منذ استهداف الضاحية الجنوبية والاعتداء الذي طال الآمنين فيها الأسبوع الفائت سعى الكثير من القاطنين فيها لإيجاد ملاذ آمن لهم ولعيالهم خارج نطاق الضاحية باعتبارها محط أنظار للعدو وإجرامه الذي لا يميّز بين مدني وعسكري، وكانت المفاجأة أن الإيجارات ارتفعت بوتيرة خيالية والمالكين يحسبون أنّهم يؤجرون "شققًا في الجنة" على حدّ تعبير
إحدى المواطنات.
كان لوكالتنا لقاء مع عائلة جنوبية من سكّان الضاحية الجنوبية وحي السلم بالتحديد. العائلة استقبلت في منزلها أهلها النازحين من بلدة أرنون الجنوبية منذ الثامن من أكتوبر الفائت الجدّ والعمات الذين كانوا يستقرون في قريتهم لجأوا إلى ضاحية بيروت سعيًا للأمان لكن العدو لم يستثنِ العاصمة من إجرامه وتهديداته الأمر الذي دفع ربّ العائلة والمعيل
لذويه للبحث عن شقة سكنية خارج الضاحية الجنوبية، فعمد كالكثير من سكان الضاحية للتواصل مع مكاتب عقارية ووسطاء نشطوا كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لشققٍ ومنازل للإيجار وجد أصحابها في هذه الظروف القاهرة "صيدًا ثمينًا" في تأجيرها للنازحين الباحثين عن الأمان في وطنٍ ينزف المواطن فيه من كل جانبٍ
بسب الأزمات المتلاحقة التي فتكت به.
يحدثنا السيد طباجة عن الأسعار الخيالية التي طلبت منه في اتصالاته مع الجهات المعنية بتأمين الشقق السكنيّة فالشقق في ما يسمى "المنطقة الغربية" في ضواحي بيروت والتي كانت تتراوح بين 200$ و 300$ كحد أقصى يطلب أصحابها بدل إيجار من 800$ وصولا إلى 1200$ إضافة إلى شروط "أشبه بالتعجيزية لمواطن عادي، منها دفع بدل
إيجار ٣ أشهر سلفًا عدا عن عمولة المكتب إذا كان وسيطًا بين المستأجر والمالك حيث تتراوح العمولة بين إيجار شهر أو اثنين!!
ما يثير الاستغراب في الموضوع أن من يؤجر يعلم مسبقًا الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الصعبة التي يعانيها من هُم من المفترض "أبناء وطنه" ورغم ذلك يستغل حاجة الناس وظروفها القاهرة غير مبالٍ بالوضع الانساني الذي يجبر هؤلاء للنزوح مع عائلاتهم وترك منازلهم، وعلى المنوال ذاته ارتفعت إيجارات المنازل في المناطق الجبليّة
(عاليه وبحمدون وصوفر وغيرها) المتاخمة للعاصمة والقريبة إليها، فلا عجب إن اتصلت بصاحب إعلان يعرض منزلًا أو شقة في تلك المناطق ليجيب عليك بأسعارٍ تجعلك تحسب أنّك تستأجر منزلا في الجنة كما حدث مع إحدى المواطنات التي نشرت على وسائل التواصل اتصالًا لها مع إحدى الموظفات في مكتب عقاري لتعلمها بأن بدل إيجار شقة في
سوق الغرب أحد ضواحي العاصمة هو 1700$ شهريًا!!
فهل من ضابطة تردع هذا الجنون في الايجارات؟؟ وهل يحمي القانون المستأجرين النازحين؟؟
في سبيل الحصول على رأي قانوني كان لنا اتصال مع المحامية الاستاذة أمال عواركة التي أوضحت لنا أن ليس هناك من قانون يضع حدّا لبدل الإيجار أو يلزم صاحب الملك بمبلغ معين كحد أقصى بل إن هذا يعود له ك"حق في أن يطلب ما يشاء" والضابطة هنا تعود إلى الإنسانية في هذه الظروف، فكما هناك مستغلين يستفيدون من الظروف الصعبة
لتحقيق "أرباح" لهم ونعني بهم "تجار الأزمات", هناك آخرين ممّن يردعهم ضميرهم عن ذلك ولا تسمح لهم إنسانيتهم باستغلال أبناء وطنهم فأبقوا على بدل الايجار كما كان قبل الأزمة لكنّ هؤلاء قلّة بحسب ما نعاين على أرض الواقع، وأضافت عواركة أنّ القانون لا يميّز بين مستأجر نازح أو عادي وهو يسري على الجميع ببنوده حيث يوقع
عقد الايجار بين الطرفين لمدة سنة قابلة للتجديد تلقائيًا لمدة ثلاث سنوات وفقًا لبدل الايجار ذاته المتفق عليه في عقد الايجار الموقّع..
بناءً على ما تقدم هذه الأزمة كسواها من الأزمات دفعت المرغمين على النزوح القادرين على الاستئجار للرضوخ لتلك الأسعار والشروط ولو على مضض، وذلك مقابل تأمين الأمان لعائلاتهم أما السواد الأعظم من المواطنين ممن لا حول لهم ولا قوة فقد أجبروا على البقاء في منازلهم يواجهون العدو واعتداءاته ومحاولاته ترعيبهم وإخافتهم كلّ يوم،
ويفضّلون الموت في منارلهم على "التشرّد" كما وصف السيد طباجة حيث فضّل الصمود على الذلّ أمام أبواب المكانب العقارية أو تجّار الأزمات..
وبين حق المالك وحريّته في ما يملك وحاجة النازح وسعيه للأمن والحفاظ على حياته وحياة أفراد عائلته يبقى الضمير والإنسانية هما الحكَم في هذه الظروف القاسية.