عن العقد الاجتماعي واثاره في بلاد العرب

ايمان كريم المالكي

2022.09.23 - 01:49
Facebook Share
طباعة

 

 

يشكل نموذج "العقد الاجتماعي" النظري، والذي استند إلى مفهوم القانون الطبيعي، محاولة في سياق محاولات تفسير أصل نشأة المجتمع السياسي المنظم. وقد اكتسى نموذج "العقد الاجتماعي" شكله الحديث بفعل بعض فلاسفة القرنين السابع والثامن عشر، وهو لا يزال من أكثر النماذج النظرية الفلسفية شهرة وأثراً في الفكر السياسي. لقد حلّ هذا النموذج محلّ الأفكار ذات الطبيعة الدينية التي كانت سائدة في العصور الوسطى، والتي استخدمت أساسا لتوطيد سلطان الملوك، وأن ارادتهم تعلو على إرادة المحكومين (فكرة الحق الإلهي المباشر على سبيل المثال). ولذلك جاءت فكرة العقد الاجتماعي لتحديد مفاهيم جديدة للحكم والحرية والعدالة والديمقراطية وغيرها من المبادئ الوضعية.


لقد اجتهد أصحاب فكرة "العقد الاجتماعي" في البحث عن شرعية بديلة للشرعية الدينية التي كانت أساسا للحكم في أوروبا، فظهرت في أوروبا الغربية، لا سيما في إنكلترا وفرنسا، في القرنين السابع عشر والثامن نماذج نظرية عديدة حول "العقد الاجتماعي". وكان من أبرز منظري هذا الاتجاه
كل من: الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز (Thomas Hobbes)/(1588-1679)، الفيلسوف الإنكليزي جون لوك (John Locke) أب الليبرالية السياسية/(1632-1704) والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (Jean-Jacques Rousseau)/(1712-1778).


اتفق كل من توماس هوبز، جون لوك، وجان جاك وروسو على أن المجتمع السياسي المنظم جاء كأمر حتمي لارادة الأفراد التعاقدية، إلا أن كلاً منهم كان له رؤيته الخاصة لماهية العقد الاجتماعي، وحصل التمايز الأبرز فيما بينهم حول طبيعة الحالة الطبيعية من جهة، وأطراف العقد ومضمونه وآثاره من جهة ثانية.


لقد التصقت السيادة في البداية بشخص الحاكم، فلا يحدها إلا الله والقانون الطبيعي، وبتأثير تزعزع سلطة الكنيسة في أوروبا في القرن السابع عشر تم تكريس فكرة سيادة الشعب، وجرى الانتقال من السيادة الفردية إلى السيادة الشعبية، فأصبحت سلطة الحاكم مستمدة من الارادة الجماعية للشعب.
وإذا كان توماس هوبز قد برر فلسفة الحكم المطلق، وجون لوك برر نظام الحكم الدستوري، فإن جان جاك روسو اختار النظام الديمقراطي في وقت ليس فيها ديمقراطية حتى في عالم الأفكار.


وعلى الرغم من أهمية الانتقادات التي وجهت لنموذج "العقد الاجتماعي" النظري وأحقيتها، فإن هذا النموذج اقترن بتقرير حقوق الأفراد وحرياتهم، وتنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس احترام وسيادة القانون. كما شكل هذا النموذج مصدر إلهام للثورة الأمريكية والثورة الفرنسية، ولا يندرج ضمن سياق المبالغة القول بأن جميع حركات التحرر الحديثة والمعاصرة مدينة بشكل مباشر وغير مباشر لمنظريه، والذين نبهوا الشعوب إلى أنها صاحبة الكلمة الفاصلة في حياة أفرادها لا الحكومات، هذا ناهيك عن أنه أدى لولادة فكرة الدستور الذي استند إلى تمثيل الإرادة الشعبية العامة.


وقد استعاد المفكرين العرب قبل نصف قرن تقريبا اهتمامهم بنموذج "العقد الاجتماعي" النظري، وذلك في خضم عملية البحث عن صيغ لقيام السلطة وتأسيس الدولة في بلدانهم ... وما أحوجنا اليوم في العراق وفي كافة بلادنا العربية والإسلامية في ظل الظروف الحالية، والتي هي من جهة أقرب ما يكون إلى الحالة الطبيعية التي صورها توماس هوبز على شكل فوضى عارمة، ومن جهة ثانية لا يزال حراس الهيكل في واقعنا يعملون على تثبيت فلان وفلان في الحكم باسم السماء إن سلم الكرسي منهم، أن نضع عقدا اجتماعيا جديدا نحفظ به بلدنا، عقدا يرسم علاقة المواطن بالدولة حقوقا وواجبات فعلية لا نظرية.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 2