الازمة اللبنانية ومستقبل البلاد (ح2): أسباب خارجيَّة

2021.07.19 - 01:37
Facebook Share
طباعة

ومن أسباب الأزمة أسباب إستراتيجيَّة كبرى, حيث يقدِّم لبنان حالة واضحة للعواقب الوخيمة للابتعاد عن المنطقة، بالنظر إلى حقيقة التنافس بين القوى العظمى, وإذا لم تقدِّم الولايات المتَّحدة المساعدة، فإنَّها تفتح الباب أمام قوى أخرى، لا سيما روسيا, حيث تقع منشأة الإصلاح البحري التابعة لها في طرطوس في سورية، على بعد أقل من 40 ميلاً بالسيارة من ميناء طرابلس اللبناني، الذي قد يكون جاهزًا لتستلمه موسكو, ويمكن أن يصبح لبنان نقطة انطلاق أخرى لتقدُّم روسيا في الشرق الأوسط.
وتحدَّث "Alexander Langlois" في مركز "nationalinte rest" أنَّه يكمن الارتباط الإقليمي والعوامل الخارجيَّة, لعدم استقرار الدولة, حيث عبر محاولة مواجهة النفوذ الإيراني في كل من سورية ولبنان, وهذا يشمل المملكة العربيَّة السعوديَّة، التي تشير مشاركتها الدبلوماسيَّة الأخيرة مع المسؤولين السوريِّين إلى أنَّ الرياض تعتبر حكومة بشار الأسد ضروريَّة لمواجهة طهران, وباب خلفي للنفوذ في لبنان, فالرياض، مثل دول الخليج العربي الأخرى، تنشر قدرات ضخمة لصناديق الثروة السياديَّة للتأثير على سورية، والتي يمكن أن تصل بشكل غير مباشر إلى السياسة اللبنانيَّة من خلال دمشق, كما تواصل إيران لعب دور رئيسي في دعم "حزب الله" في لبنان وسورية, وبدلاً من استعراض القوة الاقتصادَّية، تعتمد إيران وحلفاؤها على الأيديولوجيا والقوَّة, ويشكِّل هذا محاولة طويلة الأمد للحفاظ على ممر نفوذ من إيران إلى البحر الأبيض المتوسط, وهي استراتيجيَّة تحقق نتائج, بغض النظر عن القيود المحليَّة الناجمة عن الصعوبات الاقتصاديَّة, وبالتالي فإنَّ سورية ولبنان, مرتبطان بالمنافسة الإقليميَّة السعوديَّة الإيرانيَّة, كما تتنافس دول أخرى، مثل تركيا والإمارات العربيَّة المتَّحدة وقطر، على النفوذ, ودعمت بشدَّة الجماعات المسلَّحة في الحرب السوريَّة، ناهيك عن ليبيا واليمن, وبالتالي هناك توقُّع بنتيجة كارثيَّة محتملة لسيناريو متكرِّر في لبنان.
وأشارت التقارير أنَّه يعمل البعض، مثل "فرنسا" على إحداث تغيير هيكلي من خلال الوسائل القسريَّة، لكن الانخراط العام في هذه القضيَّة ضئيل للغاية, فنهج فرنسا جدير بالثناء لكنَّه مشكوك فيه، لأنَّ أي جهد لتحقيق الاستقرار في لبنان, يجب أن يركِّز على اللبنانيِّين الذين يشكِّلون جوهر الاستقرار, وبالتالي لن يفضي إلى نتائج هامَّة, فتقاعس المجتمع الدولي عن اتخاذ أي إجراء بشأن هذه القضيَّة, لا يؤدي فقط إلى استمرار معاناة اللبنانيِّين، إلى جانب اللاجئين السوريِّين والفلسطينيِّين، بل يسمح بتطوُّر الوضع لصبح أسوأ بكثير( ).
بالنسبة للولايات المتَّحدة, بدأت منذ حملة الضغط الأقصى التي شنَّها الرئيس السابق دونالد ترامب إلى تعطيل تدفُّقات الأموال من إيران إلى حزب الله بشكل كبير, حيث تشير تقديرات وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة لعام 2019م, إلى أنَّ التدفق النقدي الإيراني لحزب الله وحلفاءه يبلغ 700 مليون دولار سنويَّا قبل العام 2018م, وقال وزير الخارجيَّة الإسرائيلي "يائير لابيد" لمراسلة قناة "سي إن بي سي" هادلي جامبل, خلال زيارته للإمارات مؤخّّرا أنَّ "لبنان اعتاد أن يكون دولة مع منظَّمة إرهابيَّة، والآن أصبح منظمة إرهابيَّة مع دولة، وهو أمر ينذر بالخطر".
وقال "Russell A. Berman" في دراسة نشرها مركز "The Hill", يواجه لبنان مزيجًا خطيرًا من الأزمات, وهناك قضايا مهمَّة تتعلَّق بالمصلحة الوطنيَّة الأمريكيَّة والاستراتيجيَّة الجغرافيَّة على المحك, ومع ذلك، فإنَّ السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة في الشرق الأوسط مكرَّسة حاليَّاً للهوس الوحيد بالمفاوضات الإيرانيَّة، ما يترك القليل من الأكسجين لمسائل أخرى"( ).
وقال "Marshall McGurk" في موقع usma"" للدراسات أنَّ علاقة الولايات المتَّحدة بلبنان حساسة سياسيَّاً، وتحافظ حكومة الولايات المتَّحدة على علاقات برنامجيَّة ومؤسسيَّة مع لبنان، واضعة في اعتبارها دور البلاد في الشؤون الإقليميَّة, ولدى وزارة الدفاع الأمريكي شراكة مع الجيش اللبناني للتدريب وبناء القدرات والمبيعات العسكريَّة الأجنبيَّة، حيث استثمرت أكثر من 2 مليار دولار في الجيش على مدى الخمسة عشر عامًا الماضية, وكانت عوائد هذا الاستثمار كبيرة بالنسبة للولايات المتَّحدة, في مواجهة النفوذ الصيني والنفوذ الروسي( ).
بالنسبة لروسيا, يقول "Yeghia Tashjian" في موقع "Armenian weekly" للدراسات, أنَّها تمارس نفوذها حول البلدان المجاورة، بما في ذلك لبنان, وتنظر روسيا إلى لبنان على أنَّه جزء من المسار السوري، لذا ستسعى موسكو جاهدة لمواصلة اللعب في هذا المجال للاستفادة من نفوذها, بعد التدخل في الصراع السوري, ويتمثل أحد الأهداف الرئيسيَّة لروسيا في الشرق الأوسط في توسيع نفوذها في المنطقة, والسيطرة على موارد الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط, خاصة بعد هزيمة داعش كما تلعب دورًا مهمًا في المساعدة في حل أزمة اللاجئين السوريِّين,وعرضت روسيا التنسيق الأمني والعسكري والاستثمارات في قطاع الطاقة, وفي مقابلة مع صحيفة "أرمينيان ويكلي"، قال "لوري هايتايان"، خبير النفط والغاز في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط، إنَّ روسيا مهتمَّة بـ"خلق وجود قوي في المنطقة والسيطرة على خط أنابيب يمتد من العراق إلى لبنان عبر سورية, بالتالي العمل على تهميش الدور الأمريكي, ومن منظور إقليمي، ترى موسكو أنَّ لبنان هو نقطة ضعف لسورية، بالنظر إلى الترابط الاجتماعي والاقتصادي بين البلدين, ارتبطت الأزمة المالية في لبنان ارتباطاً مباشراً بتخفيض إضافي لقيمة العملة السوريَّة والعكس صحيح, لأنَّ سورية تعتمد على الدولار الأمريكي والوقود المدعوم والقمح والمواد الغذائيَّة الأساسيَّة المهرَّبة من لبنان, وهذا يعني أن على موسكو "لإنقاذ مصالحها في سورية" أن تلعب دورًا أكبر في لبنان مع تفاقم الوضع( ).

 


يتبع..

المصادر:
- https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/lebanon%E2%80%99s-collapse-risks-wider-regional-strife-188784
- https://thehill.com/opinion/international/562888-the-us-should-assist-lebanon-to-push-back-against-irans-ambitions
- https://mwi.usma.edu/more-than-just-friends-the-strategic-advantage-of-enduring-relationships/
- https://armenianweekly.com/2021/06/02/russias-interests-in-lebanon-fulfilling-a-middle-eastern-dream/ 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 9