صراع الشرق الأوسط: لاعب جديد في مسرح المنافسة

إعداد - رؤى خضور

2021.02.22 - 08:33
Facebook Share
طباعة

 في خطابه في مؤتمر MEI - CENTCOM الأول، قال الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية: "لقد بدأنا نشهد تجددًا لمنافسة القوى العظمى في منطقة الشرق الأوسط مع بدء الصين وروسيا العثور على نقاط الضعف للبدء في الانتقال إليها، في الواقع، أصبحت المنطقة بأكملها حديثاً منطقة مشاركة بيننا وبين القوى العظمى الأخرى"، ليأتي هذا البيان كمؤشر آخر على أن منطقة الشرق الأوسط، في ضوء المصالح الصينية المتنامية ومصالح روسيا الموجودة سلفاً، قد تصبح مسرحاً لتنافس القوى العظمى، صحيح أن المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا على الهيمنة على الشرق الأوسط قديمة العهد، إلا أن الصين ظهرت كلاعب جديد نسبياً في هذه المنافسة، وبينما كانت في الماضي تركز فقط على القضايا الاقتصادية المتعلقة بالشرق الأوسط، فإنها تنظر اليوم إلى هذه المنطقة بشكل مختلف وتهدف إلى زيادة مشاركتها السياسية والعسكرية، ومن الواضح أن روسيا والصين ترغبان في تقليل نفوذ الولايات المتحدة في هذه المنطقة، لكن من غير الواضح تماماً كيف سيؤثر نمط مشاركة هاتين القوتين العظيمتين على علاقاتهما الثنائية.

فعلى الرغم من التقارب بين بكين وموسكو في العقد الماضي، يبدو أنه إذا لم يتمكن البلدان من التوصل إلى اتفاقات من شأنها أن تحدد حدود التدخل، فهناك احتمال كبير أن تجد بكين وموسكو نفسيهما في صراع على السلطة يؤدي إلى صراع حقيقي، نظراً لمصالحهما المشتركة في المنطقة، خصوصاً أن السياسة الصينية الجديدة تجاه الشرق الأوسط جديدة على الروس الذين اعتادوا التعامل مع الصينيين في منطقة أخرى من العالم. 

لا شك أن كلا البلدين يشتركان في الأيديولوجية ذاتها، ولديهما محاذير من التدخل الغربي في مجتمعاتهما، وقد عزز تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب العلاقات بينهما، لكن بالرغم من تعزيز علاقتهما، ما زالت هناك عقبات أمام التعاون الوثيق، على سبيل المثال، إذ لدى روسيا مخاوف بشأن طموحات الصين وتأثيرها في آسيا الوسطى، وهي منطقة تاريخياً داخل مجال النفوذ الروسي، ومخاوف بشأن استثمارات الصين في الشرق الأقصى الروسي الغني بالطاقة، وها هو الشرق الأوسط الآن مسرح جديد للاحتكاك المحتمل بين القوتين، لذلك من الضروري مراجعة السياسات السابقة لكل منها لتحديد إمكانية التعاون - أو الصراع - في هذه المنطقة.

سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط

تاريخيًا، كان الشرق الأوسط قليل الأهمية في السياسة الخارجية الصينية، لكن صعود الصين النيزكي إلى المسرح العالمي كقوة عالمية قد غير موقفها الاستراتيجي، وامتدت طموحاتها غرباً خاصة وأن المنطقة موطن لستة من أكبر عشرة مصادر للنفط بالنسبة للصين، وهو مورد حاسم لنموها الاقتصادي، لذلك كان اهتمام بكين الرئيس في المنطقة هو ضمان تدفق النفط، وقد اقتصرت الصين على تعزيز التعاون الاقتصادي ومشاريع البنية التحتية واستخدام القوة الناعمة، وتجنبت التدخل في السياسات الداخلية للدول، بينما كانت تحاول بناء علاقات ودية مع الدول المتصارعة، مثل الكيان الصهيوني وإيران لضمان الاستقرار الجيوسياسي  لتعزيز مشاريعها التنموية في البر والبحر.

سياسة روسيا تجاه الشرق الأوسط

يرى الرئيس فلاديمير بوتين أن الشرق الأوسط مهم بالنسبة لروسيا لأن التحديات الأمنية الناشئة في المنطقة تؤثر على النفوذ الروسي، وبدأت روسيا حملتها في سورية في أيلول/سبتمبر 2015 بنشر قوات في قاعدة حميميم العسكرية للقتال ضد الجماعات المسلحة المعارضة السورية، وداعش، وجبهة النصرة، وجيش الفتح، وشنت روسيا ضربات جوية على هذه الأهداف، وتدخلت لإمداد الجيش السوري بالأسلحة والمعدات، لتصبح لاعباً رئيساً في الشرق الأوسط، وتتطلع موسكو إلى ترسيخ وجودها في المنطقة والاستفادة من موطئ قدمها العسكري في سورية من أجل مزيد من النفوذ السياسي في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، إذ أنها تحاول إثبات حضورها في جميع أنحاء الشرق الأوسط بطرق مختلفة، فأبرمت اتفاقيات في مجال الطاقة مع المملكة العربية السعودية، وتوسطت صفقات السلاح مع مصر وإيران وتركيا وقطر، وتطورت شراكة قوية مع الإمارات العربية المتحدة، كما تسعى إلى إقامة قواعد بحرية وجوية في قبرص ومصر وليبيا وسورية والسودان واليمن، علاوة على ذلك، تستخدم روسيا، على غرار الصين، القوة الناعمة في الشرق الأوسط، من خلال المراكز الروسية للعلوم والثقافة (RCSC) في الأردن ولبنان وسورية ومصر والمغرب وتونس والضفة الغربية، وبالتالي فإن الوجود الروسي في الشرق الأوسط متعدد الأبعاد ويتضمن جوانب عسكرية ودبلوماسية وإعلامية واقتصادية.

مواجهات محتملة

في ضوء المنافسة على النفوذ هناك مناطق صراع محتملة بين هاتين القوتين:

الوجود البحري، إذ أقامت الصين شراكات رسمية مع خمس عشرة دولة في الشرق الأوسط، وعديد من هذه الاتفاقيات تشمل التعاون البحري. وتشارك في مهام مكافحة القرصنة والأمن البحري في بحر العرب وخليج عدن، وفي الوقت ذاته، تتمتع روسيا بحضور قوي في البحر الأبيض المتوسط في القاعدة البحرية في طرطوس، ووضعت اللمسات الأخيرة مؤخراً على اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان، ما يمنح القوات الروسية موطئ قدم صغير ولكنه مهم في البحر الأحمر، لذا فإن إن القرب الجغرافي الوثيق بين القواعد البحرية لكلا البلدين وتداخل مصالحهما في منطقة البحر الأحمر يمكن أن يؤدي إما إلى التعاون (مثل المناورات البحرية المشتركة مع إيران في العام 2019 والتي يجري التخطيط لها حاليًا ) أو إلى المواجهة.

مبيعات الأسلحة، أدت النزاعات المستمرة (كالموجودة في سورية واليمن وليبيا) والوضع الأمني غير المستقر إلى زيادة الطلب على الأسلحة في الشرق الأوسط، وتعتمد سياسة مبيعات الأسلحة في الصين على المكاسب الاقتصادية وبما أن الإنتاج الصيني للأسلحة قد زاد فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الصادرات الصينية إلى المنطقة، بينما تستخدم روسيا مبيعات الأسلحة إلى الشرق الأوسط لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة، وترى موسكو أن مبيعاتها من الأسلحة وسيلة أخرى لزيادة اعتماد "المشتري" على روسيا وتقوية العلاقات الدبلوماسية وغيرها مع الدول التي تشتري الإمدادات العسكرية الروسية، وهي مستعدة لبيع قدرات عسكرية متطورة لأي دولة تقريباً في الشرق الأوسط، بما في ذلك سورية ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة.

لكن خلال الأعوام القليلة الماضية، لجأت عديد من الدول إلى الصين عند وجود معوقات في مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة أو أوروبا، لذا قد يؤدي الانتشار المتزايد للأسلحة الصينية إلى دخول بكين في مواجهة مع موسكو حول سوق الأسلحة في الشرق الأوسط.

القدرات النووية، وذلك باعتبار أن الصادرات النووية هي امتداد للسياسة الخارجية لكلا البلدين، إذ تسعى الدولتان إلى تأمين نفوذ جيوسياسي طويل المدى، وقد قامت شركة Rosatom للطاقة النووية الروسية بزيادة نشاطها في الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، وبنت مفاعلات في إيران ومصر والأردن وتركيا.

في المقابل، تعاونت الصين والمملكة العربية السعودية في بناء منشأة نووية شمال غرب السعودية، لذا فإن المنافسة في السوق النووية يمكن أن تدخل القوتين في صراع.

 استنتاج

تسير الصين وروسيا في مسار تصادمي في الشرق الأوسط، وصحيح أن غزوات الصين للشرق الأوسط حديثة نسبياً، إلا أنه من المرجح أن تصبح أكثر توسعية، ووجودها في الشرق الأوسط سيؤدي على الأرجح إلى صراعات مع روسيا بالنظر إلى الوجود التاريخي لروسيا في المنطقة.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 10