الذكاء التوليدي والوجود الرقمي بعد الموت... بين الفرص والتحدّيات

2024.09.07 - 12:27
Facebook Share
طباعة

تنبّه دراسة أكاديمية صدرت مؤخّرًا من جامعة كامبريدج، إلى الآثار الاجتماعية والنفسية التي قد تنجم عن التطورات في مجال التقنيات الرقمية المتعلّقة بما يُعرف بـ "صناعة الحياة الآخرة الرقمية" Digital Afterlife Industries. يُبرز الباحثون في هذه الدراسة الحاجة الماسّة إلى إنشاء معايير وبروتوكولات أساسية تضمن السلامة لتقليل هذه

المخاطر. ويشيرون إلى أن استخدام #الذكاء الاصطناعي التوليدي للتفاعل مع الأشخاص المتوفين قد يؤدي إلى أضرار نفسية، مثل تعرّض المستخدمين لتجارب مؤلمة. وتؤكّد الدراسة على أهمية تطبيق إجراءات رقابية محكمة لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل آمن.

الوجود الرقمي بعد الموت

تُعرف الـ"ديد بوتس" Deadbots أو "غريف بوتس" Griefbots بأنّها تطبيقات للذكاء التوليدي، تهدف إلى تقديم تجربة تفاعلية تحاكي وجود الأشخاص الذين فارقوا الحياة. تستخدم هذه البرامج البيانات الرقمية التي خلّفها الأفراد، مثل المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، الرسائل الإلكترونية، والمحادثات النصية، لتوليد ردود تبدو كأنّها

صادرة عنهم.

 

تعمل هذه البرامج بالاعتماد على تقنيات متقدّمة مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية لتحليل أنماط الكلام والتعبيرات الخاصة بالشخص المتوفى، ومن ثم توليد ردود تحاكي طريقته في التواصل. يمكن لهذه البرامج أن توفّر نوعًا من الراحة النفسية للأحباء الذين يبحثون عن طريقة للحفاظ على الاتصال بمن فقدوهم، ولكنها في الوقت نفسه تطرح

تساؤلات حول الخصوصية وأخلاقيات استخدام بيانات الأشخاص بعد وفاتهم.

تقدّم بعض الشركات هذه الخدمات كجزء من حزمة الخدمات الرقمية الخاصة بها، ما يسهم في خلق شكل جديد من أشكال الوجود بعد الموت. يُعتبر هذا التطور خطوة مثيرة للاهتمام في مجال ال#تكنولوجيا، ولكنه يتطلّب توجيهًا وتنظيمًا دقيقًا لضمان احترام حقوق الأفراد ومشاعر الناجين.

حينما يتحدث الموتى... دراسة كامبريدج

حدّد الخبراء في مجال أخلاقيات #الذكاء التوليدي من "مركز ليفرهولم لمستقبل الذكاء" في جامعة كامبريدج ثلاثة سيناريوهات للمنصات التي قد تنشأ ضمن "صناعة الحياة الآخرة الرقمية" المتطورة، وذلك للتنبيه إلى النتائج المحتملة للتصميمات غير المدروسة في هذا المجال الذي يُعتبر "عالي المخاطر".

يسلّط البحث، الذي نُشر في مجلة "فلسفة وتكنولوجيا" Philosophy and Technology، الضوء على إمكانية استخدام الشركات "ديد بوتس" للإعلان سراً عن المنتجات للمستخدمين، بالاستفادة من "الحضور الرقمي" لأحد الأحباء الراحلين، أو إزعاج الأطفال بالإصرار على أن أحد الوالدين المتوفين لا يزال "معك".

حينما يوقّع الأحياء على إعادة إنشائهم افتراضيًا بعد وفاتهم، يمكن للشركات استخدام روبوتات الدردشة الناتجة لإرسال رسائل غير مرغوب فيها إلى أفراد الأسرة والأصدقاء الناجين، من خلال إشعارات وتذكيرات وتحديثات حول الخدمات التي يقدمونها، ما يشبه "مطاردة الموتى" رقميًا.

حتى أولئك الذين يجدون الراحة الأولية من "ديد بوتس" قد يستنزفون من التفاعلات اليومية التي تصبح "ثقلًا عاطفيًا ساحقًا"، وفق ما يزعم الباحثون، ولكن قد يكونون أيضًا عاجزين عن إيقاف محاكاة الذكاء التوليدي إذا وقّع أحباؤهم المتوفون الآن عقدًا طويلاً مع خدمة ما بعد الموت الرقمية.

بين إعادة تجسيد الذكريات وحماية الكرامة

تطور الذكاء التوليدي بوتيرة متسارعة يفتح الباب أمام الجميع تقريبًا، ممن لديهم القدرة على الاتصال بالإنترنت وخبرة تقنية أساسية، لإعادة تجسيد ذكريات من فقدوا أحباءهم، وفق تصريح الدكتورة كاتارزينا نوواشيك باسينسكا، الباحثة المشاركة في الدراسة والعاملة في "مركز ليفرهولم لمستقبل الذكاء" بجامعة كامبريدج.

وتعتبر باسينسكا أنه "يشكّل هذا النطاق من الذكاء التوليدي حقل ألغام أخلاقيًا. ومن الضروري الحرص على احترام كرامة الأشخاص الراحلين، وضمان عدم انتهاكها بدافع الربح من خلال خدمات الحياة الآخرة الإلكترونية، على سبيل المثال".

تكمل باسينسكا: "في الوقت نفسه، قد يترك الشخص محاكاة الذكاء الاصطناعي كهدية وداع لأحبائه غير المستعدين لمعالجة حزنهم بهذه الطريقة. يجب حماية حقوق كل من مانحي البيانات وأولئك الذين يتفاعلون مع خدمات الحياة الآخرة للذكاء التوليدي على قدم المساواة".

في عصرنا الحالي، برزت منصات مثل "بروجكت ديسمبر" Project December و"هيير أفتر" HereAfter، التي تقدّم خدمات إعادة إنشاء الأشخاص المتوفين باستخدام الذكاء التوليدي، مقابل رسوم رمزية. هذه المنصات، التي بدأت بالاعتماد على نماذج "جي بي تي" GPT قبل تطوير أنظمتها الخاصة، قد وجدت طريقها أيضًا إلى الصين، حيث

بدأت خدمات مماثلة في الظهور.

أمثلة وتوصيات

في الورقة البحثية الجديدة، يُطرح سيناريو "ما نا" MaNana كمثال على خدمة ذكاء توليدي تُتيح للأشخاص إنشاء نسخة رقمية من أحد أقاربهم المتوفين من دون الحصول على موافقة صريحة من الشخص المتوفى. يُظهر السيناريو كيف يمكن للتكنولوجيا أن توفر الراحة في البداية، لكنها قد تؤدّي إلى نتائج غير متوقعة، مثل استقبال الإعلانات التي

تستغل صوت وأسلوب الشخص المتوفى.

يُعرب الدكتور توماس هولاينك عن قلقه بشأن الروابط العاطفية التي قد تتشكّل مع هذه النسخ الرقمية، والتي قد تجعل الأشخاص عرضةً للتلاعب. ويشدّد على ضرورة وجود طرق لتقاعد هذه النسخ بكرامة، مثل إجراء جنازة رقمية أو مراسم أخرى تتناسب مع السياق الاجتماعي.

يُوصي الباحثون بتطوير بروتوكولات تصميم تحمي كرامة الأشخاص المتوفين وتمنع استغلالهم بطرق غير لائقة، مثل الإعلانات أو الحضور النشط على وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك يُقترح أن تشمل عمليات التصميم أسئلة تحفيزية للمستخدمين للتفكير في كيفية تذكّر أحبائهم بطريقة تحترم كرامتهم.

تُبرز الدراسة أيضًا مثالين آخرين يعكسان التحدّيات المترتبة على هذه التقنيات. يتمثل الأول، من خلال شركة "بارن"ت" Paren’t التي توفر روبوتًا رقميًا لمساندة الأطفال أثناء الحداد. ويتجسّد الثاني بشركة "ستاي" Stay التي تعرض خدماتها لكبار السن الراغبين في ترك إرث رقمي لأحفادهم. هذه الأمثلة تسلّط الضوء على الجوانب العاطفية

والأخلاقية المعقّدة المصاحبة لاستخدام الذكاء التوليدي في هذا السياق.

يؤكّد الباحثون على أهمية الشفافية والموافقة. ويدعون إلى تطوير بروتوكولات تسمح للمستخدمين بإنهاء علاقاتهم مع الروبوتات الميتة بطريقة توفر الإغلاق العاطفي. ويُشير هولانيك ونوفاتشيك باسينسكا إلى الحاجة الملحّة للتفكير في كيفية التخفيف من المخاطر الاجتماعية والنفسية للخلود الرقمي، حيث تتقدّم التكنولوجيا بسرعة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 1