المونديال بين الحضارة و العنصرية

كتبت مايا شعيب

2022.12.21 - 11:44
Facebook Share
طباعة

 هل نجح لاعبو كرة القدم في المونديال ركل العنصريّة بأقدامهم؟ كيف ظهر المونديال في مرآة الثقافة و الإنسانية هذا العام؟
مشاهدُ كثيرةٌ علقت في أذهان الجماهير المتابعة للحدث الرياضي ولم تفارق الهواة ممّن يتتبعون النتائج فقط لإشباع فضولهم المعرفي لا أكثر، ومن بين تلك الصور صورة اللاعبين المغربيين الّذين قدّموا صورة رائعة عندما رفعوا العلم الفلسطيني إلى جانب العلم المغربي،و
كان المشهد جميلاً وأشبه بلوحة مزخرفة حينما ظهر اللاعبون بشتّى ألوانهم في الفرق الرياضيّة و من مختلف أصولهم و ثقافاتهم على ذلك البساط الأخضر في أرض عربيّة شهدت نهضة عمرانية و اقتصادية باهرة فكانت مسرحاً لهذا الحدث العالمي الذي تتنافس دولُ العالم على استضافته دَوريّاً..
طويت صفحة المونديال لهذا العام بفوز المنتخب الأرجنتيني على نظيره الفرنسي وبهذا تكون قد طويت معه صفحات من النشوة و الحماس و الحزن الأسى و خيبات الأمل… لن نحلّل أو نقيّم اللاعبين و أدائهم أو أدوارهم هذه المرة بل سنقرأ الحدث بمرآة ثقافيّة و إنسانية إنطلاقاً من تركيبة الفرق الأوروبية التي يغلب على لاعبيها الطابع الافريقي وخاصة النخبة منهم، والأمر لا يخفى على أحد لطالما أنّ أوروبا تعدّ سوقاً أساسية لتبادل اللاعبين المحترفين بعد أن كانت ملجأً للمهاجرين الذين لجأوا إليها من القارة السمراء و صاروا جزءاً من نسيجها الإجتماعي ويحملون هوية مزدوجة و التي هي إحدى سمات زمننا لذا تستطيع أن تكون عربياً و فرنسياً في الوقت نفسة كحال معظم لاعبي المنتخب الفرنسي الذين ينحدرون من ( الجزائر، المغرب، تونس …) إلا أن السؤال يطرح نفسة هنا: هل استطاع هؤلاء "المدهشين و البارعين" أن يكسروا حاجز العنصرية المقيت الذي يدعمه اليمين المتطرف حيث يدعو إلى النقاء العرقي و الديني و طرد المهاجرين؟ على ما يبدو لم يكن هذا التحدي سهلاً فالعنصـ.ـرية لاحقت لاعبي المنتخب الفرنسي من ذوي البشرة السوداء بعد الخسارة.. الثلاثي كومان وتشاويميني ومواني! واضطروا إلى إغلاق خاصيّة الرسائل و التعليقات على صفحاتهم الإجتماعية كي لا يكونوا عرضةً للكلام العنصري و المؤذي! هم نفسهم كانوا سيُنعتون بالأبطال و يحمَلون على الأكتاف لو أنّ الحظ قد حالفهم بالفوز، إلا أنّ الفكر المشوّه و المتطرّف و الذي تنامى على استغلال الشعوب المُستعمَرة يأبى إلا أن يلقي قذاراته حتى في أكثر المناسبات حياديّة ( أعني بها الحدث الرياضي المونديال)، هذه التصرفات تذكرنا بعبارة كريم بنزيما الشهيرة: «عندما أسجل الأهداف أنا فرنسي، وعندما أضيع الفرص فأنا عربي مسلم مهاجر». هذا مع التذكير أن الانجاز التاريخي لفرنسا في النسخة السابقة كان تحقّق بفضل وجود ١٦ لاعب من أصلٍ أفريقي من بين ٢٣ في تشكيلة المنتخب، لم يغير شيئًا من واقع العنصري…
لم يكن البساط الأخضر ملعباً للمنافسة الكروية فحسب بل كان أرضاً ل "تلاقي" الحضارات حيناً و "تضاربها" أحياناً أخرى، فمشهد اللاعب المغربي أشرف حكيمي -الّذي ولد و ترعرع في إسبانيا- "البارّ بوالدته" الذي محتضناً إياها أمام الملايين محتفلاً معها بالفوز، مشهداً يعيد الوهج للمشاعر القوميّة و الإنسانية الراقدة تحت رماد العولمة و "القيم الحداثيّة" التي كادت تنسينا المعايير الإنسانيّة في استحقاقاتٍ سخّفها الرهان و القمار في زمن المراهنات و الأرقام و الثروات…ولعلّ الجماهير لن تنسى مشهد "البشت" ( العباءة العربية) الّذي ألبسه حاكم دولة قطر للّاعب "مسي" بعد تتويجه ، فمن يقرأ الحدث بالعين الثقافية يرى فيه محاولةً ناجحةً و ذكيّة لتعويم الثقافة العربية بما يعنيه "البشت"( العباءة العربية) من قيَمٍ حضارية.
لعلّ القراءات لذلك الحدث على مختلف المستويات لا تنتهي ، يبقى الرجاء أن تكون مثل تلك المحطّات العالمية مناسبةً لتخطّي العنصرية ورواسب الجهل المقيتة التي تظهر عند كلّ مفترقٍ في نفوسٍ تدّعي الحضارة و التطور و الرقي ودولٍ قامت قيامتها على الإستعمار و الإستغلال و الظلم، ومما لا شكّ فيه أنّ "للكلام بقيّة…"

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 4