احتجاجات طرابلس بريئة أو محرّكة سياسياً؟

كتب جورج حايك

2021.01.29 - 07:33
Facebook Share
طباعة

 استأثرت الإحتجاجات التي تشهدها طرابلس في اليومين المنصرمين بالمشهد السياسي اللبناني، وانقسمت المواقف والآراء بين من اعتبرها عفوية طبيعية نتيجة الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، وبعض آخر وجد فيها استغلالاً سياسياً واضحاً وخصوصاً انها لم تشمل إلا مناطق كطرابلس وصيدا وبعض شوارع بيروت، وقد تصاعد التوتر أمس مما أدى إلى احراق مبنى بلدية طرابلس، فيما بقيت الساحات الأخرى مثل جل الديب والزوق وجبيل جامدة لا حركة فيها. فما حقيقة هذه الاحتجاجات؟ وما هي علاقتها بحراك 17 تشرين؟ وكيف تقاربها بعض الأحزاب والتيارات السياسية؟


سكاف: طرابلس موجوعة
يعتبر الناشط في الحراك اللبناني سمير سكاف "ان طرابلس موجوعة والدافع إلى هذه الاحتجاجات ليس سياسياً ولا طائفياً، انما اقتصادياً واجتماعيا"، ويؤكد "انه ليس مناطقياً أيضاً لأن ساحتي النبطية وبعلبك شهدتا تحركات أيضاً، إنما حجم التحرك في طرابلس يبدو الأكبر، وذلك لسبب رئيسي ومنطقي لأنها تضم مياومين أي عمال يتقاضون أجورهم يومياً وبالتالي الإقفال ينعكس عليهم سلباً أكثر من غيرهم، وربما استطاع الناس في المناطق الأخرى مثل جبيل وكسروان والمتن من الصمود أكثر من الناحية المالية".

ويرى سكاف "أن الأحزاب المسيحية تلعب دوراً في بعض المناطق والساحات لكن نحن لا نعوّل على تحركات هذه الأحزاب، مع ذلك الساحات ليست مقفلة أمامها ونحن لا نحتكرها ولا خلفيّة سياسية للموضوع".

ويؤكد ان فاعليات ثورة 17 تشرين تتابع هذا التحرك في كل الأوقات وهي متواجدة على الأرض وتبدي عتبها على بعض وسائل الاعلام التي كانت تدعم الثورة بأن تغطيتها للتحركات لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، مع ذلك تلاقي من الـMTV والجديد اهتماماً لافتاً.

وعن احراق مبنى بلدية طرابلس يقول سكاف:"غريب أن يحترق مبنى البلدية من دون أن يكون هناك حماية له من قبل القوى الأمنية كافة، أو حتى شرطة البلدية! وينزل شباب الثورة في طرابلس منذ سنة وأربعة أشهر إلى ساحة عبد الحميد كرامي(ساحة النور) من دون التعرض للمتلكات العامة. ولكن هناك من يتربص بطرابلس بهدف تركيعها وتركيع أهلها".

ديب: تحريك مخابراتي
من جهته النائب في تكتل "لبنان القوي" حكمت ديب يقول:"طرابلس مدينة لبنانية عزيزة وما حصل مستنكر لا بل مستهجن لأقصى حدود"، ولم يخف ديب "ان هناك معلومات تتقاطع حول تحريك سياسي معيّن يحصل بهدف خلق اجواء متشنجة تستفيد منها أطرافاً عدة"، محذراً "من التلاعب بالأمن في طرابلس وغيرها، علماً ان هذه الأيادي الخفية ستكشف وسينقلب السحر على الساحر وهي مزيج من أطراف سياسية ومخابرات خارجية وأجهزة داخلية تتعاطى مع هذا الموضوع بشكل مؤسف وتريد الوصول إلى حالة سياسية وأمنية معينة للاستفادة من واقع جديد. لكن لا يمكننا أن ننكر حالة الفقر التي يعاني منها بعض أبناء طرابلس، فيما البعض الآخر جعل نفسه وقوداً لمحاولات تخريب خبيثة".

نسأل ديب هل يرتبط المحتجون بحرك 17 تشرين؟ يجيب:"لا يمكنك أن تعرف، لقد اختلط الحابل بالنابل، ربما هناك بعض من شارك في حراك 17 تشرين نزل إلى الساحات وقد شاهدنا اليوم بعض المحجتجين الهادئين والحضارين الذين وصفوا من احرق مبنى البلدية بالزعران، وهذا يثبت ان هناك تحريك مخابراتي لهذا الموضوع واستغلال لوجع الناس للوصول إلى غايات سياسية دنيئة تريد أن تغيّر بالواقع وتحديداً مسألة التحقيق الجنائي بعدما بدأ ذلك مع حاكم مصرف لبنان أمام القضاء السويسري، لذلك يلجأ البعض إلى التخريب للهروب من هذا الاستحقاق الذي يرعب كثراً من الزعماء والمسؤولين السابقين والحاليين".

ويوضح ديب ان ساحات المتن وكسروان وجبيل "بقيت هادئة لأن الأمور بدأت تنكشف وقد عرف الناس انه في ظل الاستحقاقات القادمة من تحقيق جنائي وغيره سيكون هناك دور للسيئين الذين لا يريدون الخير للبلد، وإن نزل بعض أصحاب النوايا الحسنة غداً إلى الساحات لا مشكلة بأن يعبروا بطريقة حضارية ومطلبية محقة".

جبور: واقع مأساوي
أما رئيس جهاز الاعلام والتواصل في القوات اللبنانية شارل جبور فيعتبر "انه لا يمكن وضع الاحتجاجات الشعبية إلا في سياق وجع الناس وغضبها الناجم عن الفقر المدقع الذي وصلت اليه"، ويضيف "بمجرد التفكير بأن الناس تجازف بحياتها موازاة مع المجزرة المتمادية في موضوع الكورونا، فنراها تتدفق إلى الشارع للاحتجاج، ولسان حالها بأن الموت بكورونا ليس حتمياً إنما استمرارها في منازلها هو الموت الحتمي، وبالتالي هذه الاحتجاجات عفوية وطبيعية نتيجة الواقع المأساوي الذي نعيشه ويتسبب به الفريق الحاكم لإفتقاره إلى خطط ناجعة بل ما زال يعتد سياسة الدعم المالي الذي يُصرف اما هدراً أو تهريباً إلى سوريا بدلاً من تقديم مساعدات مالية اجتماعية خلال الإقفال التام للمواطنين الأكثر فقراً، وخصوصاً ان هناك مياومين ليس لديهم بدائل سوى العمل على نحو يومي".

وعن استغلال بعض القوى السياسية لهذه الاحتجاجات يقول جبور:"لا شك ان هناك قوى سياسية عديدة تحاول استغلال أو توظيف هذه الاحتجاجات، لكن هذا لا يخفي أسبابها الحقيقية وهي وجع الناس وغضبها. 

نحن كقوات نعتبر أنفسنا جزءاً من الناس، علماً ان مناصري القوات هم من هذا الشعب المتألم والجائع، وبالتالي نعيش حالة الفقر والعوز والمأساة. لكن بالنسبة الينا لا يجوز تجاوز الخط الأحمر: الأول هو الانتظام العام بمعنى انه مهما كان الوجع كبيراً لا يجوز تدمير المنشآت العامة وارزاق الناس، والثاني يرتبط بموضوع القوى الأمنية والجيش اللبناني، لأنها الأرض الوحيدة المتبقية التي تحفظ الاستقرار في لبنان، بل هي العمود الفقري الباقي، فإذا سقط هذا العمود سيسقط لبنان في الفوضى الشاملة، ولا أعتقد ان احداً يريد العودة إلى مشاهد الحرب، لذلك يمنع منعاً باتاً الاعتداء على القوى الأمنية والعسكرية التي تحمي الناس ويجب أن نكون إلى جانبها".

ونسأل جبور لماذا لم تتحرك ساحات جل الديب والزوق وجبيل؟ تجيب:"حتماً القوات كانت جزءاً أساسياً من هذا المشهد، لكنها لم تكن يوماً الداعية اليه، بل كانت مع الناس وإلى جانبها. أما التفاوت اليوم بين المناطق لجهة الاحتجاجات فيعود إلى ان أوضاع بعض المناطق أقل سوءاً من مناطق أخرى، لكننا نؤكد ان الوجع عام ويطال جميع اللبنانيين، وحتماً هناك محاذير كثيرة في ظل كورونا".

ويلفت جبور إلى انه "على الناس أن تكون واعية وهادفة باحتجاجاتها، وكل هذا الغضب يجب أن يتوجّه من أجل اعادة الروح إلى انتفاضة 17 تشرين لتحقيق الأهداف المنشودة وفي طليعتها فرض تقصير ولاية مجلس النواب لتغيير هذه الأكثرية، لأنه إذا لم تتغيّر ستستمر الكارثة التي نتخبط فيها".
Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 7