ليس الغريب أن تنجح إسرائيل في تنفيذ عمليات هوليوودية في بلاد تعاديها، بل الغريب أن لا تنجح في ذلك في ظل الظروف والمعطيات المتوفرة لها. و النجاح الاسرائيلي ، بقتل ناشط فلسطين في ضاحية دمشق، ليس أمرا عابراً وسوف يتكرر.
الامر يتعلق أمنيا بما يشبه المعادلات الرياضية، فحاصل جمع الاوضاع السورية يوصل الى نتيجة هي نجاح ساحق وكبير للاسرائيليين على الصعد الاستخبارية.
الفساد فتح أبواب سورية للاسرائيليين منذ ما قبل قيام الدولة الصهيونية، وتوسع الاختراق بالتزامن مع توسع التراخي في معاقبة الفاسدين، إذ كان أرباب النظام ولا يزالون، يرون فوائد في عمل الفاسدين وفي طرق فسادهم. سواء من ناحية تحصين كبار المسؤولين من الرشوة من أطراف معادية عبر منحهم فرص جمع الثروات من الفساد الداخلي، وصولا الى قناعات المسؤولين بأن الفاسدين هم الأقدر على إختراق الحصار الغربي المضروب على سورية منذ رفضها للاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 على أقل تقدير.
زد على ذلك أنه فيما بعد الحرب ولدت قناعات لدى فئات من الشعب السوري حولت ملايين من السوريين الى بيئة خصبة لتجنيد متعاونين لا يرون في الصهاينة عدواً.
والفاسدون حلفاء طبيعيين للجواسيس، والفصائل المسلحة التي إرتهنت لحلفاء لا هدف عندهم أعلى قدرا من خدمة مصالح اسرائيل الأمنية سخروا تحركات شعبية قام بها السوريون لتوليد حرب أهلية ولنشر الفوضى المسلحة التي لم تخدم احدا مثلما خدمت اسرائيل.
و مما لا يخفى على من يعرفون سورية هو التعاون الوثيق الذي كان قائما ما بين فاسدين يحاصرون وفاسدين محاصرون، حتى صارت معابر الغوطة في سنوات الصراع الخمس الاولى مضرب مثل على حسن التعاون بين فاسدي السلطة وفاسدي الفصائل المسلحة المعارضة، لتوفير المعابر ثروات طائلة للطرفين.
الخائن أمنيا حليف للخائن إقتصاديا، وكثيرا ما ينجو الجواسيس في سورية إن امتلك من يحركون أحدهم الرغبة في إنقاذه عبر استغلال نفوذ الفاسدين المرتشين في مواقع رقابية وإستخبارية. وكثيرة هي حكايات قضاة متقاعدين ذكروا أنهم عملوا على ملفات تحتوي ما يثبت جريمة جواسيس ثم ينجو بعضهم عبر تغطيتهم من مراكز عليا يزعم اصحابها أن المعتقلين عملاء مكلفون باختراق الاجهزة المعادية.
ومن يريد الحكم على الأوضاع لا يجب أن ينسى أن تعاون عشرات الدول مع الاجهزة الاسرائيلية هو أمر مساعد ورئيسي في توفير النجاح للعمليات الامنية الاسرائيلية حول العالم وليس في سورية فقط.
كما أن التعاون الدولي مع إسرائيل يشمل أيضا استغلال اللاجئين، عدا عن الاستغلال القديم جدا للمغتربين الباحثين عن إقامة شرعية او عن فرصة وظيفية.
ومن الاسباب أيضا فيما قبل الحرب وما بعدها، إنفتاح الديموغرافيا السورية على كل من الاردن ولبنان وكردستان العراق، التي كانت وربما لا تزال ممراً أو مقراً لعمليات تجنيد اسرائيلية وغربية.
فالفلتان الامني والفوضى العسكرية وتعدد الجيوش وكثرة القواعد العسكرية الاجنبية التي تتواجد فوق الاراضي السورية، هي عوامل حولت البلاد بأسرها الى جنة للأجهزة الأمنية الاسرائيلية.
إن مروحة الدول التي تعتبر نفسها حليفا إستخباريا لاسرائيل لا تشمل فقط دول حلف الاطلسي وعلى رأسها أميركا وتركيا. بل إن روسيا نفسها لا تعتبر الاجهزة الاسرائيلية اجهزة معادية بل هي تتعاون معها فيما لا يتعلق بالجيش السوري وبالاجهزة الامنية السورية.
محاربة النفوذ الامني الاسرائيلي في دول تنقسم شعوبها على نفسها، لا تنفع قط إن لم يجري طرح مشروع وطني جامع يعيد بناء القناعات الشعبية والنخبوية بما يحدد لدى الجميع إتجاه العدو وإتجاه الصديق. وهو ما يجعل من المجتمع في أي بلد عربي كيانا معاديا للعمل العدواني الاسرائيلي. فهل توحد السوريون على مشروع وطني يقبلون به جميعا؟؟
إذا.... فالنجاحات الاسرائيلية ستستمر.