فقدت هذه المجموعات غطاءها السياسي والعسكري، ما أدى إلى تفكك العديد منها واختفاء قياداتها عن المشهد. بعض العناصر حاولت إعادة ترتيب صفوفها أو البحث عن جهات جديدة للدعم، بينما انضم آخرون إلى عمليات تسوية جديدة أطلقتها السلطات المحلية.
مع انهيار النظام، انخفض مستوى التمويل والتسليح الذي كانت تحصل عليه هذه المجموعات، مما دفع بعضها إلى تسليم سلاحها، في حين حاولت مجموعات أخرى تأمين مواقع لها ضمن المشهد الأمني الجديد. انتشار السلاح بعد سقوط النظام أدى إلى حالة من الفوضى، خاصة مع بقاء بعض المجموعات المسلحة التي تحاول فرض نفوذها. لكن الفصائل المحلية في السويداء، مثل "حركة رجال الكرامة" و"قوات شيخ الكرامة"، لعبت دورًا في ضبط الأوضاع الأمنية، ما قلّص من نفوذ المجموعات الموالية للنظام السابق.
بعض القيادات السابقة تمكنت من مغادرة السويداء إلى مناطق أخرى، سواء في سوريا أو خارجها، بينما واجه آخرون انتقامًا شعبيًا أو اضطُروا إلى التواري عن الأنظار. رغم كل هذه التغيرات، لا تزال السويداء تمر بمرحلة انتقالية حساسة، حيث تحاول القوى المحلية فرض الاستقرار ومنع حدوث فراغ أمني قد تستغله جهات خارجية.
الخاتمة:
مع سقوط النظام السوري السابق في ديسمبر 2024، دخلت محافظة السويداء مرحلة جديدة من التحولات السياسية والأمنية. فقد أدى انهيار المؤسسات الأمنية القديمة إلى فراغ ترك المجال مفتوحًا أمام الفصائل المحلية لإعادة رسم المشهد، حيث برزت قوى مثل "حركة رجال الكرامة" و"قوات شيخ الكرامة" كجهات رئيسية تسعى إلى ضبط الأمن وحماية المحافظة من الفوضى.
رغم تفكك المجموعات التي كانت مدعومة من النظام السابق، لا تزال السويداء تواجه تحديات كبيرة تتعلق بتنظيم العمل الأمني، وضبط انتشار السلاح، وإدارة التوازنات الداخلية بين الفصائل المختلفة. ومع تزايد الدعوات لدمج هذه الفصائل في هيكل أمني وطني جديد، يبقى مستقبل السويداء مرتبطًا بالتطورات السياسية في سوريا ككل، ومدى قدرة القوى المحلية على بناء نموذج حكم مستقر يضمن الأمن والحقوق لسكان المحافظة.