تربية الطفل : المشاكل الأسباب والعلاج ح2

ربى رياض عيسى

2021.09.30 - 09:09
Facebook Share
طباعة

  

ثالثاً). الطفل ومشكلة إدمان التليفزيون:
        يُعتَبر الطفل أحد أهم المتأثِّرين والمتفاعلين مع التليفزيون، نظراً لطبيعته النفسيَّة والبيولوجيَّة الخاصَّة، وإذا ما كانت عمليَّة التأثير في مراحل سابقة ظهرت بنسب لا يُستهان بها، فإنَّه في يومنا هذا وبعد طُغيان البث الفضائي على الساحة الإعلاميَّة, نُلاحظ انسياقاً شبه كامل لمجمل ما تقدِّمُه الفضائيَّات على مستوى الشريحة الأكبر من الأطفال, وهذا ما يُنذر بنتائج مستقبليَّة اجتماعيَّة وثقافيَّة خطيرة, وخلال الثُلث الأخير من القرن العشرين, كان الشُّغُل الشاغل لعدد كبير من المتخصِّصين بالتربية الاجتماعيَّة للطفل، دراسة أثر الساعات التي يقضِّيها الطفل أمام شاشة التلفاز, الذي أصبح بشكل أو بآخر صديقا للطفل وللأبوين، ومصدراً للمعرفة والثقافة وأيضاً للتسلية وتمضية الوقت.
        وفي الوقت الذي لم تُحسم به المعركة بين مؤيد ومعارض لسيطرة التليفزيون على غيره من وسائل الإعلام خصوصاً على مستوى الأُسرة, بدأ البث الفضائي بالانتشار ليأخذ حيّزا كبيراً من الاهتمام، ويبقى الطفل الحلقة الأخطر.
        في الوقت الحالي برامج الأطفال تَبُث من خلال المحطَّات المتخصِّصة على مدار 24 ساعة، وإذا ما تُرك الخيار للطفل نجدُه يتابع البرنامج الواحد مرَّات عدَّة في اليوم الواحد، ومَضمون هذه البرامج لا يزال مثار نقاش و جدل، حيث جاء في إحدى إحصائيَّات اليونسكو أن 40 – 60% ممَّ يُبث عبر محطات العربيَّة هي تصنيع غربي، و مهما اختلفت جهة الإنتاج سواء من أوروبا وأمريكا أو أسيا, فإنَّها نتاجات غربيَّة، ولا تقدِّم للطفل ما يدعم وجوده الاجتماعي في مجتمعه العربي.
 ولا تقوي روابطه مع هذا المجتمع.
        ونشرت دراسة أُجريت سابقاً, أنَّ تعريض الأطفال قبل سن الثالثة لشاشة التلفاز, قد يكون سبباً رئيسيَّا لعدَّة مُشكلات؛ منها: التأثير على المُفردات "تأثير لغوي"، وعدم المشاركة اجتماعيَّا "تأثير في المهارات الاجتماعيَّة"، وجعلهم أكثر تنمُّرا على زملائهم, لحظة دخولهم رياض الأطفال, وأيضاً؛ كان هُناك ارتباط واضح ووثيق بين الإكثار من مُشاهدة التلفاز ومشكلات التركيز، وضعف القراءة وإتقان الرياضيَّات, وأشارت بعض الدِّراسات إلى أنَّ البرامج التعليميَّة مثل "شارع سمسم" أو "بارني" مفيدة، لكن للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين ونصف إلى خمس سنوات فقط.
        وهناك نهجان للتفكير بشأن التليفزيون في استعماله وزيادة استعماله, قد ينظر إليهما كعرض لعلَل حديثة أخرى: كالاغتراب, ونزع الطابع الإنساني, وفتور المشاعر, والخواء الأخلاقي, والنهج الثاني أن يُعتبر أنَّ جهاز التليفزيون مولِّدا للمرض, أي مصدر أعراض من هذا القبيل,ويقول مسؤول تليفزيوني: هناك كثير من العائلات لم يحصل فيها الطفل الذي يشاهد التليفزيون, على أيِّ شيء أفضل من جانب الآباء, فكلَّما زادت لا مبالاة الآباء الذين تتعامل معهم, أصبح التليفزيون وسيلة أكثر نفعاً لهم, ومن أهم مخاطر التليفزيون ما يسمَّى "القدوة السيِّئة", ولهذا عدَّة نماذج:
1. النموذج الأوَّل: تقليد أحداث العنف:
        حيث تمَّ تسجيل عشرات الحالات من انتحار الأطفال, الذين قاموا بشنق أنفسهم بعد أن بثَّت القنوات التليفزيونيَّة, مشاهد إعدام, وتكرَّر تسجيل حوادث شنق أطفال لأنفسهم في عدد من الدول العربيَّة، مثال ذلك نشر إعدام "صدام حسين", كما شَهِدت سورية كذلك وفاة طفلين في الحادية عشرة من عمرهما، قاما بتقليد عمليَّة انتحار شخصيَّة "نصار بن عريبي" كما جاء في المسلسل الدرامي السوري "الخوالي"، وفي تحقيـق بقلم عبد الرحمن سعد، نشرته صحيفة الأهرام المصريَّة, أنَّ دراسة قامت بها كليَّة الإعلام بجامعة القاهرة أجريت على 400 طفل بالمدارس الابتدائيَّة في كل من القاهرة والجيزة، أشارت إلى أنَّ أفلام الرعب تتصدَّر المرتبة الأولى في قائمة المواد التليفزيونيَّة التي يُقبل على مشاهدتها الأطفال المصريُّون، وحذَّرت الدراسة من أنَّ المخلوقات الخارقة, أو الكائنات الخرافيَّة في أفلام الكارتون, تُعَد مادة جذب للصغار، وتتمثَّل المشكلة هنا في أنَّ هذه الشخصيَّات هي غالباً ما تكون الأكثر عنفاً في هذه الأفلام, وفي دراسة أخرى أجرتها الدكتورة "مها الكردي" الأستاذة في المركز القومي للبحوث الاجتماعيَّة والجنائيَّة في مصر‏، بعنوان ‏ "الطفل المصري والقنوات الفضائيَّة‏"، حذَّرت فيها من تزايد معدَّلات العنف بين الأطفال المصريِّين نتيجة مشاهدة التليفزيون‏،‏ مشيرة إلى ميل الأطفال للتحوُّل من مجرد الإعجاب بأبطال العنف في هذه القنوات, إلى مقلِّدين أو محاكين لهم ثم منفِّذين.
        كما سجل الإعلام حوادث قتل الأطفال لبعضهم باستخدام أدوات حادَّة، ومقتل أطفال حاولوا تقليد شخصيَّات كرتونيَّة خارقة مثل سـبايدر مان, وأطفال قلَّدوا أفلام الرعب فانتحروا في صفوفهم المدرسيَّة.
2. النموذج الثاني: تقليد الشخصيَّات العاملة في مجال الترفيه:
        هناك تركيز كبير وواضح في الفضائيَّات العربيَّة الترفيهيَّة، على حصر غالبيَّة البرامج الموجَّهة للمراهقين بالترفيه الموسيقي والغنائي, الذي لا يعتمد على تعليم أو دراسة أكاديميَّة، وإنَّما يَعتمد على نسخ برامج أجنبيَّة, والفكرة تركِّز على خلق جيل يتعلَّق بشخصيَّات صنع نجوميَّتَها "إعلام الاستهلاك", لتُصبح مثلاً أعلى يستخدم في الترويج الاستهلاكي والدعائي، دون كبير اهتمام بالجانب الأخلاقي أو التعليمي لهذه الشخصيَّات، وتحفيز الجيل الواعد بالتمثّل بمثل هذه الشخصيَّات إلى درجة الهَوس, مثال على أحد تلك البرامج، برنامج "آراب آيدل" الذي بثَّته قنوات "إم بي سي"، والمنسوخ عن البرنامج الأمريكي "أمريكان آيدل".
        ومثل هذه البرامج تعلَّم الأطفال أنَّ الطريق السريع للثراء وتحقيق الذات هو عبر الترفيه غير المسلّح بالعلم، وقد يكون أحد أسوأ أصابع الإرشاد التي تشجع الشباب ضمناَ على الاهتمام بالقفز السريع على سلالم المجد الاجتماعي والمهني دون المرور بمراحل التعليم اللَّازمة, لتحقيق نجاح مهني مبني على دعائم قويَّة وثابتة حتى في عالم الترفيه.
3. النموذج الثالث: محاكاة الضَّعف اللَّغوي والمعلوماتي:
        هناك آلاف الأمثلة المسجَّلة على الضعف اللَّغوي والمعلوماتي, وأخطاء المذيعين ومقدِّمي البرامج التليفزيونيَّة, تِلك السَّقَطات تَهدم القيم التعليميَّة, وتسيء إلى مكتسبات الطفل, ما يثير لدى الطفل نوع من البلبلة بين ما يتعلَّمه على مقاعد الدِّراسة, وما يستمع إليه من أشخاص يعتبرهم قدوة, ولا يُظن أنَّهم قادرين على ارتكاب أخطاء لغويَّة أو معلوماتيَّة فاحشة، لأنَّ المُشاهد يعتقد ضمناً، أنَّ هؤلاء الإعلاميِّين من المؤكَّد أنَّهم مرُّوا بامتحانات قُبول للمهنة, وأنَّهم يتمتَّعون بمستوى لائق, لتبوأ مثل هذه المناصب الإعلاميَّة المهمَّة.
4. النموذج الرابع: نجوميَّة القُدوَة السيِّئَة:
        هناك من التصرُّفات الطائشة التي تسجلِّها الكاميرا للمذيعين والإعلاميِّين، فيها استهتار بالقانون، إضافة إلى توفيرها لنماذج سيئة قد يحتذى بها.
5. النموذج الخامس: تعزيز نمطيَّة النظرة الدونيَّة للنِّساء:
        كالبرامج الحواريَّة في غالبيَّة الفضائيَّات ترسل برسائل تعليميَّة ضمنيَّة للجيل القادم, تعزِّز فيه العنصريَّة والتمييز ضد النِّساء, في متابعة للبرامج الحواريَّة التي تُبَث على قناة بي بي سي العربيَّة مثلاً، أو قناة العربيَّة، أو قناة الجزيرة, وُجِدَ أنَّ الغالبيَّة العُظمى من ضيوف البرامج المتعلِّقة بالسياسة, والتحليل الاقتصادي, هم من الرجال فقط.
كيف نعالج مشكلة إدمان الأطفال على التليفزيون وبرامج الأطفال:
        إن غياب الدِّراسات الشاملة التي تتناول المضمون الفكري والثقافي والاجتماعي, لعدد كبير من المحطَّات سيدعم تشبُّث البعض بالنَّهج الذي ترعاه مجموعة هامَّة من القنوات التي تعتمد الإسفاف، وتعمل على تكريس عادات وسلوكيَّات معيَّنة, تؤثر بشكل أو بآخر على الطفل وشخصيَّتِه, إلَّا أنَّ بعض الدراسات بحثت في معالجة إدمان التليفزيون, وحدَّدت بعضها ساعات الاستخدام للطفل, فالتلفاز لا تقل أهميَّتُه عند الأطفال عن الجوَّال, فهو يعمل على استقطابهم وجَذبِهم، لهذا فهو أيضاً من الأجهزة التي يَجب على الوالدين أن يحدِّدا وقت لجلوس الطفل أمامه, لما له مضار, فالمبادرة الألمانيَّة أصدرت توصيات تعمل على تحديد المُدَّة المناسبة للطفل, لجلوسه أمام التلفاز, حسب عمر الطِّفل, حتى لا يسبب له الضرر ولا يؤذيه، وتكون المدَّة كالتالي:
1.    الطفل حتى خمس سنوات, يجب أن لا يزيد جلوسه أمام التلفاز على نصف ساعة بشكل يومي.
2.    الأطفال من عمر عشر سنوات, ممكن أن تكون عدد ساعات جلوسهم أمام التلفاز بمعدل تسع ساعات في الأسبوع الواحد.
        ونجد أنَّ هذه القواعد تُساهم بتعليم الطفل كيفيَّة تحديد وقته الذي يقضيه أمام التلفاز, وتُساعده مستقبلاً لتنظيم وقتُه، وهنا وجب التنويه أنَّه يجب إرفاق أوقات للهوايات والعلاقات الاجتماعيَّة مع أوقات مشاهدة التلفاز.
 
يتبع...
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 9