أعاد ظهور مقاطع مصوّرة تُظهر القيادي في قوات الدعم السريع، الفاتح عبد الله إدريس الملقب بـ"أبو لولو"، وهو ينفذ إعدامات ميدانية لمدنيين في مدينة الفاشر، فتح ملف الانفلات الميداني داخل هذه القوة التي تُتهم بارتكاب جرائم تطهير عرقي واسعة في إقليم دارفور. ومع اعترافه العلني بقتل المئات عبر بث مباشر، يتحول "أبو لولو" إلى وجه مكثف لعنف الدعم السريع، وإلى دليل على انهيار منظومة السيطرة المركزية داخلها.
تكشف قصة "أبو لولو" جانبًا بالغ الخطورة من المشهد السوداني الراهن، إذ يتجسد فيها التحوّل من صراع سياسي بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى حرب إبادة تقوم على الهوية والانتقام. فالرجل، الذي قاد عمليات في الفاشر بصفة "عميد ميداني" في صفوف الدعم السريع، لم يكتفِ بالمشاركة في القتال، بل حرص على توثيق عمليات القتل بالصوت والصورة، في فعل يحمل دلالات تتجاوز القسوة الفردية إلى محاولة "تسويق الرعب" كأداة سيطرة نفسية في مناطق النزاع.
ويرى محللون أن "أبو لولو" يمثل النموذج الأكثر تطرفًا في معادلة الميليشيات داخل الدعم السريع، التي تضم خليطًا من القوى المحلية والمرتزقة والعناصر القبلية، ما جعلها عاجزة عن الالتزام بتراتبية قيادية منضبطة. هذه التركيبة الهشة، كما يوضح مايكل جونز من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن (RUSI)، أنتجت سلوكًا فوضويًا قائمًا على منطق الثأر والنهب، حيث يمارس القادة الميدانيون سلطتهم المطلقة بمعزل عن أي مساءلة مركزية.
وتؤكد صور الأقمار الصناعية التي حللتها جامعة ييل وجود "تجمعات بشرية كبيرة" في محيط الفاشر يُعتقد أنها لمجازر جماعية نفذتها قوات الدعم السريع. هذا التوثيق العلمي يضيف بعدًا جديدًا للاتهامات التي طالت حميدتي وقيادته، ويضعهم في مواجهة أدلة ميدانية قد تُستخدم مستقبلاً أمام المحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، اكتفت قيادة الدعم السريع بإعلان فتح "تحقيق داخلي" في أغسطس الماضي، في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع كمحاولة لامتصاص الغضب الدولي دون نية حقيقية للمحاسبة. إذ لم يُعلن عن أي نتائج أو عقوبات لاحقة، رغم وضوح الأدلة البصرية على تورط عناصر بزي الدعم السريع في عمليات الإعدام.
تعد مدينة الفاشر آخر المعاقل الحكومية التي سقطت بيد الدعم السريع، بعد حصار استمر أسابيع وأسفر عن انهيار شبه كامل للبنية المدنية، ونزوح عشرات الآلاف نحو الشمال. وبسقوطها، بات إقليم دارفور تحت سيطرة شبه كاملة للقوة المتمردة، التي أعلنت نيتها تشكيل "حكومة موازية" هناك، في تحدٍ مباشر لسلطة الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان.
هذا التحول أعاد إلى الأذهان مشاهد مجازر دارفور في مطلع الألفية، حين قاد الجنجويد، النواة الأصلية للدعم السريع، عمليات تطهير عرقي ضد قبائل غير عربية. واليوم، تتكرر الأنماط ذاتها بأدوات أكثر قسوة، وبإخراج رقمي يوظّف شبكات التواصل لتضخيم مشاهد الرعب وإرسال رسائل تحدٍ للداخل والخارج.
وبينما تصف واشنطن الجرائم الأخيرة بأنها "أفعال ترقى إلى الإبادة الجماعية"، يلوذ المجتمع الدولي بالصمت النسبي، مكتفيًا بالتحذيرات والبيانات. أما على الأرض، فمشهد "أبو لولو" وهو يطلق النار على الأسرى في الفاشر، يختزل حقيقة ما آلت إليه دارفور: دولة منهارة، ومليشيا تتلذذ بالموت أمام الكاميرا، في انتظار عدالة مؤجلة.