مستقبل أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي (ح3)

2021.07.19 - 01:53
Facebook Share
طباعة

ثانياً). الصين:
تحدَّث تقرير "Michael Waltz" في "Military Times" عن انسحاب الولايات المتَّحدة من أفغانستان, وانعكاسه الإيجابي على الصين, حيث رفض التقرير الانسحاب عبر خبراء عسكريِّين, معلِِّلين ذلك بمجموعة من الأسباب, كالتخلِّي عن الفناء الخلفي لأعظم المنافسين لأمريكا سيما الصين, وأنَّه لن يكون للولايات المتَّحدة مطار أمريكي في بلد على الحدود مع الصين وروسيا والجناح الشرقي لإيران, كما أنَّ الانسحاب الأمريكي سيخفف من الدعم الاستخباري للأقليَّة الإويغوريَّة في الإقليم الصيني المُسلم, وأضاف التقرير أنَّه على غرار فكرة وجود خيار للجبهة الثانية في حالة الأعمال العدائيَّة للصين، فإنَّ القاعدة الجويَّة الأمريكيَّة في "باغرام" هي أيضًا منصَّة يجب الحفاظ عليها في حالة الأعمال العدائيَّة, للحفاظ على الخيارات خارج شركات الطيران والقواعد الخليجيَّة ( ), كما يُمكن تحقيق مصلحة بكِّين الرئيسيَّة في تأمين المكاسب الاقتصاديَّة من خلال استخدام موقع أفغانستان كحلقة وصل إقليميَّة, إمَّا في مبادرة الحزام والطريق, أو الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان, بالإضافة إلى ذلك، منذ العام 2007م، كانت الصين تبحث عن طرق لاستخراج الثروة المعدنيَّة الهائلة لأفغانستان، الأمر الذي يتطلَّب الأمن والبنية التحتيَّة للنقل, وحسب تقرير "Tom Oconnor" في "news week" فإنَّه ثمَّة تَعاون بين الصين وباكستان في أفغانستان, لمكافحة الإرهاب, والعمل ضد الجماعات المسلَّحة الأويغوريَّة مثل "حزب تركستان الشرقيَّة الإسلامي"، أو "حركة تركستان الإسلاميَّة"، التي كانت نشطة في أفغانستان وكذلك سورية, مع تفاقم التنافس الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، يجادل المسؤولون الصينيُّون بأنَّ واشنطن تسعى لإثارة الاضطرابات في إقليم "شينجيانغ" الصيني( ).
وقال "Charu Sudan Kasturi" في موقع "Ozy" أنَّه لطالما كانت أفغانستان عُشًا للجواسيس، حيث يتنافس الجواسيس الأمريكيُّون والروس والإيرانيُّون والباكستانيُّون والهنديُّون والأوروبيُّون, على الاتصال مع أمراء الحرب والميليشيات وفصائل طالبان التي تُسيطر على جزء كبير من البلاد خارج كابول, ونشرت تقارير, أنَّ السلطات الأفغانيَّة اعتقلت ورحَّلت مجموعة من الجواسيس الصينيِّين, الذين يُزعم أنَّهم كانوا يعملون مع شبكة حقاني، من بين أكثر حلفاء طالبان وحشيَّة، لتعقُّب المتطرِّفين الأويغور, الذين يحتمون في ذلك البلد, بالتالي عمليَّة التجسُّس سلَّطت الضوء, على شعور بكِّين المتزايد بإلحاح, دورها المستقبلي في أفغانستان, ومع إعلان الرئيس "جو بايدن" أنَّ الولايات المتَّحِدة ستسحب جميع قواتها من البلاد بحلول 11 سبتمبر وحلف الناتو حذوها، فإنَّ الوقت ينفذ بسرعة بالنسبة للصين, وتمثِّل هذه اللَّحظة فُرصة غير مسبوقة لبكِّين لترسيخ أوراق اعتمادها كقوة عُظمى في العصر الحديث( ).
وقال "Barnett R. Rubin" في موقع Usip"" أنَّ أفغانستان لم تَعد منطقة منعزلة, حيث أصبحت مُحور اهتمام العديد من القِوى المنافسة بين القوى العظمى( )، وأشار "Kabir Taneja" في مركز Orfonline"" أنَّ الانسحاب الأمريكي الوشيك من أفغانستان ما يسمى بـ"قلب آسيا" يمنح الصِّين فُرصة لتوسيع نفوذَها في بلد بهذه الأهميَّة الاستراتيجيَّة, عبر تحفيز التعاون العسكري, فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عزَّزت الصِّين وجودَها العسكري في المنطقة, وتحدَّثت تقارير في العام 2019م, عن قاعدة صينيَّة في طاجيكستان بالقرب من ممر "واخان" الاستراتيجي، الذي يربط أفغانستان بالصين, وكشفت أفغانستان أيضًا أنَّ الصين تساعدها في إنشاء وحدة لمكافحة الجبال, وقد يؤدِّي احتمال انسحاب القوات الأمريكيَّة من المنطقة إلى تعميق التعاون العسكري بين الصين وأفغانستان, حيث أنَّ الحصول على موطئ قدم في منطقة إستراتيجيَّة على حدود غرب آسيا وآسيا الوسطى، سيساعد الصِّين في عرض قُوَّتَها الصارمة خارج حدودها( ), وبالتالي تسعى الصين إلى ملأ الفراغ في هذا البلد بعد الانسحاب عبر عدَّة طرق:
1. التعاون من باكستان:
الصين تسير بحذر، وتتعاون مع الحليف الاستراتيجي وباكستان "الأخ الحديدي"، التي تمارس نفوذًا كبيرًا على طالبان، وبدأت في حوار ثلاثي منفصل مع كابول وإسلام أباد لتأمين أفغانستان وتنميتها، متعهِّدَة بمحاربة الجماعات الإرهابيَّة, بينما تضغط للدخول عبر الحزام والطريق، والانخراط أيضًا في اتصالات دبلوماسيَّة موازية مع طالبان.
2. الشراكة مع إيران:
حيث قال "Pepe Escobar" في مركز "Asia times" للدراسات, قد تؤدِّي الشراكة الإستراتيجيَّة بين إيران والصين التي تم ترسيخها مؤخرًا إلى تكامل أوثق، مع توسيع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني إلى أفغانستان, وطالبان تدرك ذلك تماماً, كجزء من هجومهم الدبلوماسي الحالي، وذهبوا إلى طهران وأصدروا أصوات تجاه حل سياسي, وتعهَّدت طالبان بالفعل، في محادثات دبلوماسيَّة مع الصين وروسيا وإيران، أنَّهم لا يخطِّطون "لغزو" أحد, وكان المتحدث باسم طالبان "سهيل شاهين" مصرَّاً على أنَّ التجارة عبر الحدود في خطوط العرض المختلفة، من إسلام كويلا في إيران, إلى تورغوندي في تركمانستان, وعبر شمال طاجيكستان "ستظل مفتوحة وفعالة"( ).
3. النشاط الاقتصادي:
تُعد بكِّين الآن أكبر مستثمر أجنبي في أفغانستان، ما يجعلها شريكاً مهمَّاً للحكومة المنتخبة, وهي تحاول بناء اقتصاد وسط حرب لا تنتهي أبدًا. ويشمل ذلك عقد إيجار بقيمة 3 مليارات دولار لمنجم نحاس عملاق في "عينك"، على بعد حوالي 20 ميلاً جنوب شرق العاصمة, في الوقت نفسه، عزَّزت الصين علاقاتها مع طالبان وأصدقائها مثل شبكة حقاني, هذه العلاقات ليست جديدة: كان المسؤولون الصينيون يوقعون صفقات مع نظرائهم من طالبان في 11 سبتمبر 2001م، حيث كانت الطائرات تحطِّم البرجين التوأمين.
4. فتح أفق العلاقات السياسيَّة مع طالبان:
لم تكن العلاقات دائمًا سلسة قتل مسلحو طالبان مجموعة من العمال الصينيِّين في العام 2004م, لكن في السنوات الأخيرة، لم يكتفوا بالترابط فحسب، بل فعلوا ذلك بشكل علني على نحو متزايد, فاستضافت الصين قادة طالبان، بما في ذلك في العام 2019م، عندما ساعدت في التوسُّط في صفقة بين الجماعة المتشدِّدة وأمريكا, ومثل الحكومة الأفغانيَّة، تحتاج طالبان إلى الاستثمارات والبنية التحتيَّة والوظائف في أجزاء البلاد التي تسيطر عليها, وتقدِّم الصين لهم ذلك مقابل علاقة عمل تتجاهل فيها طالبان انتهاكات بكين لحقوق الإنسان ضد أقليَّة الأويغور المسلمة في شينجيانغ.
وأشار موقع "First post" أنَّ الصين تطلب من طالبان "بانفصال نظيف" عن جميع القوى الإرهابيَّة، والعودة إلى السياسة الأفغانيَّة السائدة, وشدَّد وزير الخارجيَّة الصيني "وانغ يي" إنَّه يتعيَّن على طالبان، باعتبارها قوَّة عسكريَّة رئيسيَّة في أفغانستان، أن تُدرك المسؤوليَّات التي تتحمَّلها تجاه الأمَّة، وأن تقوم "بقطع نظيف" مع جميع القوى الإرهابيَّة، وأن تَعود إلى السياسة الأفغانيَّة الرئيسيَّة( ).
وبالفعل جاء الرد على لسان "محمَّد سهيل شاهين"، المسؤول البارز في المكتب السياسي للحركة في الدَّوحة، قطر، في رسالة له, إنَّ طالبان لن تسمح "لأي شخص أو أي جماعة باستخدام الأراضي الأفغانيَّة ضدَّ الصين أو أي دولة أخرى", "هذا هو التزامنا", حيث أنَّ أي ممارسات مخالفة لذلك سيهدِّد بشكل خاص مشاريع بقيمة 60 مليار دولار, في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني "CPEC", وقال "فان هونغدا"، الأستاذ بمعهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة شنغهاي للدراسات الدوليَّة: "يمكن للفوضى في أفغانستان أن تمتد إلى دول أخرى, وتؤدِّي إلى اضطرابات إقليميَّة", "ولا تريد الصين تولِّي الدور الأمريكي، لكنَّها تأمل في تسهيل السلام والاستقرار الإقليميَّين لأنَّ لها مصالح في المنطقة", جاء هذا الحديث في ظل قلق من تمدد طالبان في الداخل الأفغاني, فوفقًا للبيانات التي جمعتها صحيفة "Long War Journal" تسيطر الجماعة المتمرِّدة الآن على 204 من 407 مناطق، ارتفاعا في العدد من 73 منذ بداية مايو، بينما تسيطر الحكومة الأفغانيَّة على 74 منطقة فقط حاليَّا, وبقيَّة المناطق متنازع عليها, وقال "شهاب الدين ديلاوار" المسؤول البارز في طالبان مؤخَّراً, إنَّ حدود البلاد الآن "تحت سيطرة" الجماعة وستظل مفتوحة وعاملة, وأضاف "نؤكِّد للجميع أنَّنا لن نستهدف الدبلوماسيِّين والسفارات والقنصليَّات والمنظمَّات غير الحكوميَّة وموظفيها", وقال "موخوبادهايا" وهو حاليًا زميل زائر في مركز أبحاث السياسات، وهي مؤسَّسة فكرية: "ستتأثر المنطقة بشدَّة، "من الانسحاب الأمريكي" لكن بقيَّة العالم لن تكون محصَّنة ضد التحوُّلات في التوازن الجغرافي السياسي والتطرُّف والعنف".
وعلى الرغم من هذه المزايا، من الواضح أنَّ بكِّين متردِّدة، بل وقلقة، بشأن مستقبلها في أفغانستان, وردَّت على إعلان بايدن الانسحاب من خلال مطالبة حلف شمال الأطلسي والولايات المتَّحدة "بالانسحاب ببطء"، حتى لا تَخلق فرصة للإرهابيِّين لكسب الأرض, من خلال الإرهابيِّين، وتعني الصِّين أساسًا "تنظيم الدولة الإسلاميَّة" داعش، الذي له وجود مقلق في أفغانستان، وتأثيره على الانفصاليِّين الأويغور, وجاء هذا الكلام بعد إعلان نيَّة واشنطن الانسحاب السريع من المنطقة.

وقال "وانغ وينبين" المتحدِّث باسم الخارجيَّة الصيني, أنَّ "الولايات المتَّحِدة، في تجاهل لمسؤوليَّاتها والتزاماتها، انسحبت على عجل من أفغانستان، تاركة فوضى واضطراب للشعب الأفغاني ودول المنطقة، وهو القرار الذي فضح بشكل أكبر الوجه المنافق لـلولايات المتَّحدة, لما ترنوا إليه بعد الانسحاب.

 


يتبع...

المصادر:

 

 

 

- https://www.militarytimes.com/opinion/commentary/2021/05/03/why-afghanistan-is-critical-to-the-struggle-against-china-russia-and-iran/
- https://www.newsweek.com/russia-china-iran-step-talks-afghanistan-loses-border-control-1608396
- https://www.ozy.com/around-the-world/butterfly-effect-is-china-ready-to-step-up-in-afghanistan/429437/
- https://www.usip.org/
- https://www.orfonline.org/research/from-war-to-peace-the-regional-stakes-in-afghanistans-future/
- https://asiatimes.com/2021/07/new-great-game-gets-back-to-basics/
- https://www.firstpost.com/world/china-asks-taliban-to-make-clean-break-with-all-terrorist-forces-return-to-mainstream-afghan-politics-9806341.html 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 9