هجرة الشباب اللبناني بحثا عن مخرج للأزمة "تهدد مستقبل البلاد"

2022.05.05 - 11:47
Facebook Share
طباعة

 في خضم الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الطاحنة التي يمر بها لبنان منذ ثلاث سنوات، بدأ الشباب اللبناني في البحث عن مهرب منها خارج البلاد لتأمين مستقبله. ولا يترك هذا الرحيل الجماعي للشباب اللبناني الكثير من الأمل في حدوث تغيير حقيقي للطريقة التي تحكم بها البلاد.

في حين يواصل لبنان الانزلاق في هاوية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتراكمة، ستجري انتخابات تشريعية في 15 أيار/مايو الجاري. ففي تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 عمت البلاد حركة احتجاجية ضد الفساد وسياسات النخبة الحاكمة، وهي الحركة التي بثت الأمل في نفوس الشباب في تحقيق تغيير واقعي وملموس. لكن هذا الحراك التاريخي لم يكن ليمنع البلاد من الانزلاق البطيء في الهاوية الاقتصادية، وما زاد الطين بلة بعد ذلك كان انهيار الليرة والارتفاع القياسي في نسبة التضخم.

ومع اقتراب موعد الاستحقاق التشريعي، تخيم ظلال من انعدام الثقة بين الجماهير اللبنانية في حدوث تغيير حقيقي. خيبة الأمل هذه دفعت بالكثير من الشباب اللبناني إلى تجاهل السياسة والسياسيين والبدء الجدي في البحث عن مهرب خارج البلاد.

الرحيل للهرب من "المجهول"

 

لم يكن يتبق للفتاة بيرلا سوى عام واحد لإنهاء دراستها بالجامعة الأمريكية في بيروت والحصول على ليسانس الكيمياء ومع ذلك سارعت بالتسجيل في جامعة أخرى بالولايات المتحدة لإكمال دراساتها. في الولايات المتحدة لا يستغرق الحصول على نفس الشهادة إلا دراسة عام واحد أكثر من الجامعة الأمريكية في بيروت. وعلى الرغم من ذلك لم يكن اتخاذ هذا القرار صعبا عليها. وبحلول آب/أغسطس عام 2021، كانت بيرلا قد حجزت تذكرة السفر وحزمت حقائبها بالفعل.

وتشرح بيرلا هذا الموقف بقولها "كنت على أتم الاستعداد لدراسة عام آخر في الخارج عوضا عن المخاطرة بالبقاء في لبنان ومواجهة المجهول". "سأعود يوما إلى لبنان دون تردد إذا كان ذلك في استطاعتي، لكني اعتزم البقاء في الخارج والبدء في دراسة الطب وهو طريق لا شك طويل. لذا أرغب في بدء مشواري في المكان الذي أرى فيه بوضوح مستقبلي".

وحالة بيرلا ما هي إلا مثال على عدد لا حصر له من الحالات الأخرى. فقد أظهرت دراسة قامت بإجرائها سعاد منحم، الأستاذة المساعدة والباحثة بمعهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية، وشملت 1023 شابا لبنانيا تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، أن 75,6 بالمئة من هؤلاء الشباب يأمل في الرحيل عن لبنان. في حين قال 26,7 بالمئة منهم إنهم قد جهزوا، أو بصدد تجهيز، أوراقهم للهجرة من البلاد.

وأجريت هذه الدراسة في الفترة الواقعة بين آذار/مارس ونيسان/أبريل عام 2021. وترجح سوزان منحم أن هذه النزعة للرحيل قد زادت حدتها أكثر وباتت واضحة الآن مقارنة بذي قبل وذلك نظرا لاستمرار التدهور وتسارع وتيرته في هذا البلد الصغير.

لكن جوزيف باحوط، مدير معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت، يرى أن هجرة الشباب اللبناني المتعلم للخارج ليست بالظاهرة الجديدة. لكن هذه الظاهرة زادت حدة وكثافة لا سيما في السنوات الأخيرة كما باتت مصحوبة بمشاعر نبذ أكثر عمقا للبنان. ويقول إن كثيرا من هؤلاء الشباب الراحلين اليوم "لا يريدون النظر للوراء مرة أخرى".

الانطباع بأن البلاد غارقة في الفشل

 

"إن أسباب هذه الظاهرة واضحة. فقد كانت آفاق تغيير الوضع أفضل كثيرا من قبل". هكذا يعلل جوزيف باحوط. "أما اليوم فهناك انطباع سائد بأن البلاد غارقة لأذقانها في الفشل - ليس سياسيا فحسب وإنما سياسيا واجتماعيا أيضا".

وطبقا لما تقوله سوزان منحم، فإن 90 بالمئة من المستطلعة آراؤهم في الدراسة أعربوا عن رغبتهم في مغادرة البلاد لأسباب متعلقة بالأزمة الاقتصادية، بينما قال 67,5 بالمئة إن الأسباب وراء رغبتهم في الهجرة سياسية.

كانت جنا، 24 عاما، واحدة من آلاف الشباب الذين شاركوا في احتجاجات عام 2019 للتنديد بفساد النخبة ورفع لافتة المطالبة باستقالة الحكومة وكذلك إجراء انتخابات مبكرة. وعلى الرغم من ذلك، فمع اقتراب الانتخابات البرلمانية لعام 2022، لم تعد متأكدة من رغبتها بالإدلاء بصوتها فيها. "لقد كان الحراك حقيقيا وواقعيا، لكن الوعود السياسية ظلت وهما. لقد كان مترسخة لدي حقيقة أن لبنان لم يكن بلدا مزعزعا ولم أكن أرغب في الرحيل. أما اليوم، يجتاحني الخوف عندما أفكر أنني لن أستطيع المغادرة". تقول جنا.

لقد نجحت جنا في الحصول على فرصة لدراسة الماجستير في جامعة أجنبية. وها هي تنتظر تأشيرة السفر للرحيل عن لبنان في آب/أغسطس المقبل. تضيف قائلة "لماذا أدلي بصوتي، ولمن؟ حتى المجموعات البديلة التي انبثقت من رحم انتفاضة 2019 لم تستطع تشكيل قائمة انتخابية موحدة لخوض غمار الانتخابات. لقد نخر الفساد عظام كل شيء في هذه البلاد بداية من النظام ووصولا للمواطنين".

هجرة جماعية تهدد "مستقبل لبنان بأكمله"

 

يوضح جوزيف باحوط قائلا إن الآمال التي عبر عنها المتظاهرون في 2019 ولا سيما في أوساط الشباب، قد تبخرت تماما اليوم تاركة اللامبالاة بين المواطنين تملأ الفراغ. مضيفا: "يتساءل البعض: لماذا لا يثور الناس كما فعلوا عام 2019، على الرغم من أن الوضع الحالي أسوأ بكثير مما كان عليه آنئذ". ثم يتابع: "طالما لم يكن أحد عالقا مباشرة في النظام، فهو ليس مستعدا لدفع ثمن باهظ من أجل التغيير".

وحسب الإحصاءات التي وفرتها شركة أبحاث واستشارات مستقلة مقرها في بيروت، فإن نحو 79,134 شخصا قد غادروا لبنان عام 2021 فقط. وهي أكبر موجة من الهجرة المسجلة في السنوات الخمس الأخيرة.

"تعكس هذه الأرقام انخفاضا في الالتزام نحو البلد، وهو ما سيؤدي إلى نقص في العمالة الماهرة والعمال الشباب"، يقول جوزيف باحوط محذرا. ويضيف "على المدى الطويل، إذا افترضنا أن أولئك الذين يغادرون هم من الطبقة الوسطى، فإن هذا النزوح يمكن أن يستنفد المؤسسات الديمقراطية ويضعف النظام الاجتماعي الليبرالي".

هذا الاحتمال يقلق أيضا سوزان منحم. فتقول: "إن الأزمات التي يواجهها لبنان لم تؤثر فقط على الشباب". "لقد رأينا أطيافا أخرى من السكان - مثل الأطباء والمحامين والأكاديميين - تغادر البلاد أيضا. إن النسبة العالية من الشباب الذين يسعون إلى الهجرة لا تهدد قطاعات معينة فحسب، بل تهدد مستقبل لبنان بأكمله. فكلما زاد عدد الأشخاص الذين يغادرون، زاد فقدان لبنان لمواهبه وللفاعلين الأساسيين في صياغة المستقبل وعملية صنع القرار".

فرانس 24

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 7