الغرفة السرية للبنتاغون الأمريكي في الشرق الأوسط

إعداد - رؤى خضور

2021.09.04 - 03:47
Facebook Share
طباعة

 كثير من (الهوليووديات) قدمها الساسة الأمريكيون في حقبة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وحتى فصول كشف وثائق وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لم يكن أقل لجهة زمان ومكان كشف تلك الوثائق وبأسلوب سرد (الهوليووديات) ذاته، الذي يحقق صدمة للمتلقي لجهة تعامل قادة وزعماء ورؤساء مع الوكالة وتنفيذ مهمات لصالحها في كثير من الدول، لكن النضج الذي وصلت إليه صناعة الرأي العام بعد حقبة السبعينيات وانتهاء ترسيم حدود الإمبراطوريات لمنع حرب عالمية جديدة، يضمن أيضاً شكلاً مختلفاً من التعاطي مع طرق صناعة السياسة.

تكاد حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ريغان، القادم من هوليوود إلى عالم السياسة، تبدو الأشد تأثيراً في صناعة السياسات الأمريكية، فهذا الرجل استطاع إيهام الكوكب ببرنامجه حرب النجوم، وتمت طباعة آلاف الكتب والأفلام حول الموضوع وخلق رهبة حول القدرة العسكرية الأمريكية بأسلوب (هوليوودي) أيضاً، ولعلّي هنا أقولها على طريقة الراحل رياض شرارة في الطريفة (أيضاً و أيضاً) مرتين.

بعد انتهاء حقبة الرئيس ريغان وحراك دبلوماسي كان يقوده الرئيس الأسبق جيمي كارتر في كل دول العالم بمهمات ترسم ملامح العصر الأمريكي، فتجده حاضراً في أي مفاوضات استباقية في أماكن الحروب أو أماكن التصعيد، بدأ التسويق بعدها لنظرية سياسية أمريكية اسمها (صناعة الغريم)، إذ اعتقد الساسة الأمريكيون ومراكز أبحاثهم أن البشر بطبيعتهم يميلون إلى الصراع، لذا كانت أبحاثهم تتركز حول فكرة (لماذا لا نصنع الغريم مسبقاً؟ وتنقسم الآراء حوله ثم ندرس الأفضل لمصالحنا؟ سواء على مستوى الدولة العميقة، ممثلة بالأوليغارشيا الحاكمة للعالم وليس أمريكا وحدها، أو على مستوى المعلن من طواقم عمل سياسي وانتخابات مبرمجة بكل ما يمكن من وسائل صناعة الرأي العام، لدرجة تطعيم مسلسلات وأفلام بظهور لممثل يشبه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان حتى قبل وصوله للمنصب، أو ربما التسويق في مسلسل هوليوودي لرئيس (أسود) قبل حتى ترشح باراك أوباما للرئاسة.

صناعة الغريم في الشرق الأوسط:

لا يختلف دارس متعمق للدور الأمريكي، والبريطاني الحليف دوماً، مع فكرة استقطاب الإسلام السياسي وصناع الرأي فيه إلى بريطانيا، وسخاء المنح التعليمية للدارسين في المملكة المتحدة قد يكون جزءاً من هذا الاستقطاب، والدعم الأمريكي لنظرية الإسلام السياسي ليست بجديدة، و التي لا أحد ينكر تأثيرها في واقع الشرق الأوسط حالياً، وهذا بالتحديد جزء من نظرية صناعة الغريم.

نعم، كان الإسلام السياسي وما زال جزءاً من نظرية صناعة الغريم التي تكشف فصولها معطيات الأحداث والحقائق التجريبية، وتشي دائماً بتحكم الاستخبارات الأمريكية بذلك الغريم بطريقة تجعله أداة مفيدة لصناعة الرأي وتحويله إلى وحش كاسر مرعب لا يمكن التخلص منه إلا بالاستنجاد بالرحمة الأمريكية، والتي لا تأتي مجاناً طبعاً وهذه النظرية هي سر المطبخ الشرق أوسطي الذي تمثل الأوليغارشيا السعودية نواته و الإماراتية والقطرية ذراعيه.

هل هناك غرفة سرية للبنتاغون مع الإمارات وقطر والسعوديّة؟

قيل يوماً "أهل مكّة أدرى بشعابها "، سجال صاخب يملأ مواقع التواصل الاجتماعي، وسباق محموم بين غريمين شرق أوسطيين حول من هو رائد السلام، أحدهما حليف للتنظيمات الإسلامية ونصير الحراكات الشعبية في الأزقة والزواريب وأينما ظهرت مفاوضات مع سُلطات غير شرعية (قطر)، والآخر (الإمارات) حليف مختلف الحكومات الطامحة لترسيخ مفهوم الدولة الوطنية وليس (الخلافة أو الإمارة الإسلامية)، وإلى عهد قريب كان يمكن لأيٍّ كان تصديق ذلك الخلاف ووجوده وصعوبته، ومع تصعيد الحصار الخليجي على قطر عام 2017 بدا الأمر فعلاً كما لو أنه إعداد حقيقي لحرب قادمة بين تلك البلدان، لكن ما الذي كشفته وقائع أفغانستان؟

تبدو تحالفات المملكة العربية السّعودية مع ذراعين في المنطقة جديدين أحدهما يشبه لبنان ( الإمارات ) والثاني يشبه تركيا ( قطر ) عملية نمذجة لصناعة غريمين للولايات المتحدة مؤخراً، فكلا البلدين تعرّضا للصدمة بدلاً عن الأمير السعودي محمد بن سلمان، وخفّفا بشكل أو بآخر من التصعيد الأمريكي القانوني تجاه قصة محورية لم تسكت الولايات المتحدة الأمريكية عبر دوائرها القضائية عن مثلها يوماً، فإدانة صدام أو ميلوزوفيتش أو القذافي قامت على تكشّف إجراءات شبيهة باغتيال جمال خاشقجي، ومع تلويح بايدن مؤخراً ببدء كشف معلومات التحقيق في أحداث 11 أيلول/سبتمبر واستعادة المشهد السياسي في أفغانستان بطريقة (هوليوودية) وإخراج قطري، تكاد تبدو إعادة سرد لمظلومية ( أمريكية ) يريد بايدن منها التمهيد لإعلان نتائج التحقيقات لإكمال سيناريو الفيلم الهوليوودي.

أجواء مضطربة وخلاف قطري إماراتي ودور سعودي متغيّر تارة يحتضن قطر وتارة يقصيها، وتارة يحتضن الإمارات وتارة يختلف معها، ومع ذلك فجأة ودون سابق إنذار تدخل طالبان إلى مطار كابول وتسيطر على أفغانستان، ويبدأ الترحيب الإماراتي بالموضوع لاحقاً وزيارة مفاجأة لطحنون بن زايد إلى أنقرة وبعدها إلى قطر.

ثم قمة دول جوار العراق وجلوس المتخاصمين إلى جانب من موّل القاتل ضد المقتول وسلّح وجهّز التغيير الديموغرافي في الشرق الأوسط، أتقنت الولايات المتحدة الدور وصنعت أكثر من غريم وتمكنت عبر الإعلام من إقناع جزء من الرأي العام بالفيلم الطويل لإنشاء نواة وعي أو تعمية سياسية تجاه قضايا مركزية والتحول باتجاه الليبرالية على مستوى المنطقة العربية لتصبح نسخة عن شكل نشوء الولايات المتحدة نفسها.

والنظر خارج الصندوق يشي بكثير من الحقائق حول الدور السعودي في تنسيق ذلك كله، وخلق حالة من الخلخلة سيتم على أثرها إعادة خلط الأوراق استبقها محمد بن سلمان بمحاولة خلق نوع جديد من الإسلام السياسي مزيج بين القواعد الشرعية وما أسماه بالانفتاح، وأتبعه مؤخراً بشطب تراث ( محمد بن عبد الوهّاب ) الذي كان أساس إنشاء الدولة السعودية، ومن ينظر أعمق من ذلك سيكتشف أن هذه العملية ليست بتلك السهولة بعد أعوام طويلة من التجنيد والحشد للرأي العام باتجاه راديكالي، ثم الانتقال نحو الضد تماماً بالمستوى النظري والعملي، وحتماً هو مبني على تخطيط لا يمكن الجزم بكونه مصنوعاً سعوديّاً كونه، وفي الحد الأدنى، وصل إلى أفغانستان بنتائجه وتحولاته بل حتى أن طالبان، التي من المفترض أن تكون قطباً ينازع إيران النفوذ، زارت طهران بإخراج ( قطري )، ولم يبق من فصول الرواية إلا ترحيل قيادات الإخوان نحو أفغانستان والتمهيد لنقل بطولة كأس العالم في الجهاد إلى كابول بالتزامن مع بدء بطولة كأس العالم فيما يسمى حوار الحضارات في قطر.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 4 + 5