كتبَ سيد سلام: الدليفري.. أرواح طائرة بدون "منظومة"

2022.06.25 - 09:49
Facebook Share
طباعة

 يكاد لا يخلو شارع في مصر أو حتى العالم كله من "الدليفري"، حتى أصبحت الحاجة إلى وجودهم في حياتنا ضرورية، إذ كشفت أزمة كورونا منذ أن بدأت هذه الجائحة عن أهمية الاستعانة بهم في توصيل الأدوية من الصيدليات، أو الوجبات من المطاعم، والسوبر ماركت، أو التسوق الإلكتروني حتى أصبحت مهنة الدليفري حسب تقديرات عالمية الأكثر ربحًا في تلك الفترة، وأسهمت في الحد من البطالة بين الخريجين الجدد، وبين الشباب بصفة عامة.

ما دفعني للكتابة عن هذه الفئة من الشباب، هو أن من يتقدمون إلى مثل هذه المهن لديهم عادة الجرأة في مواجهة صعوبات الحياة، فمعظمهم من خريجي الجامعات، ولم يصبهم الإحباط واليأس من الظروف الاقتصادية التي يمر بها العالم، فبدأوا في البحث عن وسائل لمواجهة هذه الأزمة.

 وقد يتبادر إلى الأذهان أن الدليفرى هو مهنة فرضتها ظروف العصر، ولكنها مهنة نشأت في روما القديمة مع اختراع نظام "الثرموبوليوم" المطاعم المتنقلة في أوروبا، والتي تقام في مناطق معينة من الشوارع والساحات التى يقبل عليها المارة، وقيل بأن أول حالة دليفري حدثت في إيطاليا في عام 1889، عندما استسلم الملك أمبرتو والملكة مارجريتا، للكسل ودعيا رافاييل إسبوزيتو إلى توصيل بيتزا إليهما في قصرهما في نابولي.

 هذه معلومات عن نشأة الدليفري كفكرة تحولت إلى مهنة لا يمكن الاستغناء عنها حاليًا، ولكن ذكر أيضًا أن الدليفري وجد في عهد الفراعنة، وأن بناة الأهرام كان هناك من يأتون إليهم بالأكل في أثناء العمل.

 ومن يتأمل بعض آيات القرآن الكريم سيكتشف أن هناك آيات قام فيها الإنسان بهذه المهمة وبخاصة في توصيل الأكل، حيث جاءت في سورة الكهف مواقف كثيرة منها عندما قال سيدنا موسى لفتاه آتنا غداءنا "فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا" سورة الكهف آية:٦٢".

 وقال تعالى: "فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا" "الكهف:19".

 وفي الحالتين هناك من يقوم بمهمة نقل الشيء، أو أن يحضر الشيء للآخر بناء على الحاجة أو الطلب، وفيه الأكل هو الهدف، ففي حالة سيدنا موسى طلب الغداء من خادمه، وفى أهل الكهف، طلب من أحدهم أن يذهب بما تبقى من أوراق مالية قديمة لشراء الأكل من الأسواق.

 وبرغم أنها حالات ليست بالمعنى الحرفي لهذه المهنة، إلا أن ما يقوم به شباب اليوم الذين يشبهون الأرواح الطائرة على وسائل نقل معظمها من الموتيسيكلات، أو السيارات الصغيرة، إلا أنه يمكن التأكيد على أنها مهنة وجدت يوم أن دبت الحياة على الأرض، أي مع وجود بشر وحاجة إلى الحياة.

 وقد تابعت حالات كثيرة في شوارع وساحات الأكل والسوبر ماركت، ممن يتم وصفهم "الطيارين" وتعاطفت مع كثير من هذه الحالات؛ فمنهم من يعمل ورديتين، ويظل في عمله يومًا كاملًا، وورديات تتطلب السهر حتى الصباح، ومن ثم نحتاج أن نبحث مشكلاتهم، حيث لا توجد لهم مثلا نقابة، أو هيئة رسمية تنظم أمورهم، وبالطبع لا تأمينات على معظم من يعملون لدى سوبر ماركت أو مطاعم صغيرة، ومنهم من يتم فصله عن العمل لمجرد شكوى تأخير الوجبة أو الطلب من العميل، وأتمنى هنا عبر هذه السطور أن يتم النظر إليهم، وتقنين أوضاعهم في منظومة معينة حتى يصبح لمن يعملون بها حقوق وواجبات.

 

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبّر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 2