المواصلات نموذجاً..السوريون يفشلون في مواءمة حاجاتهم الأساسية مع رواتبهم الهزيلة

خاص آسيا _ هيا حمارشة

2020.07.03 - 08:37
Facebook Share
طباعة

 " يقتطعون في القطاع العام تكلفة المواصلات من تلقاء أنفسهم"، هكذا بدأ سامي (اسم مستعار) الموظف لدى وزارة الإعلام في سوريا حديثه عن راتبه، الذي لا يتعدى (44080) ليرة سورية، مع الزيادة التي تم وضعها في 21 تشرين الثاني عام 2019، حسب الرسوم التشريعي رقم 5، والتي كان مفترضاً أن تكون (20000) ليرة، بينما اقتصرت على (12000) ليرة.


لا تكافؤ..

يعاني السوريون من صعوبة تدبير متطلباتهم المعيشية ومواءمتها مع الراتب الذي لا يعدو كونه تعويض بطالة في أحسن الأحوال. وينطبق الأمر على موظفي الخاص كما العام ، حيث يبلغ متوسط الرواتب لعام 2020، (70.000)ل.س.


وإذا كان راتب الموظف حسب المتوسط الشهري (70) ألف ليرة، فهذا يعني أنه يتحتم على الموظف أن يخصص (9000) ليرة منه كأجرة سرافيس فقط، أما اذا أراد أن يستقل سيارة أجرة إلى عمله فعليه أن يضع كل ما يتقاضاه أجرةً للمواصلات.


ما الذي يجب أن يكون عليه راتب الموظف السوري الآن؟

يجيبنا الخبير الاقتصادي السوري، شادي أحمد بقوله: "إن هذا السؤال يفتقد إلى بعض العناصر، أولها الخدمات التي تقدمها الدولة بشكل مجاني والتي يفتقدها الكثيرون من موظفي الدول الآخرى كالضمان الصحي،

ويضيف أحمد: "أنه لا يوجد راتب يكفي الموظف في أي مكان، حيث يقسم الراتب إلى ما يسمى بالراتب الأساسي، وهو الذين يؤمن به الموظف احتياجاته الأساسية، وراتب الموظف قبل الأزمة 60% منه كان يسد احتياجاته الأساسية، بينما بعد عام 2011، لم يعد كذلك، لكن الخطأ المتداول الآن هو أن المواطن يحسب راتبه على الدولار، هذا الأمر اقتصادياً ليس صحيحا، لأن الدولار ليس ثابتاً، وبالتالي لا يمكننا أن نقول راتب موظف بل راتب الأسرة، لأن الحاجات أسرية، وفي كل أسرة أكثر من دخل، وهذا يعني أنه يجب علينا أن نحسب الراتب بناء على مجموع ثلاث أو أربع رواتب".


نصف الراتب للمواصلات

لمى، موظفة لدى القطاع الخاص، تتحدث عن معاناتها مع انعدام التكافؤ بين الرواتب والوضع المعيشي، بالإضافة إلى مشكلة النقص في المواصلات، فتقول "أتقاضى شهرياً 70 ألف ليرة دون أي ضمان صحي أو تأمين اجتماعي، ولا أستطيع أن أستقل السرفيس أو باص النقل الداخلي، لأنه غالباً غير متواجد أو لايوجد متسع وسط الازدحام، مما يجبرني للجوء إلى سيارات الأجرة، وبالتالي (بطير نص الراتب مواصلات)، ولا يكفيني إلا لمنتصف الشهر، مع العلم أنني عزباء وغير مسؤولة عن أسرة".


ماراثون النقل الداخلي

مشاكل الموظف السوري، لا تنحصر فقط بقيمة الراتب والمبلغ المقتطع منه للمواصلات، بل أيضاً هناك مشكلة أخرى، والتي تتمثل بسباق ماراثون النقل الداخلي، حيث يتوجب على المواطن، أن يقف حالماً بباصه الأخضر، أو الأحمر، أو الأزرق، وأخيراً الأصفر الذي أهدته الصين للسوريين من أجل حل مشكلة النقل، ولحين وصوله ينحني الموظف باستعداد منتظراً شارة البداية والتي تتمثل بمعرفة أين سيقف الباص، ليبدأ السباق بين الركاب، من أجل الحصول على موطئ قدم في باص النقل الداخلي مقابل خمسين ليرة سورية، أو مئة وخمسين ليرة، وذلك حسب المنطقة المنشودة، أي المسافة الكيلومترية المقطوعة.


ثقافة مجتمعية!

يتحدث سامر حداد، مدير شركة النقل الداخلي، عن مشكلة النقل في دمشق وريفها على سبيل المثال لا الحصر، قائلاً: " لدينا 125 باص نقل داخلي حكومي، 20 منها لدمشق، و25 للريف، و25 مهمات نقل الموظفين، بالإضافة إلى 250 باص تابع لستة شركات خاصة، وبالنسبة للسرافيس يوجد 1800 سرفيس في سوريا، هذا عدد جيد، لكن جميع الدول وليس في سوريا فقط، يوجد هناك وقت الذروة، وهو الوقت الذي تجتمع فيها معظم شرائح المجتمع من موظفين وطلاب وغيرهم، تتمثل في الساعة الواحدة ظهراً، مما يؤدي لحدوث اكتظاظ، أما بالنسبةللذين يستقلون الباص وقوفاً فهذا يعود للثقافة المجتمعية، حيث يمكنهم الانتظار"، ويعيد حداد سبب الازدحام أيضاً إلى الاضطرار أحياناً إلى تخصيص باصات لأمور أخرى كنقل العائدين إلى القطر من المطار أو الحدود إلى مراكز الحجر الصحي،والسبب الآخر الذي تحدث عنه حداد، هو الحصار الاقتصادي الذي لعب دوراً كبيراً فيما يخص استيراد العدد الممكن لتغطية كافة المحافظات، وذلك بسبب ارتفاع كلفة الاستيراد.


الميترو .. 15 عاما وأكثر

مشروع المترو، هو مشروع مطروح على طاولة الحكومات السورية منذ عقود، حيث يشير حداد فيما يخص هذا الموضوع، إلى أنه منذ 15 عام تم طرح مشروع المترو لتخديم ثلاثة مسارات في دمشق، المسار الأول من السومرية إلى حرستا، والثاني لاتستراد المزة، والمسار الثالث للمتحلق الجنوبي، وتم الاتفاق عليه، وعندما أصبح من الممكن تطبيقه على أرض الواقع، كانت الحرب قد دقت أبواب السوريين، فلم يعد يرغب أي مستثمر من المكوث في سوريا لتطبيق أي مشروع بسبب وضع البلاد وما آلت إليه الأمور.


المشكلة ليست في الراتب

ثمّة جدل كبير بين السوريين اليوم، ويتعلق بالحديث المتواتر مؤخراً عن إمكانية زيادة الرواتب، يقول سامي الموظف لدى القطاع العام، والذي تقدم باستقالته نتيجة هزالة الراتب الحكومي: "المشكلة ليست في حجم الراتب، بل في تزامن ارتفاع الأسعار مع أي زيادة يحصل عليها المواطن، فإذا أصبح راتب المواطن 400 ألف، سيبقى بالنسبة للوضع المعيشي وكأنه 40 ألف، نتيجة ارتفاع الأسعار التي يتم ربطها بسعر الصرف، ولكن لا يتم ربط راتب المواطن به".


دراسات وأبحاث

دراسات كثيرة خرجت خلال السنوات الأخيرة حول الراتب اللازم للموظف كي يستطيع تلبية متطلباته الأساسية، آخرها دراسة تؤكدد أن المطلوب حالياً هو زيادة بنسبة 400% لكي يتناسب الراتب مع الواقع المعيشي، أي ما يقارب 450ألف ليرة سورية، فيما اقترح مركز "مداد" للأبحاث والدراسات في دمشق، ربط الحد الأدنى للرواتب بقيمة خط الفقر الشديد، وزيادة سنوية للرواتب توازي معدل التصخم السنوي، وربط الترفيع الذي يتم كل عامين بمؤشرات الأداء والتميز.


و اليوم، وفي غمار الحديث عن زيادة الرواتب، يتمنى محمد الموظف في مديرية التربية بدمشق، والذي يتقاضى 50 ألف ليرة سورية شهرياً، أن يتم رفع الراتب إلى 200 ألف ليرة، فقط من أجل تأمين الحاجات الأساسية، فيقول خاتماً حديثه: "نحن لا نريد أكثر من "عيشة مستورة" .

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9