القطاع التعليمي في الجنوب: تحديات ومصاعب وصمود

مايا عدنان شعيب / خاص وكالة أنباء آسيا

2024.02.13 - 10:52
Facebook Share
طباعة

تدخل الحرب في جبهة الجنوب شهرها الخامس اليوم، ومصير الطلّاب لا يزال يترنّح بين انقطاع عن التعليم لعدد منهم وتعليم من بُعد، يصفه الأهالي بـ"غير المتكافئ" مع التعليم الناشط في مدارس أخرى، في حين أنّ عدداً من المدارس والمهنيات الرسمية في الجنوب لم تكُن قد انطلقت بعامها الدراسي بعدُ عند اندلاع الحرب، مما أدّى إلى انقطاع التواصل مع الطلاب لنحو شهرين بفعل الإقفال.

 

في الآتي قصص عن قرب لمعاناة النازحين تربوياً، ومواكبة خاصة لخطة الوزارة ومتابعة المعنيين على الأرض.

 

"معاناة الطلاب النازحين عن قراهم"

كان لنا لقاء مع عيّنة من طلاب قرى الجنوب الحدودية، مِمّن أجبرتهم الاعتداءات الإسرائيليّة على ترك بيوتهم ومدارسهم قسراً، وألجأهم عنوةً إلى مناطق أخرى بحثاً عن الأمان، وسط تحدّيات تطال تعليمهم والحؤول دون "تسرّب مدرسيّ" لآلاف الطلّاب، في المدارس الحدودية، الرسمية والخاصة، وفي المراحل التعليمية كافّة.

 

 تروي الطالبة في الشهادة الثانوية مريم، التي نزحت من بلدة عيترون إلى بلدة النميرية التابعة لقضاء الزهراني، معاناتها مع التعلّم "أونلاين" هذه السنة، وهي التي اضطُرّت إلى العمل في حضانة قريبة لمساعدة ذويها في تأمين إجار المنزل الجديد.

 

تقول مريم لأنباء آسيا إنّ "التعلّم عبر الـ"أونلاين" صعب جدّاً، ونتعاون مع المعلّمين لإعادة مشاهدة الفيديوات أو المحاضرات عبر "زوم" متّى توافر الاتصال بالإنترنت".

أمّا في القطاع الخاصّ، فلم تكن الأزمة ظاهرة وجليّة فيه كالقطاع الرسمي. فقد نجحت إدارات المدارس في الانتقال سريعاً نحو التعليم "أونلاين"، الذي يُمكن وصفه بـ"الفعّال"، أو في إلحاق طلابها بأحد فروع المؤسّسة في منطقة النزوح.

في الأسابيع الأولى للحرب، وَجد طلاب الجنوب أنفسهم في دوّامة مجهولة الأفق، بعد سلسلة قرارات ل#وزارة التربية تقضي بإقفال المدارس في المنطقة الحدودية، وفي مدارس أخرى، بحسب تقييم مستوى الخطر لديها، وهو ما انسحب إقفالاً شمل بعض قرى صور والنبطية ساحلاً.

في إحصاء أُجري في كانون الأول 2023، تبيّن أنّ 44 مدرسة أساسيّة وثانوية رسمية، إضافة إلى 7 مهنيات رسمية، امتداداً من الناقورة إلى شبعا وما بينهما، مقفلة بشكل كامل، ناهيك بعشرات المدارس الخاصة على الامتداد الجغرافي لأقضية بنت جبيل ومرجعيون وحاصبيا. أمّا التقديرات الأولية للنازحين من المدارس الرسمية، نهاية العام 2023، فتشير إلى 6800 طالب و1200 أستاذ.

ضمن خطّة الطوارئ التي أقرّتها وزارة التربية منذ ذلك الحين، انصبّت الجهود على ثلاث نقاط أساسيّة: التحاق الطلاب والأساتذة بأقرب مدرسة رسميّة إلى مناطق نزوحهم، الطلب إلى إدارات المدارس المباشرة بالتعليم من بُعد، وافتتاح عشرة مراكز طوارئ للتعليم: خمسة في محافظة الجنوب، وخمسة في محافظة النبطيّة، تُتيح للطلاب النازحين استئناف انخراطهم في العملية التعليميّة-التعلّمية.

هذه الخطّة التي يصفها الطلاب وذووهم بـ"المتأخّرة" و"غير الناجعة" بالكامل، ترافقت مع استجابة طارئة لمنظمة "اليونيسيف" الدولية، التي أطلقت برنامج دعم ومساعدة تربوية تلبية لحالة الطوارئ التي يعيشها أهالي الجنوب، وتشمل الطلاب النازحين الذين التحقوا بمراكز إيواء ينصّ برنامج "اليونيسيف" التربوي على تعزيز التعليم "أونلاين" للطلاب النازحين، بعد تقديم جهاز "آيباد" لكلّ طالب، إضافة إلى 60 دولاراً شهريّاً كبدل نقل، وتقديم "لابتوب" لكلّ أستاذ أيضاً، على أن يكون الطالب مُسجّلاً على منصّة خاصّة للاستفادة من هذه المساعدات.

عند إطلاقه قُبيل رأس السنة، لم يحظَ هذا البرنامج بتفاعل الطلاب والمعلّمين كما يجب، وتبيّن أنّ عدد المسجّلين على المنصّة يقتصر على 1200 طالب فقط، فيكون لدينا نحو 5600 طالب منقطعين عن التعليم.

في السؤال عن أوضاع هؤلاء الطلاب، بدا جليّاً أنّ أسلوب التعليم الذي يتلقّونه كان "متعثّراً"، ويقتصر على مشاركة الدروس عبر مجموعات الـ"واتساب"؛ وهو ما استدعى تحرّكاً من المكتب التربوي في حركة "أمل"، بالتعاون مع وزارة التربية، لإحصاء الفئة المستهدفة ميدانيّاً، وإشراك المهنيات الرسمية أيضاً في المشروع.

مطلع العام 2024، ارتفع عدد الطلاب المسجّلين على المنصّة من 1200 إلى 6350 طالباً، والأساتذة من 200 إلى 1100 أستاذ، ممّا سمح لهذه الأعداد بالاستفادة من التقديمات العينيّة والمادية التي تقدّمها "اليونيسيف" عبر وزارة التربية.

وبالرغم من هذه التقديمات، فإنّ تحدّيات جمّة تواجه مسار تعليم طلاب الجنوب "بشكل مستدام" ليتناسب مع الطلاب في المناطق اللبنانية الأخرى، وسط تساؤل عن جدوى المبادرة وعدالة المنهاج.

تُتابع وزارة التربية يوميّاً أحوال التعليم في المدارس الحدودية، بعدما أطلق المركز التربويّ للبحوث برنامج "مواردي" الذي يُتيح للأساتذة مشاركة الملفّات ضمن خدمة "أوف لاين"، التي تسمح للطلّاب الاطّلاع على الدروس متى توافر اتصالهم بالأنترنت.

أمام هذا الواقع، يكمن التحدّي اليوم بانتشال العام الدراسيّ من خطر السقوط وسط ما يعانيه البلد من تهديدات أمنية، خصوصاً بعد الاضطرابات العديدة التي شهدها القطاع التربويّ في السنوات الأربع الأخيرة.

إذن، استطاعت "التربية" تأمين "أرضية سليمة" لتعليم الطلاب بنسبة تتراوح ما بين 60 و70 في المئة، فيما الثغرة الأخيرة التي لا تزال تشوب هذه المبادرة هي عدم إتاحة الاتصال بالأنترنت لكلّ الطلاب.

"الأزمة التي تلاحق الصامدين في قراهم"


للوقوف عند تلك الأزمة التي تسببت بها الحرب كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع مديرة "مدرسة ياطر الرسمية" الأستاذة عناية سويدان التي أفادتنا أنّ المدرسة تعرضت لاعتداء مباشر من العدو الاسرائيلي منذ شهرين إثر سقوط صاروخ اعتراضي حالت العناية الالهية حينها دون وقوع إصابات بعد أن سقط على سيارتها المركونة في حرم المدرسة.

 


التعليم "أونلاين": تجربة غير مكتملة

أشارت سويدان أنه بعد الحادثة صدر قرار عن وزارة التربية بمتابعة التعليم اونلاين ( عن بعد) بعد تأمين أجهزة للطلاب ومساعدات مالية رمزية قدمتها منظمة اليونيسيف بالتنسيق مع وزارة التربية ولم يتسنّ لجميع الطلاب الحصول عليها، ويقتصر الحضور في المدرسة على الاداريين فقط لمتابعة الأمور الإدارية.

وحدثتنا سويدان عن الصعوبات التي تواجه الطلاب في ظل الظروف الصعبة التي تعانيها المنطقة كغيرها من القرى والبلدات المواجهة لمواقع الاحتلال، على الصعيد الاجتماعي والنفسي والاقتصادي وتبعاته على الأهل والمعلمين والطلاب معًا، فالتعليم عن بعد لا يحقق الغاية المطلوبة إلا أنه يبقى الحل الأمثل لئلا يخسر الطلاب تحصيلهم لهذا العام عملًا
بقاعدة "العوض ولا التلَف" على حدّ تعبير سويدان.

ويبذل الإداريين في المدارس التي يتعذر وصول الطلاب إليها جهدهم لاستمرارية التعليم رغم أن تلك المدارس تعاني نقصًا شديدًا على صعيد البناء الذي يحتاح إلى ترميم والتجهيزات التي لا تلبي حاجات المتعلمين أضف إلى ذلك أزمة الرواتب.


وعن انعكاس تبعات الحرب على المدارس الآمنة التي تحولت مراكز إيواء للنازحين أجابت سويدان:

المشكلة تكمن في قضيتين: «الأولى أن يكون المقصد الرئيسي للنازحين باتجاه المدارس، ونحن شهدنا بمدينة صور افتتاح عدد من الصفوف داخل 4 مؤسسات تربوية لاستقبالهم. وإن زاد العدد من الوافدين، فسنشهد حاجة كبرى للمساحات، ما سيضطر إدارة الكوارث في المحافظة إلى افتتاح صفوف جديدة للعائلات، وهو ما سيؤثر في العملية التدريسية».

وأضافت سويدان: «القضية الثانية تتعلق بالمدارس في القرى الجنوبية التي قد تتعرض لأضرار جسيمة في المباني. حينها، سنكون أمام مشكلة إعادة إعمارها؛ فمن سيدفع هذه التكلفة ونحن نعيش في أزمة اقتصادية؟ حتى رواتب الأساتذة لا يتم تأمينها بسهولة».

وختامًا تمنّت سويدان على وزير التربية الالتفات الى المدارس الرسمية التي تعاني منذ أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية الى حد يهدد استمرارية عملها في وقت تعتبر فيه الملجأ الوحيد للعائلات المتوسطة الحال التي لا يستطيع أبناؤها تحصيل علمهم في المدارس الخاصة في ظل الظروف المعيشية والاجتماعية والأمنية الصعبة التي يكابدها الأهلفي منطقة الجنوب.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 1 + 2