القوى الناعمة لكوريا الجنوبية .. هكذا تغزو العالم

اعداد رزان الحاج

2021.10.16 - 08:14
Facebook Share
طباعة

 أصبح مسلسل "لعبة الحبار"، رسمياً، الإنتاج الأضخم في تاريخ نتفليكس من حيث عدد المشاهدات، متصدراً الترتيب في أكثر من ثمانين بلداً. وحظيت الدراما الكورية بـ 111 مليون مشاركة منذ إطلاقها قبل 28 يوماً، متجاوزة بذلك الرقم القياسي الذي حققه مسلسل "بريدجرتون" الأمريكي، وهو 82 مليون مشاهدة في الفترة الزمنية ذاتها. ويظهر ذلك أن خطة عملاقة البث الرقمي لزيادة إنتاجاتها الدولية، قد حققت نجاحاً ساحقاً.

وقالت رئيسة نتفليكس لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ مينوينغ كيم لـ"سي أن أن" إنّ "لعبة الحبار تجاوز حدود أكثر أحلامنا جموحاً".

استقطب المسلسل جمهوراً كبيراً جداً من كل أنحاء العالم بفضل مجموعة عوامل، أحدها جمعُه بين التسلية الطفولية وعواقبها المميتة، إضافة إلى الإنتاج المتقن والسينوغرافيا الضخمة.

وتقول مجلة Foreign Affairs الأمريكية حول تأثير المسلسل إن "هذا العرض ليس سوى أحدث تصدير ثقافي من كوريا الجنوبية يجتاح العالم". فمن أعمال موسيقى البوب مثل فرقة بي تي أس BTS إلى أفلام مثل Parasite (الذي أصبح أول فيلم بلغة أجنبية يفوز بـ4 جوائز أوسكار منها لأفضل فيلم في عام 2020)، تتمتع الموجة الكورية "الهاليو" بنجاح عالمي غير مسبوق. 

من ناحية تاريخية، يحرك كوريا الجنوبية شعورها بالقلق بشأن صد الهيمنة الثقافية الصينية واليابانية أكثر مما تحركها رغبتها في نشر ثقافتها الخاصة في الخارج؛ مما جعلها الآن دولة ذات قوة ناعمة نافذة عالمياً، كما تقول المجلة الأمريكية.

ولم يكن النمو الثقافي الذي حققته كوريا الجنوبية مجرد نتاج عمل حفنة من المبدعين الملهمين؛ بل نتيجة جهد حكومي طويل الأجل لتوسيع صناعات إبداعية محددة، وهي استراتيجية جاءت بمردود قوي في شكل نمو اقتصادي ونفوذ عالمي أكبر. 

ومع هذا النفوذ المكتشف حديثاً، صار لدى سيول فرصة للاضطلاع بدور أنشط في السياسة الدولية المعاصرة، ونشر مُثُلها الديمقراطية جنباً إلى جنب مع ثقافتها الشعبية المنتشرة في كل مكان. 

ووُلِدَت النهضة الثقافية في كوريا الجنوبية من رحم الشدائد. فقد استهدف الرئيس كيم داي جونغ، الذي تولى السلطة في عام 1998 في وقت تعاني فيه كوريا الجنوبية من الأزمة المالية الآسيوية، الإعلام والثقافة الشعبية باعتبارها مصدراً رئيساً للنمو الاقتصادي. 

وتحت رعاية "خطة تطوير دعم صناعة الموجة الكورية"، حدَّدت إدارته هدفاً يتمثل في زيادة قيمة الصناعة الثقافية في كوريا الجنوبية ("الموسيقى والصابون والأفلام والرسوم المتحركة والألعاب والشخصيات") إلى 290 مليار دولار في غضون عامين، أيْ أكبر من قطاع أشباه الموصلات في البلاد، الذي كان بقيمة 280 مليار دولار. إضافة إلى ذلك، وسَّعت الحكومة ميزانية الصناعة الثقافية من 14 مليون دولار في عام 1998 إلى 84 مليون دولار في عام 2001.

ولتعزيز إنتاج الثقافة الشعبية الكورية، استخدمت حكومة كوريا الجنوبية نفس نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي طوَّرته سيول في الأصل لتنمية الإلكترونيات وبناء السفن وصناعة السيارات وصناعات التصدير الأخرى. 

وبالاشتراك مع شركات العلاقات العامة وشركات التكنولوجيا وأجزاء أخرى من القطاع الخاص، بدأت وزارة الثقافة والسياحة في تطوير خطط عمل مُفصَّلة مُصمَّمة لتنمية الأسواق الخارجية للمسلسلات التلفزيونية الكورية والأفلام والأغاني الشعبية وقدمت قروضاً لرواد الأعمال والتدريب للفنانين الطموحين.

وواصل الرئيس مون جيه-إن، التقدمي الذي تولى السلطة في عام 2017، دعم الإنتاج الثقافي بالحوافز الضريبية والإعانات. سعت حكومة مون أيضاً إلى استخدام القوة الناعمة لتعزيز مكانة كوريا الجنوبية الدولية. 

وساعدت مبادرته المميزة في السياسة الخارجية- "سياسة الجنوب الجديدة"، المُصمَّمة لتوسيع علاقات سيول مع الهند ودول عبر جنوب شرق آسيا- في تحويل المنطقة الأوسع إلى واحدة من أكبر الأسواق لثقافة البوب الكورية. 

بعض الفوائد الاقتصادية الأخرى للقوة الناعمة الكورية غير ملحوظة، لكنها ليست أقل أهمية؛ إذ صار الكثير من الناس حول العالم ينظرون إلى كوريا الجنوبية على أنها دولة صغيرة وغير مُهدِّدَة وتزداد "روعة". وأثارت الصادرات والاستثمارات الكورية ردود فعل قليلة بين الأمريكيين، على الرغم من أنَّ كوريا الجنوبية لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة. 

وأصبحت الشركات الكورية؛ مثل سامسونغ وكيا وهيونداي، أجزاءً لا جدال فيها من الحياة الأمريكية اليومية؛ في تناقض حاد مع الشركات اليابانية؛ مثل تويوتا وسوني وهوندا، في الثمانينيات والشركات الصينية مثل هواوي اليوم. 

ووجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أنَّ 77% من الأمريكيين اليوم لديهم وجهة نظر إيجابية عن كوريا الجنوبية، مقارنةً بـ46% في عام 2003. وهذا أكثر إيجابية بكثير من وجهات النظر الأمريكية للحلفاء التقليديين مثل أستراليا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، ناهيك عن الدول الآسيوية الأخرى.

ويبدو أن الموجة الكورية لن تتلاشى قريباً، إذ أعلنت "نتفليكس" في شباط/فبراير الفائت عن خطة لاستثمار 500 مليون دولار خلال السنة الجارية وحدها، في مسلسلات وأفلام منتجة في كوريا الجنوبية.

وقال أستاذ الدراسات الكورية في جامعة أوسلو فلاديمير تيخونوف لوكالة فرانس برس إن "كوريا الجنوبية تحولت في الآونة الأخيرة وبسرعة خلال العقدين المنصرمين مجتمعاً يتسم بدرجة كبيرة من عدم التكافؤ".

أما أستاذ السينما في جامعة سان دييغو العامة في الولايات المتحدة براين هو، فاعتبر أن الشعبية التي حصدها المسلسل في أكثر من مئة دولة دليل على أنه لم يُنتَج لمشاهدي الغرب فقط.

وقال لوكالة فرانس برس إن "الجمهور الغربي كان دائماً يربط بين وسائل الإعلام الأجنبية والفقر، وأصبح ذلك وسيلة للنظر بازدراء إلى بقية العالم الذي يُنظر إليه على أنه متخلف".

وأضاف أن ما يميز "سكويد غايم" و"باراسايت" هو أن هذين العملين، "رغم كونهما يتناولان الفقر وعدم المساواة الطبقية، يفعلان ذلك بطريقة تُبرز الحداثة الفنية والسينمائية في كوريا".

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 4