يعرض بحث أكاديمي إسرائيلي جديد، أجراه باحثون في الجامعة العبرية في القدس ومستشفى إيخيلوف في تل أبيب، معطيات عن ارتفاع في معدل طالبي العلاج النفسي، بعد أحداث وعمليات وإطلاق صواريخ منذ بداية الحرب على قطاع غزة، في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وقارن البحث، الذي تولى ترجمته وتحريره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، بين المعالَجين الذين حضروا إلى الطوارئ في مستشفى إيخيلوف بمن وصلوا إلى الخدمات النفسية العامة، وفقاً للسبب الذي جاء بهم لتلقي العلاج في طوارئ بالمستشفى، قربهم من مكان الأحداث، درجة تعرّضهم للأحداث وخصائصهم السريرية،أي التشخيص الأساسي والتشخيص في الطوارئ. وتم جمع المعلومات من الملفات الطبية ومقارنتها بالمرضى في نفس الفترة من العام السابق 2022.
وجد الباحثون أنه بعد شهر من أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، هناك زيادة بنسبة 46% في عدد المعالَجين الذين جاءوا إلى قسم الطوارئ في المستشفى لغرض التقييم أو لتلقي علاج نفسي، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2022. واللافت أن معظم المعالَجين الذين وصلوا إلى الطوارئ هذه الفترة لم يكن لديهم سجل تشخيص نفسي سابق.
وبحسب نتائج البحث، وصل 256 مريضاً إلى غرفة الطوارئ في شهر تشرين الثاني 2023، حيث أفاد 64% أن وصولهم كان بسبب الأحداث أو إطلاق الصواريخ الذي تعرضوا له منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
وأظهر أن 68% من المعالَجين لم يكن لديهم تشخيص نفسي سابق عند وصولهم. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك زيادة بنسبة 10% في ما يتعلق بالوصول إلى قسم الطوارئ مع أصدقاء أو عائلة على نسبة 28% في تشرين الثاني 2022.
وزير الصحة الإسرائيلي: تحمل حرب ’السيوف الحديدية’ تداعيات نفسية واسعة، بما في ذلك التعامل مع الصدمات الناجمة عن الأحداث القاتلة. الحصانة العقلية آخذة في التضرر وتتزايد الحاجة إلى تلقي العلاج النفسي
وتم كذلك تشخيص 14% من المعالجين كمن يعانون من صدمة الكرب الحاد، في حين أنه لم يكن هناك أي تشخيصات كهذه في تشرين الثاني 2022. و43% يعانون من اضطراب الكرب الحاد في مقابل 1% فقط قبل عام. ووجد الباحثون أيضاً أن 15% من المعالَجين لديهم خلفية لتشخيص خطير مثل الفصام، و3% لديهم اضطراب ثنائي القطب.
الصحة النفسية
لفت الانتباه أنه في ظلّ هذه المعطيات والأوضاع، صادقت الهيئة العامة للكنيست، أواسط تموز الأخير، بالقراءتين الثانية والثالثة على اقتراح قانون “يوم الصحة النفسية” للعام 2024، وأيّده 16 عضوَ كنيست بدون معارضة أو امتناع أيٍّ من أعضاء الكنيست. كان إقرار إحياء هذا اليوم في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية، من خلال قانون مستقل وعينيّ، قد جاء بتأخير كبير جداً عما هو سائد في العالم، ما يدلّ على شدة حضور قضية المصاعب والضائقة النفسية. فقد كانت أول مرة تم فيها إحياء يوم الصحة النفسية في العام 1992 بمبادرة الاتحاد العالمي للصحة النفسية، الذي يضم أعضاء وشركاء في أكثر من 150 بلداً. ووفقاً لموقع منظمة الصحة العالمية: يتيح اليوم العالمي للصحة النفسية 2023
فرصة للأفراد والمجتمعات المحلية لنصرة موضوع “الصحة النفسية كحق عالمي من حقوق الإنسان” من أجل تحسين المعارف وإذكاء الوعي والدفع قدماً بالإجراءات التي تعزز وتحمي الصحة النفسية للجميع باعتبارها حقاً عالمياً من حقوق الإنسان. وتضيف: إن الصحة النفسية حقٌ أساس من حقوق الإنسان المكفولة للجميع. ولكل شخص، أياً كان، وأينما
كان، الحق في التمتّع بأعلى مستوى من الصحة النفسية يمكن بلوغه. ويشمل ذلك الحق في الحماية من مخاطر الصحة النفسية، والحق في الحصول على رعاية في المتناول وميسورة ومقبولة وذات نوعية جيدة، والحق في الحرية والاستقلال والإدماج في المجتمع المحلي.
ويشير التقرير إلى أن منظمة “لتيت” (عطاء)، الناشطة في مجال الأمن الغذائي والعوز الغذائي، ربطت، في تقريرها الأخير (نيسان 2024)، بين عدم الاستقرار الاقتصادي في مجال الغذاء وبين تدهور الصحة النفسية. فقد أفاد 30.7% من الإسرائيليين أن وضعهم الاقتصادي تدهور مقارنة في العام الماضي، وشهد 14.9% أن دخل الأسرة تضرر
بشكل كبير منذ اندلاع الحرب. وترسم نتائج استطلاع للمنظمة صورة قاتمة لتدهور ملحوظ في الوضع الاقتصادي للإسرائيليين، وخصوصاً سكان الجنوب والشمال الذين تم إجلاؤهم من منازلهم في الحرب.
وتطرق تقرير المنظمة إلى الوضع الصحي والظروف والإمكانيات المتعلقة بمواجهة أمراض وحالات مرضية، جسدية ونفسية. إذ أفاد 21.3% من المشاركين في الاستطلاع أن حالتهم الصحية ساءت أو ساءت كثيراً مقارنة بحالتهم الصحية قبل الحرب. وأشار 38.6% من أفراد العينة إلى أن حالتهم النفسية ساءت أو ساءت كثيراً مقارنة بحالتهم قبل
الحرب، حيث وصف 30.1% حالتهم النفسية بأنها ليست جيدة، و27.5% بأنها ليست جيدة جداً، و2.6% قالوا إن حالتهم النفسية ليست جيدة على الإطلاق.
ورغم ذلك، أفاد 12% فقط من المشاركين أنهم تلقوا علاجاً في مجال الصحة النفسية بعد الحرب، أو أنهم في مراحل العلاج، وتم تشخيص 5.6% منهم رسمياً منذ الحرب على أنهم يعانون من القلق و/ أو اضطراب ما بعد الصدمة. وشهد 10.2% أنهم يعانون منه، لكن لم يتم تشخيصهم رسمياً.
وفي الاستطلاع الخاص بالأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مناطق الجنوب والشمال، يتضح من تقرير وتقييم المنظمة أن الوضع أكثر صعوبة في هذا المجال أيضاً. إذ شهد 43.2% من الأشخاص الذين تم إجلاؤهم عن تدهور حالتهم الصحية مقارنة بالفترة التي سبقت الحرب، وأفاد 66.5% عن تدهور حالتهم النفسية، وبالتفصيل: أكثر من نصفهم
(52.9%) قالوا إن حالتهم النفسية ليست جيدة، و41.8% ليست جيدة كثيراً، بينما أفاد 11.1% من هؤلاء المستطلعين أن حالتهم النفسية ليست جيدة بالمرة. مع ذلك، ففي مقابل الرقم المنخفض في الاستطلاع العام، شهد 41.6% من الأشخاص المستطلعين الذين تم إجلاؤهم أنهم تلقوا علاجات صحية نفسية. ومن حيث التشخيص، فإن الرقم بين
الأشخاص الذين تم إجلاؤهم أكبر بثلاث مرات مما كان عليه في الاستطلاع العام، حيث تم تشخيص 15.3% رسمياً منذ الحرب على أنهم يعانون من القلق و/ أو اضطراب ما بعد الصدمة. بينما أفاد 22.2% أنهم يعانون من تلك الأعراض والحالات النفسية، ولكن لم يتم تشخيصهم رسمياً.