تشهد العلاقات المصرية الإيرانية تقاربًا ملحوظًا بعد قطيعة سياسية دامت لـــ40 عام، ففي لقاء وصف بالنادر، استقبل وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في مقر بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، الأربعاء الماضي.
واستعرض اللقاء مجموعة من القضايا الإقليمية، إذ أكد الجانبان التطلع نحو الإسهام في تحقيق الاستقرار وتعزيز الأمن في محيطهما الإقليمي.
ومن جانبه، أكد وزير الخارجة المصري على أن تشابك وتعقد أزمات المنطقة بات يلقي بظلال خطيرة على حالة الاستقرار والأوضاع المعيشية لجميع شعوبها دون استثناء، وهو الأمر الذي يقتضي تعاون جميع دول الإقليم من أجل دعم الاستقرار وتحقيق السلام والقضاء على بؤر التوتر.
فيما أكد وزير خارجية إيران على تطلع بلاده لتطوير علاقتها مع مصر، وإعادتها إلى مسارها الطبيعي الذي يتسق مع الميراث التاريخي والحضاري للدولتين، مؤكدًا أن اللقاء يمثل خطوة هامة على مسار تطبيع العلاقات.
وتقلبت حالة العلاقات المصرية الإيرانية بشكل كبير خلال العقود الماضية، وفي البداية، كانت العلاقات بين مصر وحكومة الشاه قوية، خاصة بعد زواج شقيقة الملك فاروق من ولي العهد آنذاك، الأمير محمد رضا بهلوي، في عام 1939. لكن بعد الثورة الإيرانية تغيّرت العلاقة بين البلدين بشكل كبير.
من جهته قال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير رخا حسن في تصريحات صحفية، أن لقاء وزيري خارجية مصر وإيران الأخير، يأتي بعد عام من مساعٍ عديدة لدول في المنطقة على رأسها سلطنة عمان. مشيرًا إلى أن العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران انخفضت إلى مستوى مكتب رعاية المصالح، بعد قطع العلاقات في أوائل ثمانينات القرن الماضي.
وأوضح حسن أنه "بعد زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق إلى مصر في مايو/أيار الماضي، توجه مباشرة إيران، وبدأ الحديث عن عودة العلاقات المصرية الإيرانية، إذ تتمتع سلطنة عمان بعلاقات وثيقة مع طهران، وتقوم بما يشبه الدبلوماسية الصامتة".
ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق أن " لقاء شكري وعبد اللهيان لم يكن ليتم لولا تقدم المحادثات بين البلدين ووجود تقارب على مستويات كبيرة"، مؤكدًا أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية كان لها دور في عودة العلاقات بين القاهرة وطهران.
فيما قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني فدا حسين مالكي، في يونيو/حزيران الماضي، إن العراق يحتضن محادثات بين طهران والقاهرة، متوقعًا "إعادة افتتاح السفارات بين البلدين" خلال الفترة المقبلة.
واعتقد مالكي أن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، يلعب دورًا في هذا التقارب على غرار الدور العراقي في تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، بحسب موقع ميدل إيست أونلاين.
وخلال الفترة الماضية، وفي سياق تطور العلاقات سمحت مصر للسياح الإيرانيين بالحصول على تأشيرات عند الوصول إلى جنوب سيناء، دون إشارة إلى إمكانية زيارتهم أماكن أخرى في البلاد.
في المقابل تثير هذه التطورات مخاوف حكومة الاحتلال الاسرائيلي، إذ قال الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، تامير باردو في مؤتمر "هرتسليا" للأمن، في تصريحات صحفية سابقة، إن التقارب بين إيران ودول المنطقة، خاصة السعودية ومصر، يهدد أمن ومصالح إسرائيل.
بدوره حذر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، حكومة بلاده من أي تقارب بين مصر وإيران خاصة في المرحلة الحالية التي تواجه فيها إسرائيل الكثير من التحديات الأمنية.
وكان معهد الأمن القومي الإسرائيلي INSS، قد أصدر دراسة بحثية تكشف عن عدد من الأخطار التي ستهدد تل أبيب بعد أن تنهي مصر وإيران أكثر من 40 عاما من القطيعة بينهما.
وكشفت الدراسة التي نشرها المعهد على موقعه الإلكتروني، مصالح كل من الطرفين (القاهرة وطهران) في تحسين العلاقات بينهما وعن العوائق القائمة وتأثيراتها على إسرائيل.
وتقول الدراسة إن الانفتاح الإيراني-المصري يأتي خلال فترة "انفراج إقليمي"، أبرزها تجديد العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في أبريل الماضي، كما رحبت القاهرة بالتطبيع السعودي الإيراني، لكنها لا تزال تدرس ما إذا كانت هذه الخطوة ستؤثر على سياسة إيران في مجموعة متنوعة من القضايا الإقليمية.
وختمت الدراسة توصياتها بتقديم النصيحة لإسرائيل بعدم معارضة أي تطبيع مصري-إيراني تلقائيا، وإنما ينبغي أن تسعى إلى جعل محتواه يتماشى مع المصالح الإسرائيلية. ولهذه الغاية، يجب على تل أبيب، بحسب الدراسة، أن تجري حوارا مع القاهرة، وكذلك مع واشنطن وأصدقائها الخليجيين في محاولة لتشكيل اتجاهات الانفراج الإقليمي، وحتى الاندماج فيها قدر الإمكان.
وكان موقع "زمان" قد نشر دراسةً في نيسان/ أبريل الماضي، عن المتغيرات الحالية في المنطقة وانعكاساتها على إسرائيل، بعنوان "العالم العربي يمنح إيران فرصةً ثانيةً ويفرض تحديات جديدةً على إسرائيل"، وتشير إلى أنه "من المشكوك فيه ما إذا كانت القيادة الإسرائيلية الحالية لديها الاهتمام اللازم لخلق سياسة إقليمية جديدة ومتكاملة للتعامل مع المتغيرات الإقليمية. فجأةً يبدو أن كل ما حققته إسرائيل في العالم العربي في السنوات الأخيرة أصبح موضع تساؤل، إذ بدأت الدول العربية، بما في ذلك دول اتفاقيات إبراهيم بقيادة الإمارات العربية المتحدة، عمليةً متسارعةً للتقارب مع إيران".
وترى الدراسة أن الدول العربية مستعدة لتجربة نهج جديد، "الدبلوماسية بدلاً من العداء"، حتى ملف التقارب الإسرائيلي مع بعض الدول العربية مثل السعودية سيدخل في مرحلة جمود ولو بشكل مؤقت بسبب التقارب الإيراني مع السعودية ودول المنطقة مثل مصر، ويتعين على إسرائيل أن تراقب ذلك بحذر كي تجد طريقها في الواقع المتغير، وأن تفعل ذلك بحكمة بينما تستمر في الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول العربية.