مخاوف إسرائيلية من تداعيات الأزمة اللبنانية

ترجمة : عبير علي حطيط

2021.07.29 - 06:23
Facebook Share
طباعة

 نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية مقالًا ناقش فيه الكاتب موضوع التدخل الإسرائيلي في الأزمة اللبنانية.

الكاتب أشار في بداية المقال إلى أن وسائل الإعلام تُصوّر زيارة وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، لفرنسا بأنّها تأتي في أعقاب فضيحة التجسس على الهاتف الشخصي للرئيس إيمانويل ماكرون عبر تقنية «بيغاسوس» الإسرائيلية، وما من شك بأنّ هذا الموضوع سيكون على الطاولة وسيقدّم غانتس توضيحات وسيعد بمنع مثل هذا التنصّت مستقبلًا. إلّا أنه جرى تعيين هذه الزيارة قبل شهر لبحث الأوضاع في لبنان وقضية الاتفاق النووي الإيراني وما بينهما، في إطار المحاولات الإسرائيلية الحثيثة للتدخل المباشر وغير المباشر في الشأن اللبناني لضمان ما تسمّيه «مصالحها وأمنها».

وجاء في المقال أن إسرائيل لا تتابع ما يجري في لبنان بقلق وريبة فحسب، بل هي تقوم بتحرّكات سياسية وعسكرية وترسل التهديدات وتسرّب المعلومات لمنع الإخلال بمعادلة الردع القائمة، وأن إسرائيل تتحرّك وحدها في مجالات معيّنة، لكنّها تعمل أيضًا في إطار تحالفاتها الإقليمية، التي تشمل دول التطبيع العلني والسرّي وأطراف عالمية في مركزها الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وذلك بهدف التضييق على "حزب الله" وإيران بنفس الوقت.

وذكر أنه قد توالت في الأسابيع الأخيرة تصريحات لقيادات إسرائيلية تعبّر عن قلق من جهة وترسل التهديدات من جهة أخرى، وصرّح نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن «لبنان على حافة الهاوية، ونحن لن نقبل تسرب ودلف الأوضاع من لبنان إلى إسرائيل»، وتلاه بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي: «لن نسمح بتحوّل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان إلى تهديد لأمن إسرائيل»، داعيًا المجتمع الدولي إلى «إعادة الاستقرار إلى لبنان»، وفق المواصفات الإسرائيلية طبعًا، فإسرائيل تريد أن يحمي العالم ما تعتبره «مصالحها في لبنان»، وهذا ما يسعى إليه غانتس خلال زيارته لفرنسا وما تطرحه إسرائيل في كل اللقاءات مع الأطراف الدولية في الأشهر الأخيرة.

وأضاف الكاتب أن إسرائيل تبدو قلقة مما يحدث في لبنان وتخشى أن تسير السفن بالحالة اللبنانية إلى حيث لا تشتهي الرياح الإسرائيلية. وتحديدًا فإن ما يقلق القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل هو أن يؤدّي انهيار لبنان إلى زيادة نفوذ حزب الله وإلى ارتفاع في منسوب التهديدات العسكرية والأمنية، وحتى إلى اندلاع حرب أو سيطرة حزب الله على لبنان بالكامل، وبالتالي زيادة قوة إيران في المنطقة.

ولفت الكاتب إلى مخاوف إسرائيلية من أن تكون إيران هي من تقوم بإنقاذ الاقتصاد اللبناني وهي من تزوّد لبنان بالنفط. وفي مقال نشره مؤخّرًا كتب المعلّق العسكري، رون بن يشاي، أن إسرائيل لن تسمح بخرق العقوبات المفروضة على إيران عبر تهريب النفط إلى لبنان وسوف تعترض السفن التي تنقل هذا النفط، وأضاف متحايلًا على الرقابة العسكرية أن إسرائيل «ربّما فعلت ذلك في الماضي»، وطرح التسريب كإمكانية واحتمال هو أسلوب معروف في الصحافة الإسرائيلية. 


وأشار إلى أن إسرائيل قلقة أيضًا من الحالة الصعبة للجيش اللبناني، فهي لا تريد أن يلجأ هو أيضًا إلى دعم من طرف غير غربي، وهي تعتقد أن أي تراجع للجيش اللبناني سيخلق فراغًا تملؤه قوى أخرى في مقدمتها حزب الله.

ووفقاً للمقال، فهناك قلق اقتصادي إسرائيلي على مصير مباحثات ترسيم الحدود الاقتصادية البحرية مع لبنان، فالأزمة قد تجعل لبنان أكثر تشدّدًا، وأكثر قدرة على كسب التعاطف الدولي بسبب حالته الاقتصادية الكارثية. وترسيم الحدود في منطقة غنية بالغاز الطبيعي له أبعاد تساوي عشرات المليارات من الدولارات.

كما نبّه الكاتب إلى خشية إسرائيل كذلك أن تستغل منظمات المقاومة الفلسطينية الأوضاع اللبنانية للقيام بقصف مواقع إسرائيلية وفتح جبهة ثانية مع إسرائيل، في إطار مساعي حماس لتوسيع رقعة المواجهة إلى ما هو أوسع من الصدام المحلي. ويعود هذا القلق إلى تقدير بأن القصف من لبنان، يسمح لحماس المحافظة على بناء التوازن بين متطلبات إعادة إعمار وتطوير غزّة من جهة ومواصلة المقاومة والضغط على إسرائيل من جهة أخرى.

وبحسب ما ذُكر في المقال أن إسرائيل تخشى من خسارة في المعركة الدائرة بين إيران وبين التحالف الإسرائيلي مع ما يسمّى «الدول السنّية المحافظة»، وهي تعمل على منع ذلك عبر جر دول عربية للتدخل للتضييق على حزب الله في لبنان وقطع الطريق على احتمال زيادة نفوذ إيران.

وقال الكاتب إن إسرائيل ليست قلقة بالمرّة على مصير لبنان واللبنانيين، سوى ما قد يهدد أمنها ومصالحها. وقد زعمت شخصيات صهيونية في الماضي بمحاولة الكيان والترويج لما قد يكون العمل على "إعادة لبنان إلى العصر الحجري"، ومن هذه القيادات بيني غانتس، قائد الأركان السابق ووزير الأمن الحالي، وعمير بيرتس، وزير الأمن السابق، ودان حلوتص، قائد الأركان السابق، ويوآف جالانت، الجنرال احتياط ووزير التربية والتعليم السابق، ويسرائيل كاتص، وزير المالية السابق. 

وذكر أنه مؤخراً قد ارتفع منسوب التهديدات الإسرائيلية للبنان ومنها تهديدات صريحة ومباشرة وأخرى عبر تسريبات مقصودة، وبموازاة التهديدات، ازدادت بشكل ملحوظ التقارير والأخبار عن الاستعدادات الإسرائيلية للحرب مع حزب الله، وجرى الكشف عن أن الجيش الإسرائيلي أكمل الاستعدادات في إطار العملية الاستراتيجية المسمّاة «فسيفساء الشمال»، التي تشمل عددًا من الخطط الاستراتيجية، التي جرى التحضير لها في السنوات الثلاث الماضية، وتم طرحها وشرحها والتدريب عليها على جميع المستويات العسكرية القيادية والقاعدية.

وروجت وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبارًا متواترة عمّا يسمّى «بنك الأهداف»، وعن العمل الجدّي الذي تقوم به وحدة خاصة بهذا البنك في شعبة المخابرات العسكرية، وشمل هذا النشر ادعاء بأنّ عدد الأهداف وصل 20 ضعفًا لما كان عليه في الحرب الثانية على لبنان عام 2006. وتحضيرًا لتبرير ارتكاب جرائم حرب جديدة، صرّح مسؤولون إسرائيليون أن قسمًا من هذه الأهداف يتواجد في مناطق مأهولة بالسكّان وأن إسرائيل لن تتورّع عن قصفها إذا اقتضت الضرورة، وأن «المسؤولية تقع على عاتق حزب الله»، وفقاً للمزاعم الصهيونية.

وإمعانًا في التهديد، روجت وسائل الاعلام عن إقامة «وحدة الأشباح 888» التي مهمتها المركزية اغتيال قيادات ونخبة مقاتلي حزب الله خلال القتال أثناء اجتياح برّي، وذلك عبر دمج القدرات القتالية والمخابراتية. وتشمل الوحدة الجديدة ضبّاطًا وجنودًا على أعلى مستوى وتستعمل أسلحة ومعدات متطوّرة بينها طائرات مسيّرة صغيرة، بحسب المقال.

كما أشار المقال إلى الحديث عن موقع التدريب العسكري «غابات الجليل»، الذي أعدّ لمحاكاة التضاريس والبلدات اللبنانية، وتقوم الوحدات العسكرية القتالية بإجراء تدريبات مكثّفة فيه. كذلك جرت إقامة «طاقم لبنان»، الذي يضم قيادات عسكرية متنوّعة وهدفه البحث عن سبل لزيادة القدرات القتالية للجيش الإسرائيلي في السياق اللبناني. وإضافة إلى كل هذا أقيمت طواقم خاصة لاستخلاص العبر من عدوان «حارس الأسوار» على غزّة لملاءمتها والاستفادة منها في الجبهة اللبنانية. أمّا من الناحية الدفاعية، فقد رصدت مبالغ طائلة لمشروع «درع الشمال» لتحصين الشريط الحدودي وبناء الملاجئ وتطوير الدفاع المدني.

وفقًا إلى ما قاله الكاتب في المقال فإن كل هذه التهديدات العسكرية تأتي رغم أن الرأي المهيمن في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو أن الأزمة اللبنانية لم تزد مخاطر الحرب، لكن هناك حضورًا قويًا في الوعي العسكري الإسرائيلي لتجربة غزّة ولفكرة أن الأزمة الاقتصادية تقلل خطر المواجهة العسكرية لمرحلة ما لكنّها قد تنقلب بسرعة لتصبح خطرًا داهمًا.

وفي ختام المقال أشار الكاتب إلى أنه وبعد أن هوّلت الأجهزة الأمنية من مخاطر المواجهة العسكرية، جرى إقرار ميزانية عسكرية ضخمة تصل إلى 18 مليار دولار وقد تزيد. ومن الملفت للانتباه أن افيغدور ليبرمان، وزير المالية الحالي ووزير الأمن السابق، اشترط زيادة الاستثمار في القوّات البرية وفي تطوير صواريخ دقيقة على حساب الاستثمار في سلاح الجو. ويوافق بيني غانتس، وزير الأمن الإسرائيلي على هذا التوجّه ما يشير إلى أن مركز الثقل بشأن الحرب المقبلة، قد انتقل من إيران إلى غزّة ولبنان، ربما تبعًا لتوقعات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، بحسب كاتب المقال.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 10 + 4