التغلغل التركي الصلب والناعم في إدلب

اعداد قسم الدراسات - وكالة أنباء آسيا

2022.05.26 - 01:32
Facebook Share
طباعة

          يقول "Robert E. Hamilton", الاستاذ المشارك في الدراسات الأوروبية الآسيوية في كليَّة الحرب بالجيش الأمريكي, وزميل البحر الأسود في معهد أبحاث السياسة الخارجية, أنَّه بحلول أوائل العام 2019م، بقيت ثلاث مناطق فقط من سورية خارج سيطرة الحكومة, أوَّلها كان التنف في المنطقة الحدودية بين سورية والأردن والعراق, حيث كانت قوة عسكرية أمريكية تحمي مجموعة معارضة تدعمها الولايات المتحدة, وكذلك مخيم الركبان للنازحين داخليًا, والثانية هي منطقة شمال وشرق الفرات, والتي "حررتها" الولايات المتحدة والميليشيا الكردية العربية المعروفة باسم قوات سورية الديمقراطية (قسد) من سيطرة داعش, والثالثة كانت إدلب, وأضاف التقرير, فتح الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة من منطقة شمال وشرق الفرات أواخر عام 2019م الطريق, أمام هجوم تركي ضد قوات سورية الديمقراطية, وكانت إدلب رسميًا على الأقل, محميَّة باتفاقية خفض التصعيد الموقعة في عام 2018م, ونصت هذه الاتفاقية على إنشاء منطقة منزوعة السلاح من 15 إلى 25 كيلومترًا بين القوات الحكومية والمعارضة, وألزمت القوات الحكومية بالامتناع عن شن هجمات على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون " القوات المتطرفة "مثل هيئة تحرير الشام لمغادرة الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون, وأجبرت القوات" المعتدلة "مثل الجيش السوري الحر / الجبهة الوطنية للتحرير على سحب أسلحتها الثقيلة, وأقامت تركيا نقاط مراقبة عسكرية على الجانب الذي يسيطر عليه المتمردون من المنطقة منزوعة السلاح, وعندها بدأت تركيا عبر العديد من الطرق والأدوات بالتغلغل في إدلب منها التغلغل "الصلب", والتغلغل الناعم:
أولاً). التغلغل التركي الصلب:
          نشرت تركيا قوات عسكرية كبيرة في إدلب منذ أواخر عام 2017م, وتسيطر أيضًا على أهم طرق العبور للأجزاء التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام" في إدلب, وتُعتبر الهيئة الفاعل المهيمن في إدلب, وهي مصدر قوَّة لأنقرة, ويقول البروفيسور "جوشوا لانديس", مدير "مركز دراسات الشرق الأوسط" في "جامعة أوكلاهوما" فإن الولايات المتحدة تدعم تركيا في إدلب وتريد تحويل سورية إلى مستنقع لكل من روسيا وإيران من خلال إيجاد مجموعات حليفة يمكن أن تمنع دمشق من استعادة شمال البلاد. إلى جانب ذلك, قال لانديس إن "أصول" هيئة تحرير الشام وتركيا "تخدم السياسة الأمريكية في حرمان دمشق من الوصول إلى النفط والمياه ومعظم الأراضي الزراعية الأفضل في سورية", وبالتالي تُعتبر الهيئة الذراع الصلب للتغلغل التركي في إدلب[1].
          وحسب موقع "mei", فإنَّ مصير إدلب له أهمية وجودية بالنسبة لتركيا, وخاصة للرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية (AKP), إذا تعرضت إدلب للضغط أكثر من ذلك بكثير, فإن الحجم الهائل لأزمة النازحين داخلياً, من شأنه أن يزيد الاحتمال الحقيقي لتدفق جديد للاجئين عبر الحدود إلى تركيا, وهذا سيؤثر على الانتخابات الرئاسيَّة القادمة[2], وكان ذلك التغلغل الصلب يعتمد على:
1.   إشراك "الفصائل" المعارضة بالحياة المدنيَّة:
          ومن أساليب تركيا في إدلب, العمل على إشراك القوى التابعة لها, عبر العديد من الفصائل, والاعتماد عليها في داخل إدلب, والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال, وقال "Carlotta Gall", في موقع "نيويورك تايمز" أقامت تركيا إدارتها الخاصة, ودرَّبت ودمجت قوَّات صديقة لتحويل الميليشيات إلى قوة شرطة عسكرية, وإنشاء مجالس محلية, لإدارة الأمور في إدلب[3].
2.   تحقيق الوفاق بين الفصائل المعارضة:
          وحسب موقع "mei", منذ بداية انتشارها في إدلب, كان نهج تركيا تجاه تحدي هيئة تحرير الشام, هو "الانخراط للسيطرة والتقسيم", وكانت هيئة تحرير الشام قد كشفت بالفعل عن استعدادها لمواصلة الحوار مع تركيا, وبالفعل, جاءت عمليات الانتشار التركية الأولية في إدلب في أكتوبر 2017 بعد أيام من المفاوضات المباشرة مع هيئة تحرير الشام وبالتنسيق معها, كما عززت تركيا علاقات حميمة مع الجماعات الإسلامية مثل "فيلق الشام" و"أحرار الشام", ولم يؤيد فيلق الشام ولا أحرار الشام نزاعًا مسلحًا مع هيئة تحرير الشام, وبدلاً من ذلك فضلوا التمكين التدريجي لخصوم هيئة تحرير الشام, جنبًا إلى جنب مع تركيا, مع إشراك الجماعة في الوقت نفسه ومحاولة تمكين جانبها البراغماتي وإضعاف قوتها أو عزل ميولها المتطرفة التي لا يمكن التوفيق بينها, وحسب التقرير, ظلت هيئة تحرير الشام في موقف يبدو أنه لا يمكن التغلب عليها, فيما يتعلق بميزة داخلية داخل إدلب, وعلى هذا النحو, كانت مفاوضاتها مع تركيا في ذلك الوقت مجرد مفاوضات, حيث جاءت هيئة تحرير الشام إلى الطاولة وهي تتمتع بالنفوذ, فعندما تم التوصل إلى اتفاقات للسماح للقوات التركية بدخول إدلب, رافقهم مقاتلو هيئة تحرير الشام إلى مواقع, حددتها مسبقًا القيادة العسكرية لهيئة تحرير الشام, واحتفظت الهيئة بشبه سيطرة على التطورات, ووفرت لقيادتها عنصر تغطية للانخراط مع تركيا في المقام الأول, وبالتالي منذ العام 2018 وحتى عام 2019م, خدم هذا الترابط كلاً من هيئة تحرير الشام وتركيا جيدًا, وعززت هيئة تحرير الشام موقعها في السلطة في إدلب, ووسعت نطاق وكيلها الحاكم, "حكومة الإنقاذ", وبالتالي, فإن الديناميكيات المتطورة بشكل جماعي, ربما كانت تشكل لصالح تركيا أكثر من هيئة تحرير الشام, بعد ذلك عرض زعيم الهيئة "الجولاني" اقتراحًا لإنشاء "حكومة موحدة لشمال سورية المحررة" بقيادة "رئيس الوزراء", وبدأ المكتب السياسي لهيئة تحرير الشام, "الذي يدير منشأة في جنوب تركيا ويديره شاب سوري حاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية", في وضع أفكار من خلال وسطاء لفتح تفاعل مع الحكومات الأوروبية, والتي أجاب العديد منها في النهاية ودخلت في عملية "استكشافية سرية".
3.   التعاون الاستخباري:
          حسب "Charles Lister", زميل أول ومدير برنامج مكافحة الإرهاب والتطرف في MEI, وكانت هيئة تحرير الشام مهتمَّة في المقام الأول بمواجهة النظام, ويمكن القول إن محاولاتها للقيام بذلك استفادت من جهود تركيا المتزايدة لدعم شركائها المعارضين في إدلب, من خلال الاستخبارات والأسلحة والذخيرة والعمليات الشريكة العرضية, ووجدت بعض الأسلحة طريقها مباشرة إلى أيدي هيئة تحرير الشام, ما زاد من احتمالية قيام تركيا عن قصد بتمكين وحدات فرعية مختارة لهيئة تحرير الشام, للقتال على الخطوط الأمامية المهمة للمصالح التركية, على هذا النحو, استمر التنسيق المحدود بين هيئة تحرير الشام وتركيا ولم يكن لدى هيئة تحرير الشام سبب وجيه لتحدي دور تركيا في إدلب, خاصة بعد اتفاق روسي تركي في العام 2020م, لتسيير دوريات مشتركة على الطريق السريع, ومضمون هذا التنسيق تم تمريره إلى القادة داخل إدلب, من قبل مسؤولي المخابرات التركية, وهذا ما واجهته الهيئة بداية, لكن الانقلاب على تركيا خيار محفوف بالمخاطر, نظرًا لحقيقة أنها تظل أفضل فرصة لإدلب, لتفادي الإبادة الكاملة من قبل النظام وروسيا وإيران, لذلك, لم تحظ مكالمات هيئة تحرير الشام إلا بالحد الأدنى من الدعم الشعبي, ومع ضغط تركيا حول المعابر, التي تعتبر فيه المسألة تجارية وحساسة بالنسبة للهيئة, استسلمت للأمر الواقع, خاصة بعد تهديد العديد من العناصر الفرار إلى تركيا, وبالتالي أضحى الوضع برمَّتِه, يتماشى مع التفكير الأصلي لتركيا[4].
ثانياً). التغلغل التركي الناعم:
          حسب موقع "الشرق الأوسط" تركيا تخطط لتحويل توغلها العسكري إلى احتلال ناعم لشمال سورية, وحسب دراسة ماجستير, لوناس حمزة وآيات معمر قاية, في جامعة مولود معمري تيزي وزو, في كلية العلوم الحقوق والعلوم السياسية, العام 2021م, قالت الدراسة, يمكن القول أن طبيعة المكون السياسي الداخلي والتغيرات الدولية, أثرت بشكل كبير على سياسة تركيا الخارجية, التي أرادت من خلالها تركيـا لعـب دور إقليمي محوري في منطقة الشرق الأوسط, وفي إطار هذه العملية فان السياسة الخارجية التركية وانطلاقا مـن العثمانيـة الجديدة, تحولت ليس فقط في المضمون ولكن فـي الأدوات والآليـات لإدارة ملفـات خارجية نشيطة, وقد تركز الاهتمام السياسي الخارجي على مختلف القضايا التي تقـع ضمن المجال الحيوي التركي[5], وهناك العديد من الأساليب التي اتخذتها تركيا في هذا الإطار:
1.    التغلغل الثقافي والتعليمي:
          يعكس قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فتح كلية طب, ومعهد عال للعلوم الصحية في مدينة الراعي بريف حلب الشمالي، مخاطر ذلك التغلغل الناعم, عبر إنشاء مؤسسات تعليمية وهيئات إدارية, والغاية منها تثبيت الوجود التركي بشكل دائم في تلك المناطق, حيث يسعى أردوغان عبر هذا القرار إلى الإيهام بأنه خطوة لدعم الجهود الإنسانية والتعليمية, لمساعدة سكان تلك المناطق الخاضعة لسيطرة قواته, وشهدت مناطق سيطرة الجيش التركي في شمال وغرب سورية افتتاح عددً من المعاهد والأقسام الدراسية الجامعية تتبع لجامعتي غازي عنتاب وحرّان التركيتين, في المناطق الخاضعة لسيطرة للقوات التركية وفصائل المعارضة في الشمال السوري, كما أسَّست الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا, "جامعة حلب الحرة" في العام 2015م, وتعترف الحكومة التركية بالشهادات الصادرة عنها, وبلغ عدد طلابها نحو سبعة آلاف طالب, وتتوزّع كلياتها على محافظتي إدلب وحلب, وثمة مخاوف من تغلغل الثقافة التركية في شمال لسورية وطمس الهوية الوطنية, تحت غطاء مزاعم المساعدة[6].
          وقال "Lyse Mauvais", تهيمن جامعتان على مشهد التعليم العالي: جامعة حلب الحرة الواقعة في ريف حلب الشمالي تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة المدعومة من تركيا, وجامعة إدلب التي تديرها حكومة الإنقاذ السورية التابعة لهيئة تحرير الشام, "SSG", هذا بالإضافة إلى عدد قليل من الجامعات السورية الخاصة المعتمدة فقط من قبل سلطات المعارضة, غالبية الطلاب مسجلين في جامعة إدلب, والتي بلغ عدد طلابها في 2019 15 ألف طالب جامعي من أصل 23 ألف طالب جامعي في مناطق المعارضة وهيئة تحرير الشام, وتستفيد الحكومة المؤقتة في شمال حلب من علاقة وثيقة مع تركيا, التي شجعت صعود الشركات والخدمات التركية في شمال غرب سورية, التي انتقدها البعض باعتبارها سياسة الضم الاقتصادي والثقافي للمنطقة[7], وحسب تقرير "the national news", تقع العديد من منازل تركيا حول إدلب, آخر منطقة يسيطر عليها المتمردون في سورية, وحسب موقع "kurd press", أسكن الأتراك عشرات العوائل التركمانية في قرى قرب مدينة عفرين الكردية, ما سمح لهم بالاستيلاء على أراضي في ريف عفرين وبناء سبع قرى "نموذجية" لتوطين عائلات إضافية من الفصائل الموالية, لا سيما التركمان[8], كما استخدمت أنقرة الحزب الإسلامي التركستاني, وهو فصيل إسلامي من الأويغور تجمع في إدلب ويعتبر حركة إرهابية, لمحاربة الأكراد وعرضت تعويض أفراده بتوطينهم وعائلاتهم في سورية, وتم تعديل المناهج الدراسية في الأراضي السورية, التي تسيطر عليها المعارضة, كمثال تم الاستعاضة عن عبارة "الاحتلال العثماني" للمنطقة بـ"الحكم العثماني", وأصبح الآن تعلم اللغة التركية إلزاميًا في حوالي خمسمائة مدرسة تضم مئات الآلاف من الطلاب في المرحلتين الابتدائية والثانوية.
          كما افتتحت تركية مجموعة من المدارس التركية, كمدرسة "بولنت البيرق" الابتدائيَّة, بعد مقتل ضابط بالجيش أثناء القتال في المدينة, ومدرسة أخرى في بلدة تل أبيض, كانت تسمى "نبع السلام", وافتتحت مدرسة ثالثة تسمى "أنقرة" في رأس العين, وفي عفرين, افتتح الأتراك مدرسة ثانوية إسلامية على غرار مدارس الإمام الخطيب التركية المثيرة للجدل, والتي تدرب الأئمة, وتم افتتاح مدرسة ثانوية أخرى في جرابلس وسميت على اسم "أحمد تورغاي إمامجيلر", نائب حاكم مدينة غازي عنتاب التركية, خطوة أخرى في مجال التعليم هي منظمة بيت "السلام الباكستانية", مقرها كراتشي, وتابعة لوكالة "amic", التي تقول إنها تركز على التعليم والوعظ, وهي عضو في اتحاد المنظمات غير الحكومية في العالم الإسلامي "IDSB", وهو وكيل لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا, وفي مارس, افتتحت المجموعة مدرسة في رأس العين خلال حفل حضره حاكم "سانليورفا" عبد الله إيرين, وافتتحت بيت السلام, وبالتعاون مع مديرية الشؤون الدينية التركية, مشروعًا سكنيًا في بلدة جنوب إدلب يضم مدرسة ومسجدًا, كذلك افتتحوا معًا مدرسة ابتدائية في إدلب باسم "عبد الحميد الثاني", الذي كان السلطان الرابع والثلاثين للإمبراطورية العثمانية, وقبل عام, افتتحت المنظمة تسع مدارس في إعزاز بالتعاون مع وكالة رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التابعة للحكومة التركية "آفاد", وفي المجموع, تعمل الآن أكثر من مائتي مدرسة دينية في المناطق التي تسيطر عليها تركيا, وتقدِّم المنظمة غير الحكومية الإسلامية المتطرفة في تركيا, مؤسسة حقوق الإنسان والحريات والإغاثة الإنسانية "IHH", الدعم المالي واللوجستي لـ"جامعة الشام الدولية" في إعزاز التي تضم خمس كليات, بما في ذلك الشريعة والقانون, وفي الآونة الأخيرة, تم افتتاح مركز الأناضول الثقافي, الذي يدعي الترويج للثقافة الأناضولية والتركية في عفرين وإعزاز.
2.    استغلال المكونات الديموغرافيَّة:
          فحسب موقع "interregional", من الواضح بروز اهتمام تركي "بتركمان سورية" منذ بداية الحرب فيها, حيث تشير تقارير إلى أن تعداد الأقلية التركمانية بسورية 100 إلى 200 ألف نسمة، ويوجدون في غالبية أنحاء سورية، لكنهم يوجدون بكثافة في منطقة الشمال؛ ففي محافظة حلب يرتكزون في مناطق منبج والباب وجرابلس والراعي (جوبان باي) وإعزاز، كما يوجد في محافظة حلب 145 قرية تركمانية شمال المحافظة، وفي محافظة الرقة وتل أبيض نحو 20 قرية تركمانية، وفي محافظة حمص وريفها يوجد نحو 57 قرية تركمانية، وفي اللاذقية توجد 70 قرية، وفي محافظة حماة نحو 30 قرية تركمانية، بجانب وجودهم في طرطوس والجولان وإدلب ودمشق, وبالتالي عملت تركيا على تلك الأقليَّات لزيادة تغلغلها الناعم في سورية[9], فحسب تقرير "Gokhan Ergocun" في موقع "aa", تستهدف الجامعات التركية في الغالب التركمان السوريين, ومجتمعهم الصغير, "إنهم يتلقون دعمًا كبيرًا من الأتراك, على المستوى التعليمي والعسكري والمالي", وحسب موقع "كرد برس" تأسس في العام 2012م, "جمعية التركمان السورية" في اسطنبول بهدف خلق هيكل تنظيمي لهم, وفي آذار / مارس 2013, أعيدت تسميتها بـ"التجمع التركماني السوري" خلال اجتماع حضره وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو, الذي أكد في كلمة له أن بلاده "ستستمر في الوقوف إلى جانب التركمان السوريين تحت أي ظرف من الظروف".
3.    بناء المنازل, واستغلال الحالات الإنسانيَّة:
          فحسب "Gokhan Ergocun" في موقع "aa", تواصل المنظمات غير الحكومية التركية بناء منازل للمحتاجين في إدلب بسورية, حيث أكملت جمعيَّة "الفكر الحر وحقوق التعليم" "Ozgur-Der", وجمعيَّة "Fetih", بالتنسيق مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ "AFAD" التي تديرها الدولة في تركيا, بناء 10 وحدات من المباني المكونة من ثلاثة طوابق, وتشمل منازل لـ250 عائلة, كما أعلنت تركيا أن المنظمات غير الحكومية والمؤسسات التركية ستبني 50000 منزل من "قوالب الفحم" في محافظات شمال سورية, كما تبرع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخمسين منزلاً, وقال "رضوان كايا", رئيس مجلس إدارة "أوزغور دير", إن الأشخاص الذين فقدوا أطرافهم بسبب الصراع في البلاد وأسرهم سيعيشون في هذه المنطقة, وأشار إلى أنه "يجب نقل هؤلاء الأشخاص من الخيام حيث يكون الجو حارا جدا في الصيف وبارد في الشتاء وظروف المعيشة صعبة للغاية", وقال "يلماز بولات", رئيس "Fetihder", إنه من المهم جدًا للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في الخيام الانتقال إلى هذه المنازل[10].
4.    دعم القطاع الصحي والتغلغل لحاجات إنسانيَّة:
          حسب تقرير "the national news", أنفقت أنقرة حوالي 100 مليار دولار على الإسكان والرعاية الطبية والتعليم للسوريين[11], ويشير موقع "relief web", إلى عمل "منظمة
أطباء العالم", في فرعها في تركيا "MDM-T, بالتنسيق مع "Dünya Doktorları Derneği ", وهي منظَّمة إنسانية غير حكومية مقرها تركيا, تسهل الوصول إلى الرعاية الصحية للسكان المتضررين من النزاع المسلح والعنف والطبيعي, الكوارث والمرض والمجاعة والفقر والاستبعاد, في مناطق مختلفة من الشمال السوري, وإدلب, بدعم مباشر من تركيا, وتنفذ "DDD" برامج في كل من تركيا وسورية لتزويد مجتمعات اللاجئين والنازحين داخليًا بإمكانية الوصول المجاني إلى خدمات الرعاية الصحية, وتعمل مع مجموعة من المتخصصين في المجال الإنساني والخبراء التقنيين, لتوفير خدمات الرعاية الصحية الأولية "PHC", والصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي "MHPSS", بالإضافة إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجابية "SRH", وتدير مرافق صحية في محافظتي عفرين وإدلب لتقديم الخدمات المتعلقة بالصحة للنازحين[12], كذلك افتتحت الحكومة التركية مستشفيات في جرابلس وإعزاز والباب ومارع وراعي.
5.    آلية التتريك:
          حسب موقع "kurd press", يقول "رؤوف بيكر", صحفي وباحث لديه خبرة في أوروبا والشرق الأوسط, عملت تركيا على اتباع سياسة التتريك, في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سورية, حيث تتضمن حزمة أنقرة للتتريك, من بين أمور أخرى, مطالبات تاريخية وتغيير أسماء القرى والساحات العامة, كما تقدم تركيا ووكلائها خدمات أساسية متنوعة للسكان المحليين بهدف نهائي هو ربط المدن والبلدات السورية بالمقاطعات التركية, وجعل سكانها يعتمدون كليًا على تركيا ", ويجادل "بيكر" في مقال بحثي, في مجلة الشرق الأوسط الفصلية, أنَّ حكومة أردوغان تسعى لفرض "الأمر الواقع" بهدف, كما يدعي, لإعادة رسم الحدود في وقت ما في المستقبل, واعتبر أنَّ استراتيجية التغيير الديموغرافي, أكثر وضوحا في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال وشمال شرق سورية, والتي خضعت لتغيير شامل ومنهجي للهوية على أساس عملية تدريجية لاستخدام "القوة الناعمة" لترسيخ نفوذ أنقرة, فنتيجة لهذه الإجراءات, تسيطر تركيا الآن على أكثر من 8000 كيلومتر مربع في سورية, أو ما يقرب من 4.9 في المائة من الدولة التي مزقتها الحرب, ويتمركز هناك ما بين 12000 و 15000 جندي تركي, في المدن الرئيسية الخاضعة للسيطرة التركية كإعزاز, مارع, الباب, جرابلس, عفرين, رأس العين (سري كانيه) وبلدة الراعي, كما شكلت أنقرة ميليشيات سورية تابعة لها قوامها ما بين 80 إلى 100 ألف مقاتل, يذهب معظمها بأسماء تركية وعثمانية, أبرزها "سلطان مراد", "محمد الفاتح", "لواء سمرقند", و"سليمان شاه", ما أسفر عن مجموعة من الشباب المقاتلين في أبريل 2019م, أطلقوا عليها لقب "أحفاد أرطغرل".
6.    تغيير الهويَّة الوطنية في مناطق المعارضة:
          فحسب موقع "kurd press" فإنَّ أحد المشاريع التركيَّة هو مشروع "بسمة", وهي برعاية جمعية الأيادي البيضاء المدعومة من الكويت, والتي تضم مسجدًا ومركزًا لتحفيظ القرآن بدعم من جمعية عربيَّة إسرائيليَّة, "عليش بكرمة", وفي غضون ذلك, يُقال إن ما يسمى بحكومة الإنقاذ, بقيادة الفرع الرسمي للقاعدة في سورية, هيئة تحرير الشام, أنشأت دائرة سجل مدني ومجالس محلية مرتبطة بتركيا, وأصدرت بطاقات هوية جديدة في مناطق سيطرتها في إدلب وريفها, كما دعا المجلس المحلي المعين من قبل تركيا في مدينة رأس العين الكردية بمحافظة الحسكة قرب الحدود العراقية, في تعميم ديسمبر / كانون الأول 2020م, العراقيين الذين قيل إنهم يقيمون في المدينة وريفها إلى التقدم للحصول على بطاقات الهوية, ويبدو أن هؤلاء الأشخاص استقروا هناك بدعم تركي, ومنهم تركمان عراقيِّين الذين قاتلوا مع الفصائل الإرهابية عبر الحدود, وتم منحهم منازل تمت مصادرتها من أصحابها النازحين, كما اتخذت تركيا خطوات لمحو الهوية السورية نفسها, حيث صدرت تعليمات للسوريين في ريف حلب, للحصول على بطاقات هوية جديدة لها رمز خاص, مرتبط بدوائر السجل المدني في محافظات هاتاي وكلس وغازي عنتاب جنوبي تركيا, حتى لوحات تسجيل المركبات ورخص القيادة مرتبطة الآن بالنظام التركي[13].
7.    في المجال الزراعي:
          في نوفمبر 2018 ذكرت صحيفة "يني شفق" التركية المعروفة بدعمها المتشدد للرئيس رجب طيب أردوغان, أنَّ تعاونيات الإقراض الزراعي التركيَّة, كانت تساعد في بيع زيتون عفرين دوليًا, وأن "سوق زيتون عفرين "تبلغ قيمته 200 مليون دولار سنويًا", واستغلت تركيا ذلك سياسيَّا, لمنع وصول عوائد الزيت إلى الأكراد, والضغط عليهم[14].
8.    تغلغل في مجالات البريد والاتصال والكهرباء:
          حيث تُقدِّم المديرية العامة للبريد التركي خدماتها في إعزاز ومارع والباب وجرابلس وعفرين وراعي, للموظفين الأتراك والمواطنين السوريين, حيث تتعامل مع البنوك والتحويلات المالية والشحن ورواتب المعلمين, موظفون سوريون وجنود أتراك وشرطة محلية بالليرة التركية, وأقامت أبراج خلوية تملكها شركة ترك تليكوم في ريف حلب وإدلب, كذلك افتتحت ترك تليكوم أيضًا مركز خدمة في إعزاز منذ يوليو 2018م, مع مزود إنترنت عالي السرعة, كذلك أقامت شركة الكهرباء التركية العملاقة "Akenerji" محطة كهرباء في إعزاز, وأنشأت شبكة كهرباء أخرى في جرابلس والباب, ويقوم حكام المقاطعات التركية, وهم الحكام الفعليون, بتعيين رؤساء المجالس المحلية بينما يتم تمويل المشاريع حصريًا من قبل البنوك التركية التي تودع فيها أموال كل مجلس, حتى تعيين القضاة والمحامين يتطلب موافقة وزارة العدل التركية, بينما أخذت مديرية الشؤون الدينية التركية "ديانت" على عاتقها تجديد مئات المساجد, وأنشأ الأتراك مناطق صناعية حرة مرتبطة بتركيا, لتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير مع فتح معبر "غصن الزيتون" في مارس 2019م, لنقل البضائع في كلا الاتجاهين, عمليًا, فإن أنقرة تسيطر بشدة على الاقتصاد المحلي للمحافظة, وتشرع في مشاريع استثمارية ضخمة في إدلب, وتحافظ على وجود عسكري هناك.
9.    التغلغل التركي الناعم الإعلامي والنفسي والدعية:
          ويقول "رؤوف بيكر" الصحفي والباحث المختص في أوروبا والشرق الأوسط, في تقرير نشر في "ahvalnews", كدليل على التأثير التركي في الحياة في إدلب, وكنوع من التغلغل الناعم, تُرفع الدوائر الحكومية والرسمية العلم التركي فوق مبانيها, و"تزيَّن" الجدران بصور أردوغان, في حين أن أسماء الأقسام والمؤسسات مكتوبة باللغتين التركية والعربية, فإن النسخ التركية بحجم خط أكبر من العربية, وسميَّت ساحة السرايا في عفرين بـ"ساحة أردوغان", وتحوَّل "دوار كاوة الحداد" إلى دوار غصن الزيتون, وأصبحت الحديقة العامة في إعزاز الآن حديقة "الأمة العثمانية" وكذلك قرية "قسطل مقداد" بالقرب من عفرين تسمى الآن "سولجوك أوباسي", وقد تم تغيير اسم قرية "كوتانا" إلى "ظافر أوباسي", وتشير وسائل الإعلام الرسمية التركية إلى الراعي "باسم كوبانبي", وهو الاسم العثماني القديم, كذلك تكرِّر الدوائر السياسية والإعلامية التركية باستمرار أن الباب كانت مملوكة لعبد الحميد الثاني, وفي أغسطس / آب 2017م, قال حفيده, "أورهان عثمان أوغلو", إن لديه صكًا يثبت أن مناطق في شمال حلب والباب تنتمي إلى عائلته, وفي وقت سابق أعلنت تركيا عزمها تحويل منزل في بلدة راجو شمال غرب عفرين إلى متحف, بحجة استخدامه من قبل مؤسس الجمهورية "مصطفى كمال أتاتورك" خلال الحرب العالمية الأولى, وأكَّدت أنقرة أن عفرين نفسها لا تزال قائمة, تحت الإدارة التركية حتى نهاية عام 1921م, كذلك صرح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو, الذي قام في مايو من العام الماضي بزيارة غير مسبوقة إلى الراعي, بأن شمال سورية "جزء من الوطن التركي وفقًا لميثاق الملة لعام 1920م", وحسب التقرير قد يكون الهدف النهائي لإستراتيجية التغيير الديموغرافي لأنقرة هو جعل المناطق التي تسيطر عليها تركيا امتدادًا طبيعيًا لجنوب تركيا[15].

 


[2]- https://www.mei.edu/publications/idlib-set-internal-strife
 
[3]- https://www.nytimes.com/2021/02/16/world/middleeast/syria-turkey-erdogan-afrin.html
[4]- https://www.nytimes.com/2021/02/16/world/middleeast/syria-turkey-erdogan-afrin.html
[5]- رسالة ماجستير غير منشورة, لوناس حمزة وآيات معمر قاية, جامعة مولود معمري تيزي وزو, كلية العلوم الحقوق والعلوم السياسية, العام 2021م.
[6]- https://middle-east-online.com/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%AE%D8%B7%D8%B7-%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%8A%D9%84-%D8%AA%D9%88%D8%BA%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%84-%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%85-%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
[7]- https://syriadirect.org/university-students-in-opposition-areas-seek-recognition-for-their-studies/
[8]- https://kurdpress.com/en/news/1416/Will-Turkey-annex-northern-Syria/
[10]- https://www.aa.com.tr/en/middle-east/turkish-ngos-continue-to-build-houses-for-needy-in-idlib-syria/2308570
[11]- https://www.thenationalnews.com/mena/syria/2022/05/03/turkeys-president-erdogan-unveils-plan-to-return-1m-syrian-refugees/
[12]- https://reliefweb.int/job/3849477/programme-coordinator-syria
[14] - https://politicstoday.org/education-civil-war-northern-syria-azaz-idlib/
[15]- https://ahvalnews.com/syria-turkey/will-turkey-annex-northern-syria-middle-east-quarterly
 
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 4