كتب محمد صالح المسفر:حكومة طالبان والغرب والمرأة والإسلام

2021.09.15 - 03:12
Facebook Share
طباعة

عندما أعلنت حركة طالبان الأفغانية تشكيل حكومتها بعد ثلاثة أسابيع من تحقيق النصر على من عاداها، ودخولها العاصمة كابول، رافعة أعلامها من دون إراقة دماء، وإعلان أسماء الذين سيشغلون مناصبهم الوزارية، تحت بيان حكومة "تصريف أعمال"، أي حكومة انتقالية، انبرت عواصم الغرب تحذّر وتنذر وتتوعّد بأنها لن تعترف بهذه الحكومة، لأنها "غير جامعة وغير تمثيلية"، أي من صنف واحد. وقالت إنها لن تفرج عن أموال أفغانية في البنوك الأجنبية (11 مليار دولار). وأعلن أمير الإمارة الإسلامية الأفغانية، هبة الله أخوند زاده، أن "الحياة وشؤون الحكم ستنظّم طبقاً للشريعة الإسلامية في البلاد"، وأن حكومة طالبان تلتزم كل القوانين والتعهدات والالتزامات الدولية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية. وارتفعت أصوات بأن معظم وزراء حكومة "تصريف الأعمال" من قيادات الحركة وعلماء دين، وأن المرأة لم يُحسب لها حصة في تولّي أي منصبٍ في الحكومة، وأن مظاهرات نسائية وجماهيرية انتشرت في المدن الأفغانية احتجاجاً على "طالبان"، وأن قوات الحركة تصدّت لهم بالغاز المسيل للدموع أحياناً، وبالهراوات والسلاح أحياناً أخرى، لتفريق المظاهرات، وأن أحد الوزراء مطلوبٌ في أميركا بتهمة "الإرهاب".

(2)

معلومٌ أن المنتصر، في كل الثورات في العالم، هو الذي يشكل قيادة المرحلة من كوادره وقياداته. هكذ فعل الجنرال ديغول عندما انتصرت المقاومة (فرنسا الحرة) التي كان يقودها من خارج البلاد ضد الاحتلال الألماني لفرنسا. وعندما دخل العاصمة باريس في 1944، وشكّل الحكومة الموقتة، كان معظم وزرائها من أعضاء المقاومة وأنصارها. كذلك فعل ماوتسي تونع في الصين عام 1949. وعندما يحرز الحزب الجمهوري أو الديمقراطي في الولايات المتحدة الفوز في الانتخابات الرئاسية، فإن الرئيس المنتخب يأتي بمعظم أفراد إدارته من الحزب الفائز بالرئاسة، ومن تعاون معه في الحملة الانتخابية. وكذلك يفعل حزبا العمال والمحافظين في بريطانيا. صحيحٌ أن هناك أعضاءً وقيادات في السلطة التنفيذية من فئات أخرى، لكنهم قلة، وليسوا في حالة ثورة كما حال أفغانستان اليوم. "طالبان" أكثر عقلانية، عندما شكلت "حكومة تصريف أعمال"، أي موقتة، حتى يتم لهم الوقت الكافي لاكتشاف كوادر وطنية أفغانية صادقة من خارج التنظيم، ليستعينوا بهم في الشواغر الإدارية. وقد أصدرت الحركة بياناً تدعو فيه كل الكوادر التي غادرت أفغانستان، عشية انتصارها، بمن فيهم رموز في النظام السابق، وكل العاملين في الحكومة السابقة، العودة إلى البلاد آمنين ومن دون ملاحقة. وهذه بادرة تسجّل لقيادة "طالبان".

لن يسمح المجتمع الأفغاني بتجاهل تلك العادات والتقاليد والثقافة المتبعة جيلاً بعد جيل

لو نجحت مارين لوبان (حزب الجبهة الوطنية) في الانتخابات الفرنسية، وبلادها ليست في مرحلة انتقال سياسي واجتماعي، كما أفغانستان، ستشكل حكومتها في معظمهم من حزبها اليميني، ولن تأتي بأي عضو في الحزب الاشتراكي الفرنسي أو الحزب الشيوعي أو حزب الخضر مثلاً. وكذلك الحال في ألمانيا أو إيطاليا. ويعتقد الكاتب أنه لو لم يكن الحال في أفغانستان في مرحلةٍ انتقاليةٍ لكان الوضع غير ما هو كائن اليوم.

(3)

اهتمّت وسائل الإعلام الغربية والقيادات السياسية بحال المرأة الأفغانية تحت ظل حكم "طالبان"، وكأن الحركة تحمل ضغينةً ضد المرأة وتعمل للانتقام منها. فات هؤلاء أن الحركة إسلامية، تحرم البغي والظلم والعدوان على الإنسان، وأن المرأة الأفغانية جزء من المجتمع، لها حقوق وعليها واجبات طبقاً للقرآن والسُّنة، وهناك عادات وتقاليد وثقافة اجتماعية يمارسها الأفغاني في بلاده كما يفعل الآخرون في بلدانهم، ولن يسمح المجتمع الأفغاني بتجاهل تلك العادات والتقاليد والثقافة المتبعة جيلاً بعد جيل.

التعليم مضمون بموجب تعاليم الإسلام، والعمل حق مشروعٌ، لكن ضمن الضوابط الاجتماعية والعادات والتقاليد. لباس الحشمة أمر شرعي، إلى جانب أنه عادة اجتماعية، الخروج عنها مستنكر. التعليم العام في معظم الدول العربية لا يجيز الاختلاط بين البنين والبنات، وفي دول الخليج العربي حتى التعليم الجامعي غير مسموح فيه بالاختلاط، فلماذا الاحتجاج على حكومة طالبان، عندما أمرت بالفصل بين الذكور والإناث في التعليم؟ على الغربيين وأتباعهم أن لا يفرضوا علينا أمراً لم نتعارف عليه، ولا تستسيغه مجتمعاتنا.

المنتصر، في كل الثورات في العالم، هو الذي يشكل قيادة المرحلة من كوادره وقياداته

تشغل المرأة في أوروبا العدد الأكبر في الأعمال بدوام جزئي، ونسبة تشغيلهن عام 2007 ما دون 14%، ولكل ساعة عمل يقدمنها تتقاضى راتباً أقل من 17% مقارنة بالرجل. وفي المجال السياسي، البرتغال، على سبيل المثال، وهي بلد أوروبي، أقرّت في عام 1976، أول مرة، حق المرأة في الترشّح والتصويت في الانتخابات. ولم تمنح فرنسا، أم الحريات، حق التصويت والترشح للمرأة إلا عام 1944، علماً أنها أول دولة أقرّت نظام الانتخابات، عام 1848، لكنها استبعدت النساء.

آخر القول: كان لزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إمارة أفغانستان الإسلامية، بعد زيارات موسكو وإسلام أباد وأنقرة، أثر بالغ الأهمية، سيعود بالنفع على حكومة طالبان الأفغانية، وهو أرفع وأول مسؤول دولي يزور كابول تحت الحكم الجديد.

المصدر:حكومة طالبان والغرب والمرأة والإسلام (alaraby.co.uk)

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 5 + 6