قصة إعادة الغزلان إلى لبنان!

2022.04.02 - 08:20
Facebook Share
طباعة

 هناك في البقاع الغربي ضمن المحيط الحيوي لمحمية الشوف، لا حاجة إلى الأمثال الشعبية أو الأقوال المأثورة لذكر الغزلان أو تذكّرها. فهي حيّة تُرزَق في محمية عانا وبكثرة. المبادرة بحدّ ذاتها بغاية الأهمية لكن المهمة ليست بالسهلة: إعادة الغزال إلى لبنان واحتضانه تحضيراً لإعادة إطلاقه في الطبيعة. أما الغاية فالمساهمة في تأمين التوازن الطبيعي وإحياء النظم الإيكولوجية التي تعتمد أساساً على الحيوانات المنقرضة من سهولنا، جبالنا وودياننا.
الغزال، هذا الحيوان الأنيق واللطيف الذي غالباً ما أتت قصائد الحب على ذكره توصيفاً لجمال المرأة منذ أيام الشعر الجاهلي، انقرض منذ فترة طويلة من بلدنا. والحال أن الغيبوبة شبه التامة التي عادة ما تعيشها الجهات الرسمية والبيئية المعنية، أبقت الأمل على إعادته معلّقاً على المساعي الفردية والمبادرات الشخصية. "نداء الوطن" تواصلت مع صاحب محمية عانا، عضو المجلس الوطني للصيد البري وواضع قانون الصيد المنشور سنة 2004 في الجريدة الرسمية والمعمول به منذ العام 2017، السيّد فؤاد ناصيف. فماذا يقول عن بدايات المشروع وتأسيسه، المعوّقات التي واجهها ولا يزال، كما عن تحقيق المشروع وقانون الصيد للأهداف المرجوة منهما؟ إلى مزيد من التفاصيل.
فكرة استحالت مشروعاً الفكرة نشأت في العام 1994 بعد أن جمع شغف واحد، ألا وهو حب الغزلان، السيّد ناصيف بالرئيس الشهيد رفيق الحريري. فـ"هوى الغزال" كان يسري في دم الرجلين اللذين اتّفقا للعمل معاً على إعادة الغزال إلى لبنان بهدف التكاثر منعاً لانقراضه مجدداً. كان ناصيف يملك محمية في فرنسا قبل عودته إلى لبنان ذلك العام، ساعياً لتحقيق حلم إنشاء أول محمية في التل الأخضر في البقاع. تَبِع ذلك إنشاءه محمية أخرى في منطقة الصفرا البقاعية إلى أن تعرّف على الرئيس الحريري الذي رحّب بالفكرة، حيث قدّم أرضاً في منطقة عانا لتكون مكاناً نموذجياً لاستكمال المشروع: "لا أحد يمنحك مليون متر مربّع من الأرض مجاناً لولا إيمانه بالمشروع"، يقول ناصيف.
القصة بدأت مع ثلاثة غزلان وراح العدد يتصاعد رويداً رويداً إلى أن تخطى حاجز المئة في العام 2014. فقد كان ناصيف وفريق عمله يتعقّبون دخول الغزلان من سوريا وفلسطين المحتلّة إلى الأراضي اللبنانية، حيث تمكّنوا من جمع الغزال اللبناني النادر الوجود والذي يُعدّ من الغزلان الجبلية الأجمل، إضافة إلى الغزال الأسوَد من أوروبا وأصناف أخرى مرقّطة: "جميع هذه الأصناف كانت تتواجد في لبنان قبل أن تنقرض، لذا وجب على المحميات حمايتها والعمل على تكاثرها". وبما أن العدد المتزايد من الغزلان أصبح يشكّل خطراً على الأشجار المثمرة في المحمية، فقد تم نقلها لاحقاً مع أعداد كبيرة من البط والأرانب والحجال إلى أرض تقدمة العميد كارلوس إده.

الغزال، كونه يعيش في الأحراج على مدار السنة، معرّض لمهاجمة الضباع والذئاب له كما لأذية بعض البشر، كمحاولة سرقته أو اصطياده. وللطيور أيضاً قصّتها معه، حيث تهاجمه أحياناً النسور كما بعض الطيور الأخرى. لذا، تمّ إيكال مهمة الدفاع عن الغزلان إلى فريق من العمال بعد تزويدهم بالأسلحة المناسبة والتدريبات اللازمة. كذلك، جرى نصب الشباك والأفخاخ لحماية الغزلان من بقيّة الحيوانات المفترسة. لكن رغم كل الاحتياطات، تتعرض الغزلان بين الحين والآخر إلى غزوات الثعالب التي قضت على ثلاثة من صغارها – ويُسمّى الواحد منها الخشيش - في إحدى المرات، ما اضطُر ناصيف للإشراف على حماية المحمية بنفسه في كل مرة تكون الإناث على موعد مع ولادات جديدة.
تجدر الإشارة إلى أن الغزال يعيش حوالى 12 عاماً إذا كان طليقاً في الطبيعة، أو ما يقارب 15 عاماً إذا كان ضمن محمية. لكن كيف يموت؟ يجيب ناصيف: "حين يفقد أسنانه نتيجة التقدّم في العمر، يصبح عاجزاً عن تناول الأكل، فيهزل جسمه ويصبح فريسة سهلة للذئاب. أما في المحمية، فنستمر في إطعامه الذرة ما يطيل عمره لثلاث أو أربع سنوات إضافية".
بالنسبة للفترات التي يُسمح بها بصيد الغزال، يؤكد ناصيف أن صيده ممنوع بشكل عام، باستثناء الغزال الذَكَر المُسنّ. فهي مرحلة ينعزل فيها الذَكَر عن القطيع ويعيش منفرداً، كما يكبر حجم قرنيه ويصبح عاجزاً عن التكاثر. "حتى الصيد يجب أن يتم تحت إشراف معيّن وبحسب إرشادات واضحة، ما يستدعي التنسيق بين المسؤولين عن المحمية وبين الصيادين لإتمام العملية". لكن هل يعود الصيد بفائدة على الطرفين؟ "يستفيد الصياد من لحم الغزال كما يستخدمه في عملية التصبير"، بحسب ناصيف. صاحب الأرض، من ناحيته، يعود ذلك عليه بالنفع المادي حيث يصل سعر الغزال إلى حوالى 10 آلاف دولار أميركي، ما يساهم في تطوير المحمية.

تحديات الاستمرارية الهدف الأساس خلف قيام المشروع تمحور حول زيادة عدد أنثى الغزال إلى 400 لتلِد بدورها 400 غزال آخر سنوياً بغية إطلاقها في المحميات أولاً ومن ثم في الطبيعة عامة. ورغم إطلاق بعض الغزلان شمالاً في مناطق مفتوحة تحت إشراف الوزير السابق سليمان فرنجية، إلا أن المشروع لم يحقق أهدافه كاملة بعد، إذ يلفت ناصيف "فقط حين نرى الغزلان منتشرة في كل لبنان، أكون قد حققت هدفي".

عوائق كثيرة تحول دون الوصول إلى الغاية تلك. فغياب التوعية والقانون سببان رئيسيان في ذلك: "الصيد متاح ولا قانون يحمي. من يقتل حيواناً لا يُسمح بصيده يجب أن يعاقَب". والدولة غائبة في العادة بمعظم مؤسساتها وهذا ليس سراً، إذ لا قوانين تُطبَّق ولا مساهمة تُذكر. فهي، من وجهة نظر ناصيف، "لا تهتم للأسف إلا بالمشاريع التي تعود عليها بأرباح طائلة. أما الجمعيات البيئية، فهي بمعظمها مسيّسة تهدف إلى جمع الأموال والتبرعات متذرعة بالحفاظ على البيئة، ولا دور فاعل لها على أرض الواقع". ويضيف متسائلاً: "بدلاً من التركيز على الطيور العابرة والادعاء بالعمل على منع الصيد، لِمَ لا يجري التركيز على الطيور التي تعيش في لبنان؟ لغرض المحافظة على الحيوانات، يجب الإكثار من الطرائد التي يمكن للصياد أن يصطادها، فيبتعد حينها عن اصطياد الحيوانات المهددة بالانقراض".
للأزمة المالية أيضاً تداعياتها. فرفع الدعم محلياً أدّى إلى تكبّد المحمية مصاريف إضافية، يُتوقّع أن تتفاقم جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، ما يُصعّب إمكانية الاستمرار في تحمّلها لفترة طويلة. بالأرقام، ارتفع سعر طن الذرة من 150 دولاراً إلى 500 دولار، حيث أصبحت التكلفة الشهرية لإطعام الغزلان، البالغ عددها اليوم أكثر من 300 غزال، حوالى 10 آلاف دولار. هذا إضافة إلى تكاليف أخرى مثل مصاريف المياه والمازوت وإدامة الممرات. سعر الغزال المستورَد، على صعيد آخر، يتراوح بين 1500 دولار و10 آلاف دولار، تبعاً لنوعه وعمره والبلد المستورَد منه. كيف يمكن تأمين هذه المبالغ الخيالية؟ يقول ناصيف: "صاحب الأرض لم يوافق على تحويل المحمية إلى مكان عام يقصده الزوار بهدف تحقيق بعض المردود الذي يؤمّن القليل من الاستمرارية. وحتى لو قُدّمت أرض لعرض بعض الغزلان، فتكلفة تسييجها باتت تتخطى 300 ألف دولار. كذلك فإن حصر الغزال في قفص أو ضمن مساحة صغيرة يُعتبر جريمة بحقه". فهل يكون التوجّه، كما ألمح ناصيف، إلى احتمال تقليص عددها؟


كارين عبد النور _ نداء الوطن

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 10