كتبَ طوني خوري: ماكرون يتقمص شخصية ترامب

2021.01.28 - 08:47
Facebook Share
طباعة

 قد يعتقد البعض ان الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ هو رجل خارق، لانه يبدي استعداداً لتجرع مقدار اضافي من السمّ اللبناني بعد تجربة مريرة مرّ بها، وذاق خلالها مرارة هذا السم وتداعياته، دون تمكنه من ايجاد لقاح او دواء مضاد لانعكاساته. في الواقع، لم يبد ماكرون ابداً وكأنه "سوبرمان"، الا انه اختار على ما يظهر، مقاربة جديدة للملف اللبناني بعد ان مدّه الرئيس الاميركي الجديد ​جو بايدن​ بعبوة كبيرة من الاوكسجين في هذا السياق، وفق الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها ​الادارة الاميركية​ الحالية في اعادة الانفتاح على ​اوروبا​ بشكل كامل. وازاء التصلّب اللبناني (المدعوم من بعض القوى الخارجيّة بطبيعة الحال)، رأى ماكرون ان تقمص شخصية الرئيس الاميركي السابق ​دونالد ترامب​ في جزء محدّد منها، ليس بالامر العبثي او الخاطئة، وهو قد لوّح بعد اعلانه في مؤتمر صحافي عدم تجاوب المسؤولين اللبنانيين مع مبادرته الانقاذيّة، بأن هناك مسارين لمعالجة الامور بما معناه اعتماد سياسة الجزرة والعصا. ومع فشل سياسة الجزرة، لجأ ماكرون الى سياسة العصا، وهذه المرة بمنحى اكثر خطورة مما قام به ترامب الذي عاقب اللبنانيين جميعاً في مسعى منه لاجبارهم على الانقلاب على ​حزب الله​ سياسياً وشعبياً، وهي خطوة فشلت بشكل ذريع، اذ استمرت الامور على ما هي عليه من تدهور وتعقيد على الصعد كافّة، ولم يسقط الحزب او تتراجع شعبيته في بيئته ومحيطه، بل عمد الى تعزيزها عبر سلسلة اجراءات وخطوات شدّت عصب مؤيّديه والمنتمين اليه.


يتمّ التداول في الصالونات السياسية، ان ماكرون خلع عنه ثوب الملاك ولبس ثوباً آخر، وبدأ تهديد الطبقة السياسية كلها عبر الاجراء الذي تمّ الاعلان عنه من ​سويسرا​ حول التدقيق في حسابات وتحويلات حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة. ولا يجب ابداً التوقّف عند شخص سلامة فقط، فالاجراء السويسري يقف وراءه على ما يبدو الرئيس الفرنسي، والرسالة الموجّهة هي أنه باستهداف سلامة، انما يكون الاستهداف لغالبيّة الطبقة السّياسية ورؤساء الاحزاب والتيارات، لانّ حاكم مصرف لبنان يملك ما يملكه من معلومات ومعطيات ووثائق تجعله، اذا ما كان يواجه السقوط، ان يُسقط معه شريحة كبيرة من رجال السياسة والرسميين ورجال الاعمال والاقتصاد والمال، وهم ممّن تحوم حولهم شبهات شبه مؤكدة عن تحويلاتهم الضخمة الى الخارج منذ بداية الازمة الماليّة والاقتصاديّة وحتى اليوم.

يسأل الكثيرون عن سرّ تمسّك الكثيرين برياض سلامة والوقوف الى جانبه، ويغيب عن بال السائلين ان هذا الرجل قادر على إحراج وربّما تغيير وجوه كثيرة لازمت اللبنانيين لعقود من الزمن. واذا ما صحّ كلام الصالونات، فإنّ ماكرون ضرب الوتر الحسّاس، وهو ينوي ردّ الصاع صاعين للطبقة اللبنانيّة التي اظهرته بمظهر العاجز والفاشل، وانّ الغاية الاساس من الرسالة عبر سلامة، هي أنّ الخطوط الحمراء يمكن ان تسقط، واذا لم يتم اعادة الاعتبار واحترام المبادرة الفرنسيّة وبنودها، فليس هناك من حرج في اعادة النظر بالطبقة السياسية والرسمية اللبنانية، لتصبح كل الاحتمالات مفتوحة مع الحرص طبعاً على عدم المسّ بالامن والسلم الاهلي، وهذا ما يستوجب، اذا ما قرّر اللاعبون اللبنانيون قبول التحدّي، تطويق قدرة هؤلاء على زعزعة الاستقرار الامني. من هنا، يستقوي ماكرون بالدعم الخارجي الذي يجمعه اميركياً واوروبيا للانطلاق، ليس فقط في لبنان بل في الخليج ايضاً، وهي فرصة كبيرة لفرنسا لتثبيت قدميها وعودتها بقوة الى الساحة العالميّة، ولم لا تكون البوّابة اللبنانيّة هي التي ستفتح لها الافق والمجال الواسع امام هذه المسيرة، وتكون بالتالي الخطوة الاولى عملياً للحضور الفرنسي الجديد في عهد بايدن، بعد ان تراجع هذا الحضور بشكل كبير في عهد ترامب.

المقال لا يعبّر عن رأي الوكالة وإنما يعبر عن رأي كاتبه فقط


Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 3 + 7