كتبت احسان الفقيه: ليبيا إلى مربع متقدم.. فهل تكتمل فرحتنا؟

2021.02.12 - 10:00
Facebook Share
طباعة

 «الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك» إحدى العبارات الشهيرة المنسوبة لشيخ المجاهدين الليبيين ضد الطليان عمر المختار، يبث بها الأمل في نفوس شعبه المُبتلى بالنزاعات الداخلية والمكائد الخارجية.


واليوم يجد أبناء المختار أنفسهم يقفون عند تلك المحطة الفارقة، بعد أن توالت على ظهورهم الضربات، ويستشرفون مستقبلهم، ويجعلوننا نتساءل: هل قصمت تلك الضربات الموجعة ظهورهم؟ أم أنها زادتها قوة تؤهل أصحابها لرسم المشهد المقبل في ثبات؟ وأخيرا، انتقل الملف الليبي إلى مربع متقدم على أنغام صمت المدافع، بعد حرب داخلية مستعرة تُهيِّج شبح التقسيم أمام أعيننا، وبعد أن غدت أرض ليبيا مسرحاً لحرب إقليمية تدار بالوكالة. ولئن كان كل مولود يُحفر تاريخ ميلاده في الأذهان، فحتما لن ننسى يوم الجمعة السادس من شباط/ فبراير 2021، حيث ولدت على أرض جنيف، سلطة ليبية تنفيذية مُوحدة جمعت الفرقاء، تمهد الطريق أمام انتخابات مرتقبة في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر المقبل، تحدد مصير أهلنا في ليبيبا.


إلى موقع رئيس الوزراء ارتقى عبد الحميد دبيبة (إقليم طرابلس) أما المجلس الرئاسي فيبدو أن عمر المختار كُتب له حضور الذِّكر في المشهد، حيث ارتقى إلى موقع رئيس المجلس الرئاسي محمد يونس المنفي (إقليم برقة) ابن قبيلة المنفة، التي ينتمي إليها شيخ المجاهدين المختار، يضم المجلس نائبين للمنفي هما: موسى الكوني (إقليم فزان) وعبد الله اللافي (إقليم طرابلس) وكما ترى، هناك تمثيل واضح للأقاليم الثلاثة ما يعد بادرة خير. قد تبدو توليفة غريبة في ظاهرها، لكن الأغرب هو فوز هذه القائمة على قائمة عقيلة صالح/فتحي باشاغا، القوية، فيبدو أن ترجيح الأولى قد أتى على إثر رغبة قوية في اختيار شخصيات غير جدلية، وغير متورطة في الصراع، تحظى بأعلى قدر من التوافق عليها. هل نستطيع القول إن ليبيا وصلت إلى هذه المحطة الفارقة بدافع حالة الإنهاك التي أصابت كل القوى المتصارعة؟ أم نقول إن الدافع كان مخاوف التقسيم، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟ أم نقول إن الدافع تمثل في توافق غربي بقيادة الولايات المتحدة للحد من النفوذ التركي والروسي في ليبيا؟ كلها احتمالات واردة، لكن في كل الأحوال وفي ظل مختلف التكهنات، فليبيا وصلت إلى هذا المربع الذي يفتح باب الأمل في تحقيق الاستقرار للشعب الليبي. على الرغم من ذلك، فالمنطق واستقراء الواقع يفرض علينا ألا نفرط في التفاؤل، فالأوضاع مُلغّمة، والإشكاليات ظاهرة، والقضية خاضعة لتسويات ليس من السهل تحقيقها، ليس فقط بين خصوم الداخل، بل بين أطراف خارجية تمسك بخيوط اللعبة. أحد هذه الإشكاليات الجنرال خليفة حفتر المدعوم من قبل المحور المناوئ لتركيا، ليبقى التساؤل الأهم: هل من الممكن أن يقبل حفتر بأوضاع قد تخلو من فرض سيطرته على الجيش والأجهزة الأمنية في ليبيا؟ على الرغم من أن الرجل هنأ بالنتائج المنبثقة من الحوار السياسي برعاية بعثة الأمم المتحدة عن طريق الناطق باسمه، اللواء أحمد المسماري، إلا أننا لن نستطيع أن ندفع عن أذهاننا استعداداته السابقة لإشعال ليبيا، في سبيل كسب معاركه، ولا يخفى أنه منذ إعلان الأمم المتحدة في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020، عن توصل طرفي النزاع في ليبيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ضمن مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة في مدينة جنيف السويسرية، منذ هذا الإعلان قامت ميلشيا حفتر بخرق هذا الاتفاق أكثر من مرة، واستمرت تحشيدات حفتر العسكرية، كان آخرها ما تم رصْده الخميس الماضي من تحشيداته في مدينة الجفرة.


ربما يعزز من تلك المخاوف، الصيغة التي علقت بها حكومة الشرق الليبي الموالية لحفتر على نتائج التصويت، حيث اشترطت من خلال تصريح لرئيسها عبد الرحمن الثني، مصادقة برلمان طبرق على الحكومة الجديدة لكي تسلم السلطة، وهي صيغة مقلقة. وإذا أمسكنا بجذور القضية، سنجد أنفسنا حتما إزاء طرفي الإقليم اللذيْن تتنازع مصالحهما في ليبيا، وهما الإمارات ومصر، اللتان تدعمان حفتر من ناحية، وتركيا الداعمة لحكومة السراج السابقة من ناحية أخرى، فهل يتم التوافق بين الطرفين في إمضاء الأمور على مجراها الطبيعي، لحين الاستحقاقات الانتخابية واحترام نتائجها، من دون تعقيد؟ رغم ما تم تداوله عن وجود توافق تركي مصري في الملف الليبي، إلا أن القبول بذلك تعترضه عقبة كؤود، وهي أن دعم مصر والإمارات لحفتر يرتكز على رغبة جامحة في ملاحقة آثار الربيع العربي، وتتبع وجود الإسلام السياسي في المنطقة، والدولتان في الوقت نفسه تتهمان تركيا بمساندة هذا التيار في ليبيا وغيرها، فهل تتخلى مصر والإمارات عن هذا الدور في ليبيا؟ أعتقد أن قبولهما بمخرجات الحوار السياسي مرهونٌ بمدى جدية الولايات المتحدة في إنهاء النزاع في ليبيا، وهو ما يصعب التكهن به، رغم وجود الدافع (الوقوف أمام النفوذ التركي في ليبيا) بالنظر إلى المناورات التي عرفت بها السياسة الأمريكية. وإذا سلمنا بأن الأطراف الداعمة لحفتر (مصر والإمارات وروسيا) سوف تقبل بخروج الجنرال خارج المعادلة، فهل سيذعن هو لذلك، أم يدخل البلاد في فوضى جديدة بإشعال فتيل الحرب مرة أخرى؟


الخطاب الإعلامي الموالي لحفتر وحلفائه داخل ليبيا وخارجها يتناول الحدث بشكل مقلق كذلك، فتلك المنابر الإعلامية تطنطن حول ظهور شخصيات سياسية منبثقة من الحوار السياسي تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وتروج لأن الحكومة الجديدة التي سيتم تشكيلها بمعرفة دبيبة، ما هي إلا استنساخ لحكومة الوفاق. كما تركز هذه المنابر الإعلامية كثيرا على الدور التركي في الأحداث الأخيرة، واتهام أنقرة بالتمكين للجماعات الإرهابية داخل ليبيا، وأنها تهدف إلى إبقاء الحرب مشتعلة في الداخل الليبي لتحقيق أهدافها بالسيطرة على مقدرات الشعب، والعجيب أنها لا تشير من قريب أو بعيد إلى مدى جدية روسيا في سحب مرتزقتها الداعمين لحفتر على الأراضي الليبية.


أقول وبمنتهى الصراحة والموضوعية، إن التدخل التركي في ليبيا لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، جاء في الوقت المناسب، حيث انتشل الدولة من سيطرة حفتر وحلفائه، وغيّر بذلك موازين القوى، ما أدى إلى تكوين أرضية مناسبة للحوار السياسي ومخرجاته. عشرة أشهر وعشرين يوما تقريبا سوف تحسم الصراع بين تفاؤلنا ومخاوفنا حيال هذه الخطوة الأخيرة نجلس فيها على مقاعد الانتظار، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 6