ميلاد المخلّص في السنين العجاف

كتبت مايا شعيب

2022.12.24 - 08:48
Facebook Share
طباعة

 على وقع أجراس العيد و تراتيل الميلاد، كيف استعد اللبنانيون للعيد هذا العام و ما هي أمنياتهم التي سوف يرسلونها لل"مُخلّص"؟
أقبل شهر كانون الأوّل كعادته من كلّ عام حاملاً معه تباشير الميلاد، المناسبة التي لم تعد حصريّة لطائفةٍ أو مذهب في بلد تقاطعت فيه شبكة الحياة الإجتماعية ليتشارك أبناؤه مناسباتهم الدينيّة والإجتماعية على اختلاف طوائفهم والمذاهب.
في الأعوام الّتي سبقت الأزمات الأخيرة ( انتشار فايروس كورونا و ما تبعه من أزمات إقتصادية و إجتماعية)، إعتدنا انتظار بهجة الميلاد لتحلّ علينا باسطةّ زينتها الحمراء و أضواءها المبهجة في الأحياء و الشوارع و لتتوسط شجرة الميلاد قلب العاصمة النابض حيث هي الحدث و الوجهة المقصودة للمواطنين يلتفون حولها، يعلقون على أغصانها أمنياتهم على أملِ أن تتحقق…
إختلف المشهد هذا العام، ففي وطنٍ ينازع أبناؤه لتأمين قوت يومهم و يخوضون مع كل طلوع شمسٍ معاركَ ليحافظوا على ما تبقى من مقومات العيش الكريم، حلّ الميلاد بزينةٍ خجولةٍ تكاد تخفت أضواءها كلّما نظرت إليها عيون والدٍ قد أنهكه التعب، أو أمّ قد خطّ الحزن في تعابير وجهها خرائط من الإرهاق و اليأس، إلا بعض العيون البريئة التي أنقذتها الطفولة من براثن الهمّ والشقاء، ولربما خجلت تلك الزينة مرّاتٍ كثيرة من فتيةٍ و فتيات قد ألقى بهم البؤس متسوّلين في شوارع المدن التي لا تعرف للرحمة طريقاً…
أقول ذلك لأن التناقضات في شوارعها قد أثلمت قلوبنا، والعيد فضح تلك الهوة بين أهل البلد الواحد و المدينة الواحدة، أنا لا أرى العيد منصفاً عندما يحلُّ حزناً و بؤساً في بيوت وجدت في الزينة عبئاً و في الحلوى مبتغىً تشتهيه، بينما العيد ذاته حلّ مترفاً بشتى مباهجه من حلوىً و زينةٍ فاخرة و حفلاتٍ تضجّ بشتى وسائل الفرح و البذخ و الإسراف عند آخرين من أبناء الوطن…
في استطلاعٍ سريعٍ لأجواء العيد السنة المشهد يتكرّر في كل منزلٍ و عائلة، ربّات البيوت اختصرن الموائد بمحتوياتها و كميات الطعام و أصنافه مجبراتٍ على ذلك تحت وطأة الأزمة الإقتصادية، و العوائل تجتمع ليلة غدٍ "على الضيّق" لتخفيف أعداد الأفراد وبالتالي عبء الضيافة و توابعها، والمشروبات الروحية لم تعد بمتناول الجيمع بسبب الغلاء بعد أن كانت طقساً من طقوس الإحتفال يختتم فيها المحتفلون سهرة الميلاد، أضف إلى ذلك إلتزام الكثير من المحتفلين بالعيد السهرَ في بيوتهم بعد أن اعتادوا لسنواتٍ إحياء ليلة العيد في المطاعم و الفنادق…
كلّ ذلك دفع بالشباب إلى التطوّع في خلايا عمل إجتماعي أهلي لمساعدة العائلات المتعفّفة ممّن ضافت بهم السبل و منعهم سوء الحال الإقتصادي من الإحتفال في هذه الليلة، فعمدوا إلى تأمين حصص غذائية و حلوىً وهدايا للأطفال لعلهم بذلك يحققون بعضاً من بهجة العيد و يقوم هذا العمل تحت رعاية خوري الرعية حيناً أو فردياً تطوعياً حيناً آخر…
ليس العيد بظالمٍ، أعي ذلك لكنّ الّذين سرقوا من بلادي فرحة الأطفال ظالمين، ومن حرموا ربّ الأسرة جنى العمر و قطافه ظالمين أيضاً، هم من حوّلوا شوارعنا الفرِحة إلى حكايات بؤس متنقل، لم يسرقوا المال و الوطن فقط، سرقوا العيد، وتاجروا بفرح الأطفال و أحلام الشباب و أمل الكبار، لقد جعلوا الوطن خالياً من دعائمه، متهالكاً يرنو إلى السقوط كلّما هبّت فيه ريحٌ من رياحهم المشؤومة…
لكنّ وطن الفينيق لا يستسلم رغم كل الصعاب، و شعبه كالعادة يخلق من الضعف قوّة محاولاً نفض الغبار عن جناحيه ليعود محلقاً في سماء المجد فالكثيرُ هنا يصرّون على استقبال العيد ولو بالقليل المتبقي لديهم، بالبدائل التي اعتادوها في هذا الزمن زمن "القحط" و "السنين العجاف" لعلّهم بإحياء عيد ميلاد "المخلّص" يحققون الخلاص من هذا الواقع البائس المشؤوم…

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 7