كتبَ حسام الإمام: حدث بالفعل.. "أنا لست فاشلًا"

2022.09.29 - 01:43
Facebook Share
طباعة

 توجيه الأستاذ لأبنائه الطلبة وتوضيح الصواب والخطأ ونقله خبراته وتجاربه إليهم، آراها مهمة شاقة لابد وأن تتم بشكل سليم ومدروس، وإلا نتج عنها تصدير صورة ذهنية خاطئة ومعقدة عن المستقبل والنجاح؟

رأيت مؤخرًا مقطع فيديو لأحد الأساتذة رحمة الله عليه، هو أستاذ كبير له مريدوه ومحبوه، ولأنه حتى وإن رحل تبقى كلماته مؤثرة، يبقى حق الاختلاف في الرأي قائمًا، ولا يفسد ذلك للود قضية، حتى الآن نرى من ينتقد أساتذة كبار مثل طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم... إلخ، وسوف يبقى حق النقد لهم قائمًا، لبقاء كلماتهم مؤثرة فى أجيال ذهبت وأجيال آتية.

بدأ الأستاذ حديثه لأبنائه قائلًا ومنتقدًا "يا عباقرة جيلكم.. يا أساتذة يا أجلاء.. ياللي منتوش فاضيين غير للفيسبوك والإنستجرام والكلام الفاضي، من هنا ورايح الزمن هيعرفكم"!!

 إن كان حديث أستاذنا إلى من يضيعون وقتهم في تلك الأمور، وأظنه كذلك، فله كل الحق فيه وإن كنت أتساءل ماذا لو تم توجيه الحديث نحو الاستخدام الأفضل لتلك الوسائط، هي مفيدة ومؤثرة إن أحسنتم استغلالها، لنخبرهم عن شباب اتقنوا اللغة الإنجليزية بدون دورات تدريبية، فقط من ممارستهم للألعاب التي نراها "مضيعة للوقت"، لكنهم أحسنوا استغلالها وخرجوا منها بشيء مفيد!! هذه الأمور أصبحت واقعًا نعايشه جميعًا ولا سبيل لمقاطعتها، إذن لماذا لا نعلمهم كيفية الاستفادة منها؟

ثم ينتقل أستاذنا إلى توجيه النصح للطلاب قائلًا: "النهارده إنت قاعد جنب واحد ممكن بكره يبقى وكيل نيابة وما يبصلكش؛ لأنه ما يصحش إنه يبصلك؛ لأنهم قالولوا كده في النيابة، ما تبصش للمحامين، أو بكره تطلع واحدة جنبك تبقى أستاذة في الكلية تبقى كاسرة عينك؛ لأنها كانت زميلتك في يوم من الأيام بس هي اجتهدت.. بكره تعرفكوا الأيام"!!

المعنى الظاهر للعبارة أن الناجح هو من يصبح وكيل نيابة؟ وغير ذلك هو الفشل الذريع؟ السؤال هنا هو هل كل من يذاكر ويجتهد في كلية الحقوق يصبح وكيل نيابة؟ هناك من حصلوا على امتياز في كل سنوات الدراسة ولم يتم تعيينهم! لذلك نجد الأغلبية العظمى تعمل بالمحاماة، ليس تقصيرًا منهم لكن لأن عدد المقبولين فى الجهات القضائية قليل، مقارنة بأعداد الطلاب بكليات الحقوق، ما تعلمناه أن وكيل النيابة لا يجب أن يتحدث إلى زملائه المحامين طالما كانوا في المحكمة؛ وذلك لضمان الحياد وعدم المحاباة في العمل، حرصًا على نزاهة القضاء، لكننا نشهدهم في المساء زملاء وأصدقاء وأحباء.

التعبير عن النجاح والفشل في عبارة أستاذنا لم يلحظ أن من سوف يمتهن المحاماة قد ينجح فيها نجاحًا مبهرًا ويحقق ما لم يحققه زملاؤه ممن اشتغلوا في النيابة، النجاح لا يرتبط بمهنة معينة، النجاح يمكن تحقيقه في أي مجال طالما اجتهد الإنسان ووضع لنفسه هدفًا واضحًا، وأعتقد أن هذا هو ما يجب أن يسمعه أبناؤنا. 

زميلتي التي تجتهد وتصبح أستاذة في الجامعة، لماذا سوف تنكسر عيني أمامها؟ هى اجتهدت ونجحت في مجالها، وأنا سوف أجتهد وأنجح في مجالي، وسوف نبقى زملاء وأصدقاء.

أعلم أن الكلمات غرضها نبيل لتحفيز الطلاب على الاجتهاد، لكن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور، نعم قبور يمكن أن تطوي الإنسان في ظلمتها فترة طويلة شاعرًا بالنقص والحيرة، مجاهدًا ليثبت لنفسه أنه مش فاشل. 

حديثي لا يأتي من فراغ، فقد عايشت تجربة التدريس في الجامعة، وربما يقرأ كثيرون من طلابي هذا المقال ويتذكرون عندما كنت أجد البعض لاهيًا عن المحاضرة، لا أعنفه بل أسأله: نفسك تبقى إيه بعد التخرج؟ أعيده إلى الواقع وأوضح له أنه طالما يضع لنفسه هدفًا فلابد وأن يبذل أقصى ما يستطيع لتحقيقه، ولابد أن يكون له أكثر من خطة لتحقيق هدفه، صارحتهم بأن حلم جميع طلاب الحقوق هو العمل بالجهات القضائية، لكن أوضحت لهم أن عدد من يلتحقون بالعمل في تلك الجهات قليل، رغم ذلك نصحتهم أن يبذلوا كل جهدهم لتحقيق حلمهم، ثم تساءلت ماذا سوف يحدث إذا لم يتحقق الحلم؟ هل سوف تجلس في منزلك تبكي؟ بالطبع لا، يجب أن تكون أقوى من ذلك، اخلق فرصتك بيديك، وكن على يقين أن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا، أمامك خيارات كثيرة، أكمل دراساتك العليا واحصل على الماجستير والدكتوراه، اعمل بالمحاماة، اصبر قليلًا وسوف تجني ثمرة عملك دون شك، لا تستمع إلى من يقلل من شأن المهنة فهي أسمى المهن، وإذا لم تكن راغبًا في أي من ذلك، ابحث عن عمل في الخارج، ابدأ مشروعك الخاص، اعمل أي شيء، لكن لا تجلس في المنزل كالحطام تبكي وتشتكي الأيام. 

وأقول، بل وأفخر أن الكثيرين من طلابي قد أكملوا بالفعل دراساتهم العليا وما زالوا يتواصلون معي لمناقشة أفكار تصلح موضوعًا لنيل درجة الدكتوراه، بل إن بعضهم قد حصل على الدكتوراه فعلًا، ومنهم من عمل بالمحاماة وحقق نجاحًا وافتتح مكتبه الخاص، ومنهم من سافر إلى الخارج وحقق نجاحًا في مجاله، ومنهم من عمل واجتهد حتى افتتح مشروعه الخاص.  

عندما رأيت طلابي في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الحقوق يخشون التحدث بالإنجليزية لم أنهرهم، بل قلت لهم أنتم تتحدثونها أفضل منى وسوف أثبت لكم ذلك، واتفقت معهم على أن يقوم بعضهم بتحضير صفحتين من المنهج، وأن يقوموا فى بداية المحاضرة بالوقوف مكاني والشرح لزملائهم باللغة الإنجليزية، وأعطيتهم كل الصلاحيات، قلت لكل منهم: سوف تكون أنت الدكتور وسوف أجلس مع زملائك، لك الحق أن تسألهم وتسألني أنا أيضًا، وأن يسألوك ويناقشوك، فعلوها في البداية على استحياء، ولكن مع الوقت ازدادت ثقتهم بأنفسهم، وكانوا يتسابقون على القيام بذلك في كل محاضرة، بعد أن كانوا يخشونها في البداية.

التحفيز فن، حث الأبناء على البحث عن الذات واجب، والثقة بالنفس هي سبيل النجاح.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط

 

 
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 5