بورغ يهاجم سموتريتش: "بدائي متغطرس" والسعودية أكثر تقدماً أخلاقياً وثقافياً من إسرائيل
في مقال أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الإسرائيلية، شنّ الكاتب والمفكر الإسرائيلي أبراهام بورغ هجوماً لاذعاً على وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، واصفاً إياه بأنه "نموذج للبدائية والجهل المتغطرس"، ومعتبراً أن سخريته من السعوديين بشأن "ركوب الجمال" تعكس عمق الانحدار الأخلاقي والفكري الذي وصلت إليه إسرائيل الحديثة، في مقابل "انفتاحٍ سعودي متنامٍ نحو العالم".
بورغ، الذي شغل سابقاً رئاسة الكنيست ويُعرف بمواقفه المناهضة للتطرف القومي والديني، كتب في مقال مطول بموقع "واللا" العبري أن سموتريتش لا يمثل فقط شخصية فردية متعصبة، بل "نتاج مسار كامل من التحول الأيديولوجي الذي استبدل القيم اليهودية الأصيلة بخليط من العنصرية والقومية المتطرفة".
البدائية المقنّعة بثوب ديني
يصف بورغ وزير المالية الإسرائيلي بأنه "رجل يعيش في تناقض صارخ، يتغذى على خطاب الكراهية ويعتاش من الخوف".
ويقول: "عندما يسخر سموتريتش من السعوديين وركوبهم للجمال، فهو يكشف عن نفسه كإنسان متخلف ومحرج، يجسد الطائفة الطفيلية التي تعتمد على اقتصاد التكنولوجيا وتتغذى على الجهل والعنصرية".
ويمضي الكاتب إلى أبعد من ذلك في تصويره قائلاً إن "ركوب الجمال رياضة قديمة ومذهلة، بينما اقتلاع أشجار الزيتون على أيدي المستوطنين هو الجريمة اليهودية الجديدة".
ويضيف أن الخطوات السعودية لفتح المملكة للعالم تمثل "مساراً استراتيجياً يستحق الإعجاب"، في حين أن رغبة سموتريتش في أن "تلد زوجته في غرفة خالية من العرب" تعكس "هاوية أخلاقية سحيقة".
ويتابع بورغ في انتقاداته اللاسعة: "سموتريتش هو البدائي الإسرائيلي بامتياز. لا يحافظ على التقاليد بل يشوّهها، ويُضخّم تصورات العالم لدى العنصريين الأوروبيين القدماء، بينما يتحدث عن التوراة وكأنها تبرير مقدس للعنف والاحتلال".
"إله عنصري".. وضمير قومي غائب
يرى بورغ أن الخطر في ظاهرة سموتريتش لا يكمن في تصريحاته المثيرة للجدل فقط، بل في الفلسفة التي يقف خلفها.
فـ"وزير المالية الحقير"، على حد تعبيره، "يؤمن بإله يوزع الأراضي ويحدد من هو جدير بالحب ومن هو محكوم عليه بالكراهية"، مضيفاً: "يقف على رأس حزب فقد ذاكرته الأخلاقية، ويتعامل مع الاحتلال باعتباره وصية دينية مقدسة".
ويحذر الكاتب من أن هذا الانحراف القيمي أدى إلى "تحويل التقاليد اليهودية من تراث رحمة وعدالة إلى آلة لتبرير الفظائع"، حتى أصبح "شعب الكتاب سابقاً عصابة اقتباسات جوفاء تفتقر إلى المعنى الإنساني".
السعودية مقابل إسرائيل: وجهان متناقضان للتاريخ
في المقارنة التي عقدها بورغ بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وسموتريتش، قال إن الأول يمثل نموذجاً حديثاً للانفتاح والتجديد، بينما الثاني يعبر عن "الجمود والانغلاق".
وأضاف: "الأمير السعودي يتقن لغات عدة ويتحرك بحرية بين الجامعات والمراكز الفكرية، يفهم أن الهوية لا تضيع بالانفتاح بل تزدهر به. أما سموتريتش، فهو إنسان ضيق الأفق يفتقر إلى التعليم العام، يتحدث الإنجليزية بشكل محرج، ويعيش داخل فقاعة من الغطرسة والجهل".
ويرى الكاتب أن الفارق بين الطرفين هو "الفارق بين التقدم والانغلاق، بين الإيمان المتجدد والعقيدة المتجمدة"، مشيراً إلى أن "العالم العربي، رغم قيوده، بدأ مراجعة ذاتية شجاعة، بينما إسرائيل تنغلق على ذاتها وتبرر الكراهية باسم الله".
تحوّل إسرائيل إلى مجتمع يقدّس الجهل
ينبه بورغ إلى أن بدائية سموتريتش ليست استثناءً، بل ظاهرة ممتدة داخل المجتمع الإسرائيلي، قائلاً:
"لقد تسربت هذه الروح إلى نظام التعليم والإعلام والسياسة. العنصرية تُعرض اليوم كوجهة نظر شرعية، والتمييز يُقدّم كفضيلة وطنية، والجهل يُروَّج كإيمان نقي".
ويضيف أن "مجتمعاً بأكمله يعتاد على رؤية الظلام كشجاعة، والكراهية كقيمة، والتمييز كوسيلة للبقاء"، محذراً من أن "إسرائيل تسير نحو هاوية ثقافية لا خروج منها إلا بالعودة إلى قيم الرحمة والعدالة التي شكلت جوهر التراث اليهودي يوماً ما".
بورغ ليس مجرد رد على تصريح مسيء لوزير متطرف، بل صرخة داخل المجتمع الإسرائيلي تكشف عمق الأزمة القيمية التي تعيشها النخبة السياسية الحاكمة.
فبينما تسعى السعودية إلى بناء نموذج حديث من الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي، تتراجع إسرائيل نحو ذهنية استعلائية مغلقة، تستعيد رواسب القومية المتدينة وتبرر الاحتلال والتمييز كفضائل وطنية.
إن المفارقة التي يسلط عليها بورغ الضوء ليست لغوية أو دعائية، بل حضارية في جوهرها:
من جهة، مشروع سعودي يسعى إلى التوازن بين الدين والعصر،
ومن جهة أخرى، مشروع إسرائيلي يتقهقر إلى "الظلام الأخلاقي" تحت راية دينية مشوهة.
وبين الجمل والآلة، بين الرمال والحديد، يختار بورغ بوضوح:"السعودية هي الفيلا المضيئة، وسموتريتش هو الحيوان المتوحش الذي يمثل الغابة الإسرائيلية المظلمة".
