التيار السلفي وجماعة الإخوان بين الوئام العلني والتقية السياسية

كتبت: شيماء حمدي

2022.11.14 - 07:21
Facebook Share
طباعة

 محاولات عدة قادها تيار الإخوان المسلمين للعودة إلى المشهد السياسي في مصر، لكن جميعها باءت بالفشل، وكانت الدعوات التي أطلقتها الجماعة من الخارج للتظاهر والاحتجاج 11/11، آخر تلك المحاولات، لكن الغريب أن التيار السلفي منذ خروج الإخوان من سدة الحكم عام 2013، اتخذ منهج الهجوم على جماعة الإخوان، على الرغم من التقاربات الفكرية والتي من ضمنها إقحام الدين في السياسية والرغبة في تطبيق ما يسمونه" شرع الله".

فعلى سبيل المثال لا حصر، رفضت التنظيمات السلفية في مصر الاستجابة لدعوة التظاهر التي تبنتها ودعمتها إحدى تيارات الإخوان والتي عرفت إعلاميا بدعوة 11/11، واعتبروها دعوة هدامة ومحاولة لتخريب البلاد.

حيث أصدر حزب النور السلفي بيانًا، استنكر فيه الدعوات التي تروج لها جماعة الإخوان ومناصريها، ووصف من يقف خلف هذه الدعوات بأنهم يتاجرون بآلام الناس وهم أنفسهم من كانوا في يوم من الأيام يسعون لصنع الأزمات التي تضر المجتمع وتعرقل مسيرته ليثور على النظام، فما كان يحصل منهم في الماضي وكذلك في الحاضر هو في الحقيقة تصفية لخصومة سياسية، الضحيةُ فيها الوطن والمجتمع نفسه؛ وليس الحرص على تحقيق مصالحة”.

الموقف نفسه اتخذته الدعوة السلفية والتي رأت أن تلك الدعوات يترتب عليه كثير من المفاسد، وتؤدي أحيانا إلى إراقة الدماء.

وعن تراجع التيار السلفي في دعم جماعة الإخوان المسلمين، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية عمرو فاروق، أن التيار السلفي عموما يتسم أولاً بأنه جبان ويستخدم التقية السياسية وعدم إظهار حقيقة ما يبطنه، وثانياً يتسم بأنه يكون حريص بعدم إلقاء نفسه في مقدمة الصفوف، ودائما ما ينتظرون تكوين المشهد ومن ثم يطالب بما يراه حقه من مطالب، وهو ما حدث وقت صعود تيار الإخوان إلى الحكم في مصر.

ويضيف الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن هذا التوجه السياسي يسير عليه تيار السلفي على منذ سنوات عديدة، ولذلك أراه أشد خطراً من جماعة الإخوان ليس فقط لما ذكرته من توجهات وأساليب سياسية يتخذها، وإنما أيضاً لتغلغله داخل المجتمع المصري فهو معروف بــــ" التيار الهلامي" ولا يمكن التحكم فيها.

وتابع فاروق أن التيار السلفي لا يكون كيانات منظمة بشكل كبير، والكيانات المنظمة الموجودة على الأرض مثل حزب النور والجبهة السلفية عبارة عن جبهات إدارية وليست خلية تنظيمية وبالتالي مكشوفة للاجهزة الأمنية التي تتعامل مع التيار السلفي على أنه ليس خطراً، لكني أرى أنه أشد خطورة، إذ أنه يعتبر حلقة الوصل الأسياسية مع السلفية الجهادية. مشيرا إلى أنه على مدار السنوات الماضية أثبت أن كل ما انضم ونشط إلى التنظيمات الجهادية ينتمون إلى التيار السلفي.

شهدت العلاقات بين التيار السلفي وجماعة الإخوان المسلمين عدة منحنيات على مدار السنوات الماضية؛ فقبل الصدام الذي حدث بين الجبهتين عقب 2013، كانت الدعوة السلفية هي الحليف السري للجماعة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وخاصة في الانتخابات البرلمانية، فعلى الرغم من أن الدعوة السلفية كانت ترفض المشاركة السياسية بشكل واضح وعلني، لكنها كانت تدعم جماعة الإخوان وتستخدم قاعدتها الجماهيرية للحشد لصالحها باعتبارها التيار الإسلامي الوحيد المشارك في الحياة السياسية والبرلمانية وهو ما استفادت منه جماعة الإخوان كثيرا في المقاعد التي كان يحصل عليها في مجلسي الشعب والشورى المصري .

وعقب ثورة يناير قررت الدعوة السلفية المشاركة في الحياة السياسية علناً، حيث أنشأت عدة أحزاب سياسية وقامت بعمل مقار في المحافظات والأحياء الشعبية للتعبير عن تواجدها في الشارع لأول مرة منذ تاريخها.

من جانبه أيضاً، يرى القيادي المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين، والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية ثروت الخرباوي، أن التيار السلفي يظهر عكس ما يبطنه، فهو منذ عزل تيار الإخوان من حكم مصر، بدأ في التراجع وإعلان موقفه المناصر للدولة المصرية حرصا منه على المكاسب السياسية، لكنه في الحقيقة لازال يتمنى عودة الإخوان إلى المشهد السياسي في مصر.

وأضاف الخرباوي إلى أن الإخوان اعتادوا على انتهاز الفرص لتقليب الشارع المصري بالمشاركة من التيار السلفي، فعلي سبيل المثال شكل الإخوان تحالفا حركيا مع السلفيين في محافظة الإسكندرية ولذلك خرجت بعض الاحتجاجات خلال السنوات العاميين الماضيين مثل الاحتجاجات التي خرجت ضد إجراءات كورونا، ولذلك أرى أن التنسيق بين تيار الإخوان والسلفيين مازال قائم لكنه غير معلن.

مشيراً إلى أن التيارين معروفين بأنهم يستغلون الدين، من أجل تحقيق مصالح سياسية، فهم دائما ما يظهرون بمظهر أنّهم الجهة الوحيدة التي تدافع عن الدين.

وتجلى مشهد دعم التيار السلفي للتيار الإخواني في التظاهرتان الحاشدتان في ميدان التحرير عام 2011 وهما دعوات "الدستور أولا" ثم في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني ضد "وثيقة علي السلمي". إلى جانب مشاركة شارك الاخوان والسلفيون في تنظيم عدد من المؤتمرات الجماهيرية سويا.

فضلاً عن أنه في عام 2012 ظهر التحالف بين تيار الإخوان والسلفيين بشكل علني، حيث جمع الدستور بين شمل التيارين، إذ حازوا على نسبة الثلثين من الجمعية الدستورية لإعداد دستور مصر عام 2014 والتي ضمتهم إلى جانب التيارات الأخرى الذي حصل على الثلث الأخر، الأمر الذي واجه معارضةً شديدةً من أعضاء الجمعية الآخرين (ولاسيما الليبراليين والمسيحيين)، لينتج عن هذا التحالف الإبقاء على المادة الثانية من دستور العام 1980 ("مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع")، لكنه أضاف المادة 219 التي تنصّ على أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنّة والجماعة"، وذلك للحرص على أن تكون المادة الثانية مُلزِمةً قانوناً.

من جهته يرى قيادي سياسي فضل عدم ذكر إسمه، أن هجوم التيار السلفي على الإخوان له سببين الأول هو الحفاظ على المكاسب السياسية التي حصل عليها من النظام الحاكم الحالي، وأخص بالتعبير المقاعد البرلمانية، والسبب الثاني هو تقديم نفسه كبديل للإخوان وممثل عن التيار الإسلامي ما يسمح له بالعمل السياسي دون مخاطر أمنية وبإتفاقات سياسية تشبه ما كان يفعلها نظام مبارك مع جماعة الإخوان المسلمين، إذ ظل النظام المباركي لسنوات يتقسام المقاعد البرلمانية والشورى مع الإخوان في صفقات سياسية الهدف منها هو السيطرة عليهم وإبقائهم تحت مظلة النظام لضمان عدم تمردهم.

وأشار إلى أن نهج التيار السلفي هو نفسه نهج الإخوان في إظهار عكس ما يبطن، فالإخوان أعلنوا في الأيام الأولى من إندلاع ثورة يناير عن عدم مشاركتهم في الأحداث، ومع تصاعد الأحداث وانفجارها ويقينه أن النظام راحل لا محالة، عدل عن قراره ليلعن مشاركته حتى يستطيع الحصول على مكاسب سياسية فيما بعد وهو ما حدث. وتابع؛ الـأمر نفسه يقوم به التيار السلفي منذ عزل الإخوان، إذ أنه يعمل دائما على الحفاظ على مكاسبه السياسية بغض النظر عن النظام الحاكم.

بعض الأزمات التي اندلعت بين السلفيين وعلى رأسهم حزب النور وبين حزب الحرية والعدالة الجناح السياسي للإخوان المسلمين أثناء تواجد الأخير في سدة الحكم بمصر، لكن هجوم السلفينين تجلى مع اقتراب موجة احتجاجات 30 حزيران/يونيو 2013، بعدما أدرك التيار السلفي أن ميزان القوى لم يعد يميل لصالح الإخوان المسلمين، وأن الأمر انتهى وعاد إلى معسكر الجيش مرة أخرى.

ففي تصريح صحفي شهير للقيادي السلفي ياسر البرهامي حينها قال "إذا خرج الملايين في 30 حزيران/يونيو، فسأطالب مرسي بالاستقالة". وفي 3 تموز/يوليو 2013، حين أعلن عبد الفتاح السيسي، الذي كان وزيراً للدفاع حينها، أن محمد مرسي لم يعُد رئيساً لمصر وأن الجيش سيشرف على تطبيق خارطة الطريق، كان جلال مره -أحد أهم قادة حزب النور- من بين القادة القلائل الجالسين وراء السيسي في دعم واضح وصريح للقيادة الجديدة، واعلانهم تخليهم عن الإخوان حليف الأمس.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 10